إجراء سيقلص من الاستــــيراد ويدعـم الإنتـاج الوطنـي والتنميـــة
200 مليـــار دينــار تهـرب ضريبـي سنويا
يعتبر القطاع الموازي في الاقتصاد الوطني، أكبر بؤرة فساد تهدد الأمن والسيادة الوطنية وأكبر عامل يعيق الإصلاحات للنهوض بالاقتصاد الوطني خارج المحروقات، ناهيك عن تعطيل التنمية بسبب حرمان الخزينة العمومية من عائدات مالية هامة، تساهم في بعث النشاط التجاري والصناعي بالعديد من المناطق الحدودية.قدرت السلطات الأموال المتداولة في السوق الموازي بـ3700 مليار دج، يجعل الجزائر تفقد الكثير من النقاط لجلب الاستثمار وينقل صورة سلبية عن مناخ الأعمال فيها، وما يزيد من خطورة السوق الموازي هو ارتباطه بالتهريب ودعم الجماعات الإرهابية التي تبين أنها تستثمر في هذا القطاع، من خلال تبييض الأموال وربط علاقات مع المهربين لضمان التمويل مقابل تأمين الطرق والمسالك.
قامت خلية معالجة الاستعلام المالي التابعة لوزارة المالية بتحويل 125 قضية إلى القضاء، منذ بدء نشاطها في 2005، وتتعلق هذه القضايا في معظمها بشكوك حول مخالفة التشريع المعمول به في مجال الصرف وحركة رؤوس الأموال إلى الخارج، لاسيما التحويل غير الشرعي للأموال.
وكشفت نفس الهيئة في فيفري 2016، أن أغلب هذه الملفات فتحت انطلاقا من تصريحات بالشكوك تقدمت به البنوك إلى خلية معالجة الاستعلام المالي، بينما كانت الجمارك وبنك الجزائر وراء بقية الملفات، علما أن الخلية ليست مخولة بالشروع في التحقيق من تلقاء نفسها.
وبلغ عدد الملفات المحولة للقضاء إلى غاية 2011 ثلاثة ملفات فقط، تتعلق بتبييض الأموال، بالرغم من أن عدد تصريحات الشكوك بلغ 3188 تصريح بين 2007 و2011. وبلغ عدد التصريحات أوجه في 2010 عندما شرع البنك المركزي في عملية رقابة واسعة على مستوى البنوك والهيئات المالية، غير أن عدد تصريحات الشكوك التي تلقتها الخلية تراجع بعد هذه العملية، لاسيما أن بنك الجزائر على إثرها أصدر تدابير حيطة وإجراءات رقابية جديدة، فضلا عن تحسيس البنوك بضرورة التحويل الانتقائي للتصريحات، حيث يتم استثناء كل العمليات التي لا علاقة لها بتبييض الأموال.
وتابعت الوكالة: “أنه في 2015 سجلت خلية معالجة الاستعلام المالي ارتفاعا في عدد التصريحات التي قدمتها البنوك من 582 تصريح في 2013 إلى 661 تصريح في 2014 ثم 1290 تصريح سنة 2015”.
وسحب المجمع المالي الدولي “غافي” المتخصص في وضع المعايير والتدابير لمكافحة غسيل الأموال، الجزائر خارج القائمة السوداء للدول المتراخية في إجراءاتها مع شبكات تبييض الأموال والإرهاب الدولية.
واعتبرت الهيئة الحكومية الدولية المتخصصة في مكافحة غسيل الأموال، في بيان لها نشرته السفارة الأمريكية بالجزائر في فيفري 2016 “الجزائر خارج قائمة الدول التي توضع في خانة تمويل الجماعات الإرهابية وتبييض الأموال”، ذلك بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا للتضييق على الشبكات الإجرامية الدولية الناشطة في المجال.
