المنطقة التي حافظـت عـلى أمنــهـا سنـوات الأزمـة

قـرواو تـبـكـي «نــزيـف» أراضــيـهـا الـفلاحــيـة

أحمد حفاف

تعتبر قرواو من أهم بلديات ولاية البليدة بالنظر إلى موقعها الاستراتيجي الهام، فهي تبعد بـ 33 كلم و26 كلم عن ولاية الجزائر العاصمة وتيبازة الساحليتين على التوالي، كما تتوفر على منطقة نشاطات تدر عليها مبالغ معتبرة من الجباية المحلية.

 تُعد قرواو إحدى بلديات ولاية البليدة التابعة لدائرة بوفاريك، تقع في الجهة الجنوبية لسهل متيجة بمحاذاة الأطلس البليدي، على بعد 7 كم شرقا مقر ولاية البليدة، وبـ 8 كلم جنوب مقر الدائرة تقارب مساحتها 18.00 كيلو متر مربع.
وتضُم قرواو تجمعين سكنيين اثنين، ويتعلق الأمر بمركز البلدية الواقع القريب من بلدية بوفاريك، ومركز سيدي عيسى الذي يقع بمحاذاة القطب الجامعي لجامعة سعد دحلب (البليدة 1) التابعة إداريا لبلدية أولاد يعيش، كما تحد بلدية بني مراد من الشمال الغربي والصومعة من الشمال الشرقي وبلدية الشريعة من الجهة الجنوبية.
بحسب الإحصائيات التقديرية الأخيرة، فقد قارب سكان قرواو 24 ألف نسمة، في انتظار القيام بالإحصاء الوطني الذي كان من المنتظر إجراؤه في سنة 2018، غير أنه تأجل بسبب جائحة كورونا الذي ضربت العالم بأسره.
وانبثقت قرواو عن التقسيم الإداري لسنة 1984 بعدما كانت جزءا من بلدية الصومعة، ومن أهم أحيائها بريان، بوزيد ومجدوفة في التجمع السكني لمركز البلدية، والعبادي، واد خميس وحرازة في التجمع السكني لسيدي عيسى.
وبدأت بلدية قرواو تجلب السكان نحوها من كل ولايات الوطن منذ فترة التسعينات لأنها كانت تعرف استقرار أمنيا مقارنة ببلديات أخرى عاشت الويلات خلال العشرية السوداء، واستمر النزوح نحوها مع مطلع الألفية الثالثة فتوسعت عمرانيا ومن حيث الكثافة السكانية.
ويقول حميدى موسى، الأمين العام، واصفا البلدية «موقعها الاستراتيجي أثر إيجابيا على سيرورة النمو، فالقاطن بها يمكنه أن يذهب إلى أي اتجاه يريد بسهولة، وأصبح يعيش بها جزائريون من كل الولايات اشتروا قطعا أرضية من طرف الخواص، وأنجزوا سكنات جديدة».
وقبل صدور قانون يمنع التعدي على الأراضي الفلاحية، استنزفت الأراضي الفلاحية في بلدية قرواو، حيث أقدم الخواص على بيع أراضيهم التي تحولت إلى سكنات، فتضاءلت المساحة التي كانت مخصصة للفلاحة بشكل كبير، والتي يضاف إليها مزرعتي الطيب سليمان، فيما تٌصنف أراضيها المتبقية والمقدرة بـ 370 هكتار على أنها غابية، وتقع بمحاذاة الحظيرة الوطنية الشريعة.

