بمجرد حلول موسم العطل، ينطلق الطفل في رحلة البحث عن مكان للترفيه والتسلية، يخفف عنه عناء الموسم الدراسي يكون ملاذه للترويح عن النفس، إلا أنه يصطدم بواقع غياب مرافق وفضاءات ترفيهية، تغنيه عن البحث عن أيّ وسيلة أخرى قد تضره أكثر مما تنفعه، على غرار اللعب بالكرة في الطرق أو ارتياد مقاهي الأنترنت، ليقضي الطفل ساعات وهو يتصفح الشبكة العنكبوتية دون أي رقيب. «الشعب» ترصد وضعية المساحات الخضراء وآراء سكان بونة حولها وما يجب فعله لإبقائها وجهة ترفيهية بامتياز.
جوهرة الشرق بونة، بالرغم من أنها واحدة من كبرى الولايات في الجزائر، إلا أنها تفتقر لمرافق وفضاءات التسلية والترفيه، أو حتى مساحات صغيرة للعب، وهو ما تشهده أغلب الأحياء المنتشرة بربوع الولاية، حيث يجد أغلب الأطفال أنفسهم مجبرين على اللعب وسط الطرق معرضين أنفسهم لخطر حوادث المرور، إذ تبقى كرة القدم ملاذهم الأول أو اللعب بالدراجات التي قد تشكل بدورها خطرا على حياتهم، في حين أن بعض الأطفال يفضلون لعب «البيار» مشكلين طابورا لا منتهيا مع الشباب، مع العلم أن هذه الطاولات باتت منتشرة بشكل ملفت للانتباه على أرصفة عديد أحياء عنابة، على اعتبار أنها المتنفس الوحيد لهذه الفئة.
الأرجوحة لإسكات شغف الأطفال
بعض المسؤولين، وجميلا منهم لأطفال بونة، قاموا بوضع عبر بعض الأحياء أرجوحات، على أساس أنهم قدموا مساحة للطفل للعلب والترفيه، لكن الغريب في الأمر أن من نصبها لم يضع في حسبانه أنها قد تشكل مصدر خطر على مستعمليها، حيث يتم وضعها قريبة من حافة الرصيف، فماذا لو انقطع الحبل ووجد الطفل نفسه في منتصف الطريق، خصوصا وأن هذا الأخير لا يستخدم الأرجوحة بطريقة عقلانية، وإنما يطلب من صديق له أن يدفعه بأقصى قوة دون إدراك منه لمخاطر ذلك.
الأودية متنفسهم...
تنتشر الأودية بعنابة بشكل كبير، وإن كانت تسبب مشاكل متعددة لسكان بونة، وعلى وجه الخصوص القاطنين بقربها، إلا أن الأطفال وجدوا فيها ملاذا يروحون فيها عن أنفسهم، غير مبالين ببرودة الطقس والمخاطر التي قد تلحقهم من أمراض معدية أو غرق أحدهم، ولا يلام الأطفال في ذلك، إذ ضرب المسؤولون بهذا المشكل عرض الحائط وأصبحت الأودية تغطي الوجه الجمالي والحضري للمدينة دون أن يحركوا ساكنا، ليحولها الأطفال من ظاهرة سلبية إلى منطقة للاستجمام، على غرار أحد الأودية المتواجدة بحي «الريم» والذي كان السكان يصطادون فيه «السمك» خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي نظرا لصفائه ونقائه، عكس اليوم حيث أصبح مصدر خطر على قاطني الحي، حيث يتسبب في انتشار الحشرات والناموس بشكل يؤرق معيشتهم.
حديقة التسلية مهملة...
المار بجانب حديقة التسلية المتواجدة بسيدي عاشور، يظن للحظة أن ولاية عنابة تتوافر على فضاء رائع للتسلية والترفيه، لكن من يدخلها سيغير رأيه لا محالة ويكتشف أنه أمام أطلال أكل عليها الدهر وشرب.