وسلط التقرير الدولي حول مكافحة تمويل الإرهاب وتمويله، الضوء على عديد من الدول التي قصرت في منظومتها الأمنية ولم تسجل أي تقدم ملحوظ في المجال مدرجا إياها في “القائمة السوداء”.
وقال المصدر إن الجزائر عرفت “تقدما كبيرا” في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود ولاسيما التقدم الواضح في مجال مكافحة تمويل تلك الشبكات الإجرامية الناشطة في مجال تبييض الأموال.
وأردفت الهيئة الدولية المتخصصة في تدبير الآليات لمكافحة غسيل الأموال والإرهاب “غافي”، أن “جهود الجزائر في مجال محاربة الجماعات الإرهابية و الحصار المفروض على تلك الجماعات لعزلها عن تلقي التعزيزات المالية وتضييق الخناق على شبكات تبييض الأموال الدولية أكسبتها اعترافا وتقدير من السفارة الأمريكية”.. وهو تقدير يلمس لدى الكثير من الهيئات الدولية التي تتابع باهتمام تجربة الجزائر في مكافحة تبييض الأموال والإرهاب.
وكانت الجزائر قد باشرت إستراتيجية جديدة مؤخرا للحد من شبكات تبييض الأموال والإرهاب، حيث جاء مرسوم رئاسي منذ سنة لتعزيز الرقابة على المؤسسات المالية المستعملة في تبييض الأموال وتحويلها للجماعات الإرهابية.
وانصبت الرقابة المشددة بالخصوص على حركة الأموال القابلة للتداول وإلغاء عمليات تحويل الأموال، التي لا تحتوي على معلومات كاملة عن المصدر. نص المرسوم على تجهيز تدابير تشريعية لإنشاء وحدة التحريات المالية، وإعطاء لها صلاحيات تمكنها من المكافحة الفعالة لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك تلقي التقارير المتعلقة بالمعاملات المالية المشبوهة في نطاق غسل الأموال وتمويل الإرهاب ولو كان من مصادر مشروعة وفحصها وتحليلها وتعميمها.
ومحاربة السوق الموازي يعني تقليص الاستيراد الذي يعتبر أكبر طريق لتهريب العملة الصعبة للخارج ومرتعا للفساد، فقد انتقلت الواردات من 14 مليار دولار في 2004 إلى حوالي 70 مليار دولار في السنة المنصرمة، حيث وبعد انهيار أسعار النفط انهارت معه الأقنعة حول أهم المسالك التي خربت الاقتصاد الوطني.
السوق الموازي والتهريب.. وجه آخر للإرهاب
اعتبر الخبير الاقتصادي فارس مسدور، السوق الموازي ومكافحة التهريب أكبر مهددين للأمن والاستقرار ومصالح الجزائر، قائلا أنهما لا يقلان خطورة عن الإرهاب المسلح، مثمنا الخطوات العملاقة التي قطعها الجيش الوطني الشعبي في مكافحة التهريب، حيث تعكس التقارير المنقولة عبر وسائل الإعلام عن تمكن عناصر جيشنا من إحباط آلاف محاولات إغراق الجزائر بالسلاح والمخدرات في سياق خلق الفوضى الخلاقة وإفشال كل محاولات خلق وضع فوضوي يحافظ على مصالح المافيا وبارونات التهريب ومقاومة كل محاولة السلطات ترسيم مختلف النشاطات الاقتصادية.
وحذّر مسدور من الأخطار القادمة من الحدود الغربية، حيث تشير الإحصائيات إلى إنتاج المغرب أكثر من 70 مليار دولار من المخدرات، مستهدفا الجزائر لتصديرها والترويج لها، ولا يخفى على أحد العلاقة التي ظهرت بين تجار المخدرات والسلاح والجماعات الدموية، الأمر الذي تفطنت له الجزائر واتخذت الاحتياطات لوقاية نفسها من السموم.
وقال مسدور أن الجزائر التي استثمرت كثيرا في وقت كانت فيه أسعار المحروقات مرتفعة بتأسيس أكثر من 900 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، اعتمدت عليها لتقوية الصادرات خارج المحروقات.