انعدام العقار يرهن التنمية
 تواجه قرواو مشكلا حقيقيا يتمثل في انعدام الأوعية العقارية التي يمكن استغلالها في إنجاز مرافق عمومية على غرار السكنات الاجتماعية، المدارس أو قاعات العلاج أو هيئات إدارية أخرى من شأنها أن تُوفر حياة كريمة للمواطنين.
وصرّح رئيس البلدية عبد الرؤوف عايد قائلا: «أصبح من غير الممكن إنجاز مرافق جديدة في البلدية لفائدة المواطنين بسبب عدم توفر العقار التابع لأملاك الدولة، ولهذا السبب لم نشأ مؤخرا انجاز مكتب بريد في سيدي عيسى على قطعة أرضية محاذية لملعب جواري، حيث فكرنا في تخصيصها لمشروع مساحته أكبر، وسنبحث عن أرضية تلائم مكتب البريد».
وأضاف المتحدث: «الإمكانيات المالية التي تحوز عليها البلدية تسمح لها بإنجاز مرافق جديدة، ومؤخرا فكرنا في تشييد عيادة متعددة الخدمات واصدمنا بانعدام أوعية عقارية، وهكذا ستستمر معاناة السكان بالتنقل إلى عيادات البلديات المجاورة مثل أولاد يعيش، وهو أمر يشُق عليهم لا سيما في الفترة الليلة أو بالنسبة للذين لا يحوزون على وسيلة نقل» .
من جهته أوضح الأمين العام حميدي: «بسبب مشكل العقار نقوم بإنجاز أقسام توسعة في المؤسسات التربوية للتخفيف من الاكتظاظ، وتحسبا لإلغاء التدريس بنظام التفويج والعودة إلى النظام العادي، وقمنا مؤخرا بهدم ثلاثة أقسام جديدة في ابتدائية الإخوة قصار لبناء 8 أقسام جديدة من أجل رفع قدرة استيعاب هذه المؤسسة قبل الدخول المدرسي الجديد».
كما صرح نائب رئيس البلدية كريم صوالح: «في إحدى الاجتماعات رافعت من أجل إيجاد حلول إستعجالية لمشكل العقار الذي تعاني منه البلدية، فكان رد الوالي بأن الأراضي الفلاحية خطا أحمر، ولا يمكن التعدي عليها».
وأضاف المتحدث: «راسلنا الولاية وقدّمنا مقترحات لأخذها بعين الاعتبار عند تحيين المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير بتوسعة منطقة النشاطات من الناحية الشمالية الشرقية، ومن الناحية الشرقية الوسطى، والباقي يتم إضافته للمنطقة العمرانية، ونحن لا نرغب في التعدي على الأراضي الفلاحية بل نود فقط استغلال الأراضي التي توجد داخل المحيط العمراني».
وقال المتحدث: «هاجسنا الوحيد هو العقار، ونسجل اكتظاظا كبيرا في المدارس خاصة مع إلغاء نظام التفويج وبعض التلاميذ يدرسون بعيدا، وهذا ما يقلق أولياءهم في ظل تنامي ظاهرة الاعتداء على الأطفال».
وأضاف قائلا: «تشييد مرافق في الصحة أو التربية أو في الرياضة بات صعبا بسبب انعدام الأوعية العقارية، ولهذا السبب لا يتوفر لدى البلدية وحدة للحماية المدنية ومركزا للتكوين المهني، وكالة سونلغاز، وكالات الضمان الاجتماعي ومختلف الهيئات التي تٌقدم خدمات للمواطن، والبلدية لديها فقط مكتب بريد ومحافظة للشرطة وفرقة الدرك الوطني».
وختم قوله: «قرواو مصنفة على أنها ثالث بلدية غنية في ولاية البليدة، وتبعد عن العاصمة بـ 38 كيلومترا، لكن أنا شخصيا أراها منطقة من مناطق الظل...ما زلنا لليوم يتنقل آباؤنا مرتين من قرواو إلى محطة المزارع الأربعة ثم إلى بلدية الصومعة لتسديد فاتورة الكهرباء».

