أولياء لـ “الشعب”: غياب هذا المرفق الحيوي أمر غير مقبول
أصبح أمن التلاميذ واستقراره وتحصيله التعليمي هاجس الأولياء والآباء، الذين صاروا يبحثون عن الطريقة المثلى والآمنة لتمدرس أطفالهم بعيدا عن أي خطر يهددهم. الكثير من الأولياء يرون في المطاعم المدرسية الحل الأنسب المساعد على بلوغ وضعية تربية سليمة ومحيط تعليمي مناسبة، تحفّز التلميذ على الدراسة قبل التفكير في أي شيء آخر والتيهان مبكرا في مشاكل ليس له فيها أية مسؤولية. “الشعب” تستطلع الوضعية بعد أيام من الدخول المدرسي آخذة في الاعتبار آراء الاولياء.
خرجت “الشعب” إلى الشارع لتسأل الأولياء والمواطنين عن أهمية المطاعم المدرسية في الظروف الراهنة، حيث أصبحت أكثر من ضرورة للحفاظ على سلامة الأطفال الذين تحولوا في السنوات الأخيرة إلى الغنيمة الأولى للبعض ممّن فضّلوا التخلي عن إنسانيتهم ليصبحوا وحوشا بشرية تصطاد البراءة في جنح الظلام والغفلة. وجاء الشهادات تبرز أهمية المطاعم المدرسية، التي كانت أيام زمان إحدى أسس المنظومة التربية لا يمكن التخلي عنها تحت أي مبرر وعذر.
ضرورة قصوى
«سعدية آيت والي”، 45 سنة” أم لثلاثة أطفال يدرسون جميعهم بالطور الابتدائي وعاملة في إحدى المخابر الطبية بخميس الخشنة، سألتها “الشعب” عن أهمية المطاعم المدرسية في الحفاظ على سلامة الأطفال، فأجابت: “كنت أتمنى أن تكون المطاعم معمّمة على جميع المدارس خاصة المؤسسات التعليمية للطور الابتدائي، فالفراغ الموجود بين الدوام الصباحي والمسائي أصبح أكبر مشكل للأولياء لأنهم لا يستطيعون ترك صغارهم بمفردهم في المنزل، ورياض الأطفال لا تستقبل الصغار الذين تجاوز سنهم الخمس سنوات، ما يدخل الأولياء في دوامة كبيرة ومعقّدة، فبين تقديم الاستقالة وترك العمل للبقاء في المنزل لمرافقة ابنهم المتمدرس إلى المدرسة، وبين تكليف شخص بمرافقتهم إلى المنزل مقابل مبلغ مالي، يبقى الآباء في حيرة كبيرة في الدخول مدرسي”.
وأضافت “سعدية”: “تغير الظروف المعيشية تولّد عنه نتائج وخيمة على الأسرة، ففي الماضي كانت العائلة الكبيرة تتكفل بالطفل المتمدرس حتى وان خرجت الأم إلى العمل، ما يهيئ له الجو المناسب للكبر والنمو في ظروف طبيعية وحميمية، فتكون العائلة الكبيرة الحاجز الواقي الذي يمنع عنه أي خطر من الاقتراب، ولكن العائلة اليوم هي مجرد أسرة تتكون من أب وأم وأطفال، ما يجعل المكان الذي يبقى فيه الأطفال في فترة دوام عمل الأولياء نقطة استفهام كبيرة تنظر الإجابة بأي شكل من الأشكال، ولعل اضطرارهم إلى تركهم لدى سيدات استثمرنّ في هذا المشكل وفتحنّ بيوتهن للأطفال المتمدرسين يجهلون عنهن كل شيء خير دليل على ذلك، لأنّ الأمر أشبه بالمغامرة التي قد تنتهي بمأساة إن لم تكن إحداهنّ مؤهلة لمثل هذه المهمة”.
وهنا أكّدت “سعدية” أنّ تكلفة طفل واحد تتراوح بين 4500 دج و6000 دج، وهذا عبء كبير على العائلة التي تتصارع يوميا من أجل توفير لقمة العيش بالنظر إلى الغلاء الذي تعرفه مختلف مجالات الحياة، وذكرت أنها من النساء العاملات اللّواتي أجبرتهن الظروف على ترك أبنائها الـ 3 لدى سيدة تسكن في الحي المجاور براتب شهري 15 ألف دج، وهذا مكلف جدا حسبها.
وهنا صرّحت “سعدية” أنّ المطعم المدرسي سيكون الحل الأمثل ليكون الطفل في أمان ويجعل الأولياء يتنفسون الصعداء، ولن يكون عليهم القلق بسبب الأخطار المحدقة بأبنائهم في الشارع، ولكن الملاحظ أن المطاعم المدرسية موجودة في المناطق الداخلية التي تكون فيها المسافة التي يقطعها التلميذ إلى المدرسة كبيرة، لذلك تستفيد معظم المدارس والإكماليات والثانويات من النظام الداخلي أو النصف الداخلي، ولكن في العاصمة الأمر غير معروف لأن مشكل بُعد المدرسة عن المنزل غير مطروح، ولكن الظروف الجديدة وبروز ظاهرة اختطاف الأطفال تفرضان علينا إعادة التفكير في المسألة لأنّ حياة الأطفال أصبحت في خطر، فمن غير المعقول تسخير شرطي لكل تلميذ أو أن يستقيل الأولياء من مناصبهم لحراسة أبنائهم.