وأبدى مسدور في حديث خص به “الشعب”، مخاوف من أن تذهب الاستثمارات الضخمة في مهب الرياح إذا ما استمر توغل السوق الموازي، الذي تدور فيه أكثر من 3700 مليار دج، كما أن سوق العملة تضم أكثر من 14 مليار دولار يستحوذ عليها بارونات ومافيا دولية، حيث كانت العملية المنية التي ضربت سوق «السكوار» رسالة مهمة على أن الجزائر ملمة بما يحدث في هذه السوق التي يجب أن ترسم بكل الطرق.
وفي سياق تجسيد المصالحة الاقتصادية، وجه مسدور رسالة لكل الناشطين في السوق الموازي لترسيم نشاطهم وإدخال أموالهم للبنوك لتعزيز الأمن والاستقرار الوطني، لأن بقاء الأموال بدون مراقبة سيرفع من مستوى المخاطر على أمن الجزائر.
وقدر خسائر الخزينة العمومية سنويا من التهرب الضريبي 200 مليار دينار، وهو الرقم الذي يجب أن نضربه في عشرات السنين الماضية، حيث كان الاقتصاد الوطني يخسر مئات الملايير من الدولارات وفي ظل ما يحدث لا يجب أن يتواصل الأمر على ما هو عليه.
واعتبر المحفزات الضريبية على أموال السوق الموازي أمرا لا مفر منه حيث دعا إلى تخصيص ضرائب منخفضة على الذين يسرعون في تسوية وضعيتهم قبل ستة أشهر ورفعها على الذين يتأخرون لسنة وهكذا حتى نضمن دخول أكر قدر من الأموال للبنوك، وتسهيل عملية مراقبة الأموال لتضييق الخناق على جماعات التمويل اللوجيستي ووقف عمليات التهريب وتبييض أموال المخدرات وتجارة السلاح.
ومن المقترحات منح ترقيات وتحفيزات مالية للمبلغين عن المفسدين، لأن هذا الأمر قد يساعد على ترسيخ المواطنة ومنه الحفاظ على المصالح العليا للاقتصاد الوطني والبلاد مع حماية المبلغين قانونيا ومعنويا.
إدماج مواد جديدة لمعاقبة بارونات السوق الموازي
ودعا فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، إلى رفع مستوى مكافحة الفساد والتهريب إلى مستوى مكافحة الإرهاب، لأن هذه الآفة باتت مهددة لسلامة البلاد، لأن مواصلة الفساد على ما هو عليه الآن سيقضي على كل شيء.
وأيد رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان في حديث لـ«الشعب” إدماج مواد جديدة في قانون العقوبات وقانون مكافحة الفساد لمتابعة بارونات السوق الموازي، التي تتهرب من دفع الضرائب وتتسبب في متاعب كبيرة للاقتصاد الوطني، بل وتهدد الاستثمارات الضخمة التي تضخها الدولة لخلق مناصب العمل والثروة والنهوض بالتنمية خاصة في المناطق النائية والحدودية.
وحذر قسنطيني في سياق متصل، من الانتشار المتواصل لهذا النوع من النشاط، حيث سيكون له أثرا سلبيا على جلب المستثمرين وإفشال مساعي الجزائر للانضمام للمنظمة العالمية للتجارة، والتأثير على مناخ العمال في الجزائر في التقارير العالمية السنوية.
وأشار قسنطيني بالمقابل إلى «ضرورة الاعتناء بالمناطق الحدودية من خلال إقامة نشاطات صناعية واستثمارت ضخمة موجهة للتصدير، حتى نقضي على التهريب ونستقطب الشباب الذي ينشط في التهريب ويستنزف ثروات البلاد».