بالرغم من أنها من أهم المناطق التي تساهم في تنمية السياحة المحلية، إلا أن السلطات المعنية لا توليها أي اهتمام أو عناية، حيث أصبحت تعاني من وضعية سيئة بانتشار النفايات في كل مكان. أما الألعاب فحدث ولا حرج، ولا ينتفع منها سوى الأطفال دون العاشرة، أما من هم دون ذلك فلهم أن يبحثوا عن وسيلة أخرى للترفيه داخل حديقة التسلية التي أصبحت تثير استياء المواطنين، ولم تعد تعرف الإقبال الذي كانت تشهده من قبل، خاصة في فترات الصيف، حيث كانت تقصدها العائلات خاصة ليلا، للاستمتاع بحفلات فنية متنوعة، غير أنها أصبحت اليوم تقدم خدمات متدنية، ولا يرتادها إلا القلة القليلة من شباب المدينة، في حين باتت تعرف مقاطعة شبه كلية للعائلات وللوافدين أيضا من خارج الولاية.
حديقة التسلية أصبحت مثار تهكم سكان الولاية وخصصت لها صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» تحت اسم «منتزه العجائب والغرائب لمدينة عنابة»، وأطلق الشباب العنان لتعليقاتهم، على سبيل المثال لا الحصر «هذا منتزه؟؟ الألعاب لعب فيهم جدّي الأول ومازال ما بدلوهمش... وهذاك القرنيط كل يوم يطيح بيهم نهار يقتل واحد... يجب أن يطلق عليها اسم متحف الألعاب القديمة جدا».
مساحات خضراء مرتع للأبقار
الأمر الطريف الذي تعيشه عنابة، أن الحيوانات باتت تستمتع أكثر من سكان المدينة بأغلب المساحات الخضراء المهملة والمنتشرة بالولاية، حيث أنها تعرف إهمالا كبيرا من قبل السلطات المعنية. وقد وجد الرعاة ملاذهم في هذه المساحات التي جعلوا منها مرتعا لأغنامهم وأبقارهم، حيث لم يعد غريبا على سكان عنابة أن يروا «الأبقار» ترعى في هذه المساحات، وتجوب شوارع المدينة دون أي رقيب، يُطلقها أصحابها لتعود بعدها بمفردها إلى مكانها الأصلي، هذا فضلا عن انتشار النفايات بها دون أن يتم استغلالها لتكون فضاء للاستجمام والترفيه.
...وللأولياء حديث آخر
يناشد الأولياء السلطات المعنية الالتفات لأبنائهم وتخصيص فضاءات مناسبة لهم للعب والترفيه عن النفس نهاية الأسبوع أو في أيام العطل، لتكون ملاذهم بعيدا عن الأماكن التي قد تسبّب لهم الأذى، خاصة خلال لعبهم كرة القدم في الطرق نتيجة غياب الملاعب الجوارية.
وأشارت عديد الأسر العنابية في تصريح لـ «الشعب»، أنها لم تعد تجد المكان المناسب للاستجمام وقضاء يوم عائلي في رحابه، حيث يضطرون للذهاب إلى الشواطئ رغم برودة الطقس على أمل الترفيه عن النفس قليلا، مجددين طلبهم للسلطات المحلية بضرورة توفير أماكن الراحة ليس للأطفال فقط، وإنما أيضا للنساء والشيوخ هروبا من ضوضاء المدينة وضغوطات الحياة.
في هذا الصدد، يقول محمد العربي كحيل، أستاذ بالثانوي، إنه سئم مراقبة أطفاله حين خروجهم للشارع للترفيه قليلا، حيث يخاف عليهم من أي أذى، قائلا: لو كانت هناك مساحات مناسبة للعب لما ظل يراقب أبناءه ويبحث عنهم أين يتواجدون، حيث سيكون ذلك الفضاء المخصص لهم وجهتهم. وشاطرته الرأي السيدة فاطمة الزهراء، ربة منزل، مؤكدة أن نزول ولديها إلى الشارع يكلفها قضاء معظم وقتها على الشرفة لمراقبتهما، وتساءلت عن سبب غياب مساحة وإن كانت صغيرة للأطفال والشباب أيضا.
كما طالب بعض الأطفال، الذين تحدثت إليهم «الشعب»، بتوفير ملاعب جوارية لهم على وجه الخصوص تغنيهم عن اللعب في الطرق، وتهيئة الأماكن المناسبة لقضاء أيام العطل المدرسية..
ويبقى على السلطات الولائية تلبية مطالب أطفالها وهو حقهم المشروع للترفيه والاستمتاع داخل مدينة سياحية بالدرجة الأولى.