الإرض مائدة إفطار كبيرة وعيون الشّرطة تحرس الفضاء
يشكّل الموقع الاستراتيجي لمنتزه الصابلات فضاءً مهما للعائلات والفرق الرياضية والزوار القادمين من وجهات مختلفة، فهو يضم أربع بلديات تشاركه هذا الحيز المميز وتواجده على طول الطريق السريع نحو العاصمة على امتداد 12 كيلومترا، ناهيك عن المساحة الشاسعة لمواقف السيارات سواء ذلك الذي بمدخل المنتزه أو الآخر في الجهة المقابلة لمحطة الخروبة.
لكونه حلقة لا متناهية من المتعة والترفيه تحج إليه العائلات الجزائرية من كل حدب وصوب، وتفضل الكثير منها قضاء أيام العطل بين فضاءاته شاطئه الطبيعي والاصطناعي، فيما يفضّل الشباب المساحات الرياضية من ملاعب وأروقة العدو، ومربعات الكرة الحديدية، يجد الأطفال من مختلف الأعمار ضالتهم في الألعاب الكبرى المنتشرة بشكل يغري متعتهم، فتراهم ينتقلون من لعبة الى أخرى في غدو ورواح تاركين خلفهم صراخا يدوي المكان.
فيما يفضّل بعض الشباب صناعة الفرح في جماعات صغيرة وتحت ضربات الدف و»آلة الصاكسو» يصنعون من نغماتها سمنفونية وينخرطون في تصفيق ورقص منقطع النظير، جالبين فضول العائلات والأزواج من المارة.
«الشعب» جالت وصالت في هذا الفضاء السياحي والترفيهي بخليج الجزائر العاصمة «الصابلات»، وهي تلبي دعوة الافطار الرمضانية على ضفافه وسحره المبادرة نظّمها طلبة الماستر دراسات مقارنة بجامعة الجزائر 3 قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، حيث اقترح فاتح على زملائه تحديد يوم يلتقون فيه ويشاركون بعضهم جلسة إفطار جماعية، بعيدا عن مدرجات الجامعة وكواليس الامتحانات وغيرها، ولأن المجموعة أغلب أفرادها لا تقطن بالعاصمة ومن مختلف الولايات، إلا أن ظروف العمل لبعضهم بالعاصمة ترغمهم على قضاء صيام الشهر الفضيل بعيدا عن الاهل وعن الجو العائلي الكبير.
فؤاد، سليم، أيوب، أشواق، سارة، فاتح والآخرون... فسيفساء لوطن واحد
يشتغل «فؤاد» محضرا قضائيا من عروق الحضنة الضاربة في تاريخ الوطن وشموخه، ومن بحيرات القليعة فضل «نسيم» المغامرة ومشارك زملائه الوجبة عائدا الى عمله مباشرة بعد تناوله الإفطار لضرورة وإلزامية المهنة والعمل فهو يشتغل إطارا في إحدى الهيئات الأمنية، تقاسمه في نفس المهام أشواق وهي من عاصمة الزيانيين تلمسان أما «سارة» فهي إعلامية تشتغل في إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة من عاصمة التيطري المدية ومدينة العلامة محمد بن ابي شنب، وإلى مدينة الاغواط تحمل إيمان أشعار عبد الله بن كريو، ومآثر الارباع ومجد الزاوية التيجانية كمنارة وقبلة للإسلام المعتدل والوسطي. ليس بعيدا عن ذلك باتجاه عاصمة الهضاب سطيف العالي حيث يفضل «فاتح» وهو إطار دولة الجلوس مع زملائه والتحضير لهذا الافطار رفقة الصديق «إلياس» طالب دكتوراه ذو الملامح السمحاء وابن زوايا كتاكتيت بني ورتيلان، ينضم إليهم كل من «شانيز» قائدة التحضير اللوجيستيكي وهي صاحبة مؤسسة خاصة، وما ذلك ببعيد عليها وهي القادمة من بركات الولي الصالح سيد احمد بن يوسف الملياني الراشدي، أما «زكرياء» فيشتغل بالتجارة غير بعيد عن العاصمة، ومن مفتاح يحمل هو الاخر ما تم تحضيره في بيته ليكون طبقا طاولة الافطار، ويشارك المجموعة إفطارها الامر نفسه بالنسبة لـ «محمد» الفيلسوف والعارف والداري بكل شؤون التأليف والمراجع.