تمويل «ذاتي» للمشاريع
 يُصنّف النائب كريم صوالح بلدية قرواو على أنها نموذجية في تحقيق التنمية بتمويل ذاتي، ذلك أنها تعتمد على تحصيلات الجباية المحلية التي تفوق 50 مليار سنتيم سنويا، ولأنها مصنفة كبلدية غنية فهي نادرا ما تستفيد من مشاريع ممولة من قبل الولاية أو صندوق التضامن بين البلديات.
ومنذ سنة 2015 وتنفيذا لقرار وزارة الموارد المائية، صرفت قرواو ما يقارب 107 مليار سنتيم لتجديد شبكات التموين بالماء الشروب وشبكة الصرف الصحي، وتوشك هذه الأشغال على نهايتها، فقد بلغت نسبة تموين المواطنين بالماء وشبكة الصرف الصحي نسبة 98 بالمائة، بحسب ما أفادنا به ممثل الشعب في البلدية.
وقال صوالح الذي يشغل رئيسا للجنة الشؤون الاجتماعية: «بلغت نسبة تجديد شبكة التزود بالماء الشروب 75 بالمائة، وعرفت العملية إنجاز خزان مائي بسعة ألفين متر مكعب، و7 آبار ارتوازية ومحطات ضخ، ويستعمل 95 بالمائة من سكان البلدية غاز المدينة، ونحن نواصل أشغال تجديد شبكات الصرف الصحي، وكل هذا من ميزانية البلدية التي تحصل إيراداتها من الجباية».
وزيادة على تجديد شبكة الماء الشروب وشبكة الصرف الصحي، خصصت بلدية قرواو في الفترة الأخيرة أموالا كبيرة لفائدة الأحياء المصنفة على أنها مناطق ظل، وبالخصوص التي تقع في التجمع السكني سيدي عيسى، وذلك قبل إقرار سياسة تنمية مناطق الظل (المحرومة) من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مع نهاية سنة 2019 أي غداة انتخابه رئيسا للبلاد.
وخلال السنة الماضية، قامت قرواو بتعبيد الطريق المحاذي لجامعة سعد دحلب الذي يربط سيدي بمنطقة الشريفية التابعة إداريا لبلدية الصومعة، وكذا منطقة
«جواجلة» التابعة لأولاد يعيش، وكذا طرق أخرى في حي « العبادي» الجبلي الذي يعرف نموا عمرانيا ملحوظا.
وتتواصل تهيئة الأحياء الجديدة في بلدية قرواو، وستنطلق قريبا أشغال مكتب بريد في سيدي عيسى، الذي يتم تمويله في إطار برنامج البلدية للتنمية، وقاعة علاج أخرى في حي «اراش بي»، مع الإشارة إلى عملية تهيئة مناطق الظل تضمنت أيضا مشاريع للإنارة العمومية والتموين بشبكة الكهرباء.

 محطة القطار إضافة حقيقية
  تعتبر محطة القطار التي ستُسلم في غضون أشهر إضافة حقيقية لبلدية قرواو، والتي استفادت منها بعد احتجاجات متكررة قام بها سكانها، وستكون لها آثار إيجابية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة بصفة خاصة، وولاية البليدة بصفة عامة.
ويقول محمد حماني الذي يعتبر ابنا لبلدية قرواو آبا عن جد، ويشغل حاليا عضوا في المكتب التنفيذي لنادي
«متيجة» للمقاولين والصناعيين عن هذا المرفق العمومي التي تقوم شركة عمومية بإنجازه منذ أشهر: «محطة القطار ستنعش الحركية الاقتصادية والاجتماعية لأنها ستسهل النقل، وتسهل للمتعاملين الاقتصاديين استقطاب زبائنهم، كما تُسهل تنقل العمال إلى منطقة النشاطات في المنطقة».
وتابع المتحدث قائلا: «محطة القطار ستعزز الحركة التجارية في البلدية، وستعود بالفائدة كثيرا على القطب الجامعي لجامعة سعد دحلب، فالطلبة والأساتذة سيفضلون التوقف في بلدية قرواو ثم التوجه نحو الجامعة أو الإقامات الجامعية المجاورة لها، وخلاصة القول ستكون قرواو نقطة محورية جد هامة».
وأضاف رئيس تنسيقية أصحاب العمل في بلدية قرواو:
«قطاع النقل مهم جدا، وتحسينه يعني تحسين النظام البيئي للاستثمار، فمثلا استغلال قطارات حمل البضائع في تموين الشركات بالمواد الاولية بنقلها من ميناء العاصمة، كما يمكن استغلال القطار أيضا في نقل السلع والمنتوجات من منطقة النشاطات نحو الميناء بصفة عكسية لأجل التصدير».
وأبرز المستثمر أهمية محطة القطار بالقول: «لن يجد الطلبة صعوبة في التنقل إلى منطقة النشاطات لإجراء تربصات ميدانية في مختلف الشركات التي ستستفيد بدورها من الابتكارات العلمية والبحوث الجامعية».
ويقطع جزءا مهما من القطب الجامعي المحيط بجامعة سعد دحلب في اقليم بلدية قرواو، ويتمثل في خمسة إقامات جامعية والمدرسة الوطنية العليا للري.
واستفادت بلدية قرواو مع مطلع الألفية الثالثة من منطقة نشاطات تقع بطريق بوفاريك، تضم حاليا قرابة 25 مؤسسة في تخصصات مختلفة مثل شركة «FLR « التي تنتج الحنفيات بمختلف أنواعها، كما ينشط في منطقة نشاطات تقع بالحيز العمراني ومعروفة باسم «شغنون وجيجي» مؤسسات صغرى ومتوسطة يقارب عددها 70، مثل مطبعة «السلام» الناشطة في تحويل الورق وصناعة الوثائق المطبعية، وشركات أخرى في مجال الصناعة التحويلية والتبريد، ورسكلة البلاستيك والألمنيوم.
يُشار إلى أن بلدية قرواو ستبدأ قريبا في تشييد جدران الإحاطة لمحطة القطار، وبعد دخول هذه الأخيرة حيز الخدمة تتطلع إلى شق مسلك ترابي جديد لفائدة مركبات الوزن الثقيل لكي تتجنب هذه الأخيرة المرور بوسط المدينة، كما تسعى لتوسعة شبكة الطرقات وتحسينها وإعداد مخطط جديد للنقل يتلاءم مع الإقبال المتوقع عليها.