وأرجع قسنطيني تحسن مراتب الجزائر في مكافحة الرشوة والفساد إلى المجهودات الكبيرة التي يبذلها المجتمع المدني والعدالة، وكذا إلغاء عقوبة حبس الصحفي التي مكنت هذه الفئة من مواصلة كفاحها لكشف وفضح المفسدين، الذين يتربصون بالمال العام ويلهثون وراء ما يسمى البحبوحة المالية التي باتت نقمة أكثر منها نعمة، فالجميع بات يتربص بكل المشاريع للنهب وهذا أمر خطير يجب التصدي له.
وأشاد في سياق آخر، بمجهودات مختلف وسائل الإعلام في نقل وفضح مشاكل الفساد وما تنقله وسائل الإعلام الوطنية، من شأنه التحسيس ورفع مستوى الحس المدني للتبليغ عن أية أمور مشبوهة تخص المساس بالمال العام والمصالح العليا للبلاد.
يذكر أن الجزائر تملك قانونا مميزا في مكافحة الفساد، حيث وبعد المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد صادق البرلمان الجزائري على قانون مكافحة الفساد في سنة 2006، ويضم هذا القانون إجراءات ردعية شديدة، غير أنه لم يفهم سبب انتشار موجة الفساد بعد هذا القانون، الذي يظهر أن العقوبات التي تصل في أقصاها إلى 20 سنة لم تردع المفسدين بل شجعتهم على المزيد من الفساد، حيث وصول معظم العقوبات إلى 10 سنوات يعتبرونها عقوبة مخففة، وعليه قد يكون إدماج عقوبة الإعدام حلا من حلول ردع كل من تسول له نفسه العبث بالمال العام.
وذكر القانون أن من أسباب اتخاذ مثل تلك الإجراءات، هو تعزيز النزاهة والمسؤولية والشفافية وتسيير القطاعين العام والخاص، مع تسهيل دعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية من أجل الوقاية من الفساد ومكافحته بما في ذلك استرداد الموجودات.
ومن العقوبات التي نص عليها القانون هو ما ورد في المادة 25، حيث تعاقب من سنتين إلى 10 سنوات حبس وبغرامة مالية من 20 إلى 100 مليون سنتيم كل من وعد بمزية غير مستحقة أو بأداء أو امتناع عن عمل من واجباته.
وتنص المادة 27 على أن أية مخالفة للتشريعات الخاصة بالصفقات تكلف صاحبها من 10 إلى 20 سنة سجنا، أما المخالفات الخاصة بمنح رشاوى للأجانب والعاملين في المنظمات الدولية فتعرض صاحبها لنفس عقوبات المادة 27 وشأنها شأن اختلاس الممتلكات من قبل موظف عمومي أو استعمالها على نحو غير شرعي.
وتشير المادة 31 إلى عقوبات تتراوح بين 5 و10 سنوات وغرامة من 50 إلى 100 مليون سنتيم في حق كل من يقوم بتخفيض غير قانوني في الضريبة والرسم، أما من يستغل النفوذ ويسيء استغلال الوظيفة ويأخذ فوائد غير قانونية، ويتبع طرق للإثراء غير مشروعة ويبيض الأموال الإجرامية، ويمول الأحزاب بطرق خفية فيتعرض لعقوبات تتراوح بين سنتين و10 سنوات وغرامات بين 20 و100 مليون سنتيم، وهذا حسب المواد 31 و32 و33 و35 و37 و43 و39 على التوالي من القانون.
أما عدم التصريح أو التصريح الكاذب بالممتلكات وإعاقة السير الحسن للعدالة فيعاقب عليه القانون من 6 شهر إلى 5 سنوات سجن وغرامات مالية من 50 ألفا إلى 500 ألف دينار حسب المواد 38 و44، أما الظروف المشددة في القانون فقد وردت في المادة 48، والتي تفرض عقوبات بين 10 و20 سنة على موظفي وأعوان الدولة من قضاة ورجال شرطة في حالة ضبطهم في الجرائم المنصوص عليها.