غير بعيد عن هذه التفاصيل، يظل «أيوب» المشاكس والنقابي في التنظيم الطلابي، يحمل تلك الروح المرحة يقاسمه فيها «سليم» ورغم الاعاقة الحركية إلا أنّه يظل نورسا يضفي جمالية على الحديث بخرجاته وصوره النادرة، فهو المغمور بمياه بواسماعيل التي اختارته ليكون رفيقها الوفي حيث يشتغل في احدى المؤسسات العمومية، وأين ما وجدته فلن يفارقه صديقه وابن مدينة القليعة سيد علي هذا الاخير يظل صديقا كتوما للصمت، فلا تكاد تسمع له همسا الا وهو يغازلك من بعيد على شفا فرح مؤجل كما هي الافراح المؤجلة تصنع مجدها مع هؤلاء.
ما أضفى على الجلسة رونقا التحاق زميلتهم وهيبة رفقة طفليها بعد الافطار مبشارة، مفضلة مغادرة البيت والترويح عن الاطفال والجلوس رفقة زملائها الطلبة على طاولة الشاي والحلويات المختلفة التي حملت بعضها بين يديها وهي قادمة، الأمر الذي أضفى لمسة حميمية قلما نجدها تنافس الزملاء في ما بينهم لمداعبة الطفلين، وغير بعيد عن ذلك فضلت «هاجر» القدوم رفقة والدتها، الأمر الذي استحسنه الفريق، في ليلة مهربة من رمضان 2017.
ملاذ للعاصميّين ومن الولايات المجاورة وللسياح نصيب من الزيارة
يعتبر منتزه الصابلات أكبر فضاء شاطئ يشغل الحيز الاكبر من خليج العاصمة، تبلغ بمساحته حوالي 12 كلم، يضم خمس بلديات هي سيدي أمحمد، بلكور، حسين داي، الحراش، المحمدية، وتحتل بلدية حسين داي المساحة الأكبر من الخليج العاصمي، وإن كانت الأشغال به لا تزال جارية من خلال إعادة تهيئة وادي الحراش على مساحة شاسعة وإضفاء اللمسة الجمالية على ضفافه بتوسعة الشاطئ الصناعي والممرات البحرية، إضافة الى تهيئة الجهة الوسطى من الميناء، هذا الأخير ما تزال به الأشغال جارية ولم تنته بعد.
إضافة إلى أنه يحتوي على مسرحا للهواء الطلق، ومرافق عمومية وخدمات متعددة ليلا ونهارا، ناهيك عن التنظيم المحكم في توظيف المساحة وتجهيزها بالضروريات من أماكن الصلاة والمراحيض للجنسين والمقاهي والملاعب الحوارية، ومركز الشرطة ومصالح النظافة «نات كوم» التي تشتغل بشكل دوري ودائم حفاظا علىنظافة المكان ورفع القمامات في أوقاتها، ويساهم الموقع في إقامة المعارض المختلفة ولقطاعات كثيرة حيث تدوم إلى اسابيع، وينتظر أن يضم المكان مطاعم بحرية على ظهر سفن عائمة في البحر، تقدم خدمات للزوار من وجبات بحرية حسب طلبات أصحابها، الأمر الذي يتطلب الاسراع في إنهاء الاشغال القائمة على مستوى الميناء الاصطناعي، حتى يضمن الخدمات اللازمة، كما يسهل لأصحاب السفن الصغيرة والزوارق والدراجات بربط محركاتهم على مستوى هذا الاخير، وهي خدمة اضافية ستلقى ترحيب الكثير.
وإن كان متنزه الصابلات لا يقتصر على سكان العاصمة فقط، بل أصبح قبلة لسكان الولايات المجاورة كالبليدة، تيبازة، بومرداس، تيزي وزو، عين الدفلة، المدية. كما أن قربه من المركز التجاري «أرديس» جعل العائلات تحمل بعضها للتسوق في مساحاته التجارية ثم العودة اليه للراحة والاستجمام.
«الشعب «التقت ببعض هذه العائلات التي قدمت من الولايات المجاورة وتحدثت اليها، وكانت اجابتهم قريبة من بعضها ومن نفس طبيعة الرغبات.