 موقع سيدي موسى السياحي
على صعيد آخر، يقع في الجزء الجبلي لبلدية قرواو موقع سيدي موسى السياحي، والذي يبعد عن جامعة سعد دحلب ببضعة كيلومترات، ويقصده الشباب للتنزه والاستجمام بما يحوز عليه من مقومات سياحية في غاية الأهمية.
وتكمن الطبيعة الساحرة بهذا الموقع في الشلال المائي التي ينبعث وسط أشجار خلابة، وبجانبها مبنى صغير كان الولي الصالح سيدي موسى بن ناصر الذي سمي الموقع باسمه يتخذه مسجدا للصلاة، ويُدرس به القرآن الكريم ويلقن طلبته مفاهيم الدين الإسلامي (من أقدم الزاويا في الأطلس البليدي)، وبجانبه مقبرة الأتراك الذين حكموا الجزائر في عهد الدولة العثمانية.
وفي وقت سباق، قدّم المجلس الشعبي البلدي مقترحات لتطوير هذا الموقع ليكون فضاء للعائلات، وقد يُدرج مستقبلا ضمن مناطق التوسع السياحي بولاية البليدة، أما واد الخميس الذي يقع وسط التجمع السكني سيدي عيسى، فيمكن تهيئة ضفافه لتكون منتزها مهما للعائلات أيضا، مع العلم أن الرئيس الأسبق للمجلس الشعبي الولائي قام بمعاينته على أمل تسجيله ضمن المناطق التي يمكن تخصيصها للتنزه والترفيه.

غياب الهياكل الرّياضية
  تفتقر بلدية قرواو للمنشآت الرياضية رغم المواهب الشابة التي تزخر بها في جل الرياضات، ويعتبر الملعب البلدي المتنفس الوحيد للشباب والجمعيات الرياضية مثل أتلتيك قرواو الذي يسعى للتقدم في مجال التكوين.
وأكد كريم صوالح الذي يترأس هذا النادي، بأن الكم الهائل للمواهب في البلدية يُصعب التكفل بها بسبب انعدام الهياكل القاعدية مثل القاعات والملاعب، ولهذا السبب لا يمكن تحضير هذه المواهب لترتقي إلى مستوى النخبة.
وأوضح المسؤول البلدي: «هناك مواهب عديدة في كرة السلة في قرواو لكنها لا تجد أين تطور مهاراتها، ولدينا رياضي وحيد متميز في الملاكمة التايلاندية، ورياضيين آخرين في الكاراتي، وانعدام المرافق يجعل من التكوين صعبا جدا، ذلك أن تخصيص الحجم الساعي الضروري للمتكونين يكون مستحيلا عندما يكون ملعب وحيد مستغل من طرف الجميع، كما هو الحال في قرواو».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024