بالنّظام النّصف داخلي فرضت المدارس الخاصة نفسها
«محمد شخالبي”، 50 سنة” عامل بمؤسسة عمومية، وأب لأربعة أطفال متمدرسين في مختلف الأطوار التعليمية، سألته “الشعب” عن المطاعم المدرسية فأجاب: “أصبحت المطاعم المدرسية ضرورة قصوى لإبعاد الخطر المحدق بالأطفال، خاصة مع تزايد عدد البراءة المختطفين في مختلف مناطق الوطن، لذلك على وزارة التربية التفكير جديا في هذا الحل الذي يفرض نفسه بقوة على الساحة، خاصة إذا علمنا أن المدارس الخاصة وجدت طريقها لتكون الخيار الأول للكثير من الأولياء لأنها تتمتّع بالنظام النصف داخلي للمتمدرسين، فهم يستفيدون من النقل والمطعم، ما يعطي الأولياء جرعة من الأمان والاطمئنان،
وكذا الراحة النفسية لتأدية عملهم دون مخاوف من تلقي مكالمة هاتفية يخبرهم فيها المتصل عن مكروه حدث لأبنائهم في طريق عودتهم من المدرسة”.
واستطرد “محمد” قائلا: “لكن وفي الجهة المقابلة المدرسة الخاصة هي خيار مستحيل بالنسبة للكثير من الآباء ذوي الدخل المحدود، فإذا علمنا أن تكلفة طفل في الطور الابتدائي تتعدى 400 ألف دج سيكون علينا تخيل المال الواجب توفيره لتمدرس طفلين أو ثلاثة فيها، وبعملية حسابية بسيطة سنصل إلى استحالة الأمر على اغلب العائلات الجزائرية التي لا يتعدى دخلها الشهري 35 ألف دج، فهذا المبلغ لا يوفي حتى الحاجيات اليومية، لذلك على السلطات التفكير في الطريقة المثلى لتجسيد مشروع مطعم مدرسي في كل مؤسسة تعليمية لصالح التلميذ والمجتمع بصفة عامة”.
وأضاف “محمد”: “الواقع يؤكّد استحالة تطبيقه، فبعض المدارس تعرف اكتظاظا كبيرا في الأقسام أين نجد أكثر من 40 تلميذ في القسم الواحد، ما جعلها تلجأ إلى نظام الدوامين بسبب عجزها عن احتواء هذا العدد الهائل من التلاميذ داخلها مرة واحدة، لذلك علينا أولا فك الخناق عنها بفتح أكبر عدد من المؤسسات التعليمية، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود مطعم داخلها عند رسم مخططها الأولي، وحتى وإن لم يكن مطعما يمكن توفير مكان يبقى فيه التلاميذ في مأمن داخل المدرسة، أما وجبة الغذاء فيمكنهم إحضارها من المنزل”.
عطلة دون أجر...الحل الأخير
“هانية شيواني”، أم لتلميذ بمدرسة حسيبة بن بوعلي بحي “نسيم البحر” ببرج البحري، سألتها “الشعب” عن يومياتها كأم عاملة فأجابت: “أنا معلّمة بعين البنيان وأقطن ببرج البحري وابني يدرس بنفس الحي الذي أسكن فيه، أما زوجي فموظف في بنك بالعاصمة، قبل التحاق ابني بالمدرسة كان الأمر بالنسبة لي هينًا، فسنّه كان يسمح له بالبقاء في روضة الأطفال (البراءة) المجاورة للمنزل، ولكن مع دخوله المدرسة أصبح الأمر صعبا جدا فأنا لا أستطيع أخذه معي لأنني أعمل بعيدا عن المنزل”.
وواصلت “هانية” بمرارة: “بالإضافة إلى أن هذا الاختيار يجبرني على إيقاظه على الخامسة صباحا لنخرج من المنزل على الساعة السادسة إلا ربع صباحا لتفادي الزحمة المرورية التي تبلغ ذروتها بعد السابعة صباحا، وفي المساء نعود الى المنزل على الساعة السابعة أو السادسة النصف مساء، وهو أمر متعب جدا لطفل في سنه، لذلك كان عليّ البحث عن سيدة تحتفظ بالأطفال المتمدرسين، وبالفعل وجدت واحدة، وبعد الاتفاق معها حول الأجرة التي حددتها بـ 6000 دج، تركته عندها، ولكن وصلتني بعض الأخبار أنها تسيء معاملته وأنها تأخذه معها للتسوق بل أكثر من ذلك ترسله لشراء بعض الحاجيات لها ولزوجها بالإضافة إلى وصوله متأخرا إلى المدرسة في عدة مرات، لذلك كان عليّ الخروج في عطلة دون أجر لمدة ستة أشهر كاملة في السنة الماضية لإكمال سنته الدراسية دون مشاكل، وها قد جاءت السنة الدراسية الجديدة وأنا ما أزال أبرح مكاني دون حل مناسب يخلّصني من هذه المشكلة بصفة نهائية”.
وهنا أكّدت “هانية” أنّ وجود المطعم المدرسي سيرفع عنها الكثير من الغبن والقلق لأنّه سيوفّر لابنها مكانا يبقى فيه بعيدا عن الخطر أو المعاملة السيّئة، التي غالبا ما يعانيها الأطفال لدى المربيات لأنّ معظمهنّ لم يتلقين تكوينا في مبادئ التّعامل مع الطفل.