أما عائلة الوناس من ولاية تيزي وزو فضلت الافطار بمنتزه الصابلات حتى تضمن لنفسها الظفر بمقاعد في المسرح هواء الطلق وعدم تفويت حضور سهرة غنائية يحييها المطرب آيت منقلات، الأمر نفسه حمل عائلة مقران من بومرداس لحضور الحفل بعيدا عن أجواء البيت التي برأيه أصبحت متكررة يوميا ونفس المشاهد، قائلا إنها فرصة لتغيير الجو، ثم اكتشاف المكان الذي يزوره لأول مرة حسبه معتبرا اياه فضاءا مغريا لولا بعض الروائح المنبعثة من وادي الحراش تسد أنفاس القادمين اليه، ولكن عند ولوجه يقول تختفي تماما فلا تكاد تجد لها سبيلا.
الجنس الأصفر يغزون الموقع ينبهرون بالفضاء
ما لفت انتباهنا كذلك تواجد سياح أجانب من القارة الاسيوية على غرار الصين وكوريا والفيتنام وكلهم يتشابهون في ملامحهم، لذلك يصعب التكهن من تحديد جنسياتهم، أو وصفها بدقة، جماعات وأزواج يتجولون في غدو ورواح على طول امتداد الشريط ، منبهرين بموائد الافطار المختلفة للعائلات التي تستعد للإفطار، يقطفون بعدسات آلات التصوير والهواتف النقالة ذكريات من هذا الفضاء الذي كان قبل سنوات مفرغة الشركات الاوكرانية وحظيرة لعتادها. وعلى طول هذا الشريط كانت الشركات الكبرى تضع بقاياها المتراكمة على ممراته، وتشكل الصخور ملاذا لسكان البلديات المجاورة للسباحة والاستجمام وفي الكثير من الأحيان للصيد ايضا.
قبل الافطار حركة غير عادية وطابور طويل للسيارات أمام البوابة الكبرى
في الوقت الذي كانت العائلات في بيوتها تستعد لتحضير موائدها، كانت عائلات أخرى قد حزمت أمتعتها وأكلاتها وأفرشتها وانتقلت الى الصابلات للظفر بمكان، الامر الذي وقفت عليه «الشعب» أثناء تجوالها قبل ساعة الافطار، إذ لم يقتصر الامرعلى عائلات فقط، بل ان هناك مجموعات كبيرة من الشباب هي أيضا اختارت الافطار خارج بيوتها في جو تنافسي، مميز وفريد، تكتشف فيه معادن الناس ونظرا لان الطاولات الموزعة على هذا الشاطئ لا تكفي لتلبية هذا العدد الكبير من العائلات والأفراد، فإن العديد من العائلات من افترشت الارض وفضلت الافطار على الارض وهي ميزة تضاف الى المشهد العام بكل تفاصيله، الامر الذي جعل المدخل يعج بطابور كبير من المركبات الوافدة.
الأضواء أضفت رونقاعلى المكان ورجال الشّرطة عيون لا تنام
تحت الأضواء المنيرة، المترامية الاطراف وعلى طول امتداد هذا المتنزه أضفت هذه الاخيرة على المكان شكلا أسطوريا رائعا، خاصة وتلك الاشعة ترمي بأطيافها على مياه البحر الراكدة، ودون أن تشعر بالملل تتسلل إلى خيالك صورة شاعرية تدغدغ حواسك ومشاعرك، وعلى جنبات الشاطئ تصطف الكراسي والطاولات تجلس عليها العائلات لأخذ قسط من الراحة والهدوء.
فيما شكّلت دوريات الشرطة الراجلة أو على متن مركباتها علامة كاملة، فأينما وليت بصرك إلا ووجدت عناصر الشرطة تؤمن المكان، وحضورها بالزي المدني أو بالرسمي ملفت للانتباه ناهيك عن اعوان المنتزه الذين هم أيضا يساهمون في الحفاظ على هذه التحفة الترفيهية، سواء ما تعلق بحماية الأشجار والنباتات أو المحافظة على الأجهزة المتواجدة عبر مساحاته، وهذه الأخيرة لقت استحسان كل العائلات، الأمر الذي لمسناه من خلال حديثنا إليهم.
ولم يسجّل المنتزه أي حالة اعتداء أو سرقة أو شجار مهما كان نوعها، بالرغم من المساحة الكبيرة والشاسعة التي يحتلها الموقع، وليست بالسهولة بمكان تأمينها دون تسجيل أي حادث يذكر حسب المكلف بالأمن، حتى تجد العائلات ضالتها وسكينتها في الأمن والاستجمام.