أكد خبراء جزائريون أن الطاقة الشمسية والثروة المائية الهائلة والمناجم التي تزخر بها الصحراء الجزائرية تشكل مستقبل التنمية في بلادنا ومن المنتظر أن تلقى إقبالا استثماريا كبيرا، بالنظر لزيادة الطلب عليها وإدماجها في قطاعات أكثر أهمية وكذا تجاوبا مع التوجهات الجديدة في ظل البحث عن بدائل للمحروقات لتجاوز الظرف الحالي الصعب.
قررت الجزائر توجيه اهتماماتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال المياه، الطاقات المتجددة والمواد الأولية، من خلال رد الاعتبار للثروة المنجمية التي باتت موردا مهما، بعد أن دخلت الصين على الخط وأبدت رغبتها في الشراكة بمنجم غار جبيلات، الذي سيكون قطبا استثماريا مهمّا على حدودونا الجنوبية - الغربية والرهان عليه لإعمار المنطقة واستقطاب اليد العاملة.
تسعى الجزائر منذ سنوات عديدة، للتقليل من التبعية للمحروقات التي تشكل 60 من المائة من اقتصاد البلد وأكثر من 90 من المائة من عائدات العملة الصعبة.
وفي سياق تحقيق التوازن الإقليمي الاقتصادي والاجتماعي في المناطق الجنوبية للبلاد بإعمارها وتدارك تأخر التنمية بها بالنظر لموقعها الاستراتيجي واقتناع الكثيرين بأنها المستقبل، قامت السلطات مؤخرا بإحداث تقسيم إداري جديد أفضى لإنشاء 10 ولايات منتدبة جديدة، في انتظار ترقيتها إلى ولايات في 2017، مثلما صرّحت به وزارة الداخلية.
الولايات المنتدبة التي شملها التقسيم الإداري الجديد تتمثل في تيميمون، برج باجي مختار، بني عباس، أولاد جلال، عين صالح، عين قزام، تقرت، جانت، المغير والمنيعة. وسيسمح هذا التقسيم الجديد بتحقيق عديد الأهداف، أهمها فك العزلة وبعث التنمية المستدامة والتقليل من الضغط على مختلف المناطق الأخرى.
الجزائر التي تمتلك صحراء من كبرى الصحارى في العالم، بحاجة إلى مبادرات وأفكار تساعد على إيجاد الحلول المناسبة للتقليل من الضغط على المدن الشمالية التي تشكل 20 من المائة من المساحة الإجمالية للبلاد وتضم 80 من المائة من مجموع السكان وهو ما يمثل اختلالا كبيرا في التوزيع الجغرافي للسكان الذي نتجت عنه تبعات سلبية أهمها الاكتظاظ، التلوث ومختلف الأمور التي تعكر السير الحسن للحياة العادية.
إن التنمية اليوم هي محور استقرار الدول وحتى كبرى الهيئات العالمية، بما فيها الأمم المتحدة، التي تبنّت استراتيجيات تنموية من أجل التقليل من الحروب والصراعات في العالم، وتمكين الشعوب من حياة كريمة بعيدا عن الأحقاد والضغائن والآفات.
وتعرف الصحراء الجزائرية نموا كبيرا للفئات النشطة في الولايات الصحراوية بشكل كبير، مثلما أشارت إليه إحصائيات وزارة الداخلية والجماعات المحلية في الهيئة الناخبة الموزعة في 2014. ففي ولاية أدرار تم إحصاء 220 ألف مواطن فوق سن 18، بينهم 123 ألف رجل و96 ألف امرأة. وبلغ عدد الفئات النشطة في ولاية الأغواط 245 ألف، بينهم 138 ألف رجل و186 ألف امرأة.
وانتقل عدد المواطنين فوق سن 18 في ولاية بسكرة إلى 448 ألف، بينهم 204 ألف امرأة. أما ببشار فقد سجلت وزارة الداخلية 200 ألف فرد فوق 18 سنة، بينهم 83 ألف امرأة. وبتمنراست بلغ عدد المواطنين من نفس الفئة سابقة الذكر إلى 127 ألف.
وشهدت مدينة ورقلة ارتفاعا كبيرا في نسبة النمو السكاني، حيث وصلت إلى 291 ألف فرد مسجل فوق سن 18، أما ولاية البيض فقد وصلت إلى 176 ألف مواطن وبإليزي 34 ألفا، في حين بلغ بالوادي عدد الأفراد النشطين 315 ألف وبغرداية 209 ألف.
وتعكس هذه الأرقام، مع تواجد جامعات ومراكز جامعية بمختلف الولايات الجنوبية، قيمة مضافة لإنجاح الاستثمارات المستقبلية.
حظــــــوظ إقامــــــة مشــــروع “ديزرتـك” مازال قائما
كشف الخبير الاقتصادي فارس مسدور في حديث لـ “الشعب”، أن حظوظ الجزائر في افتكاك مشروع “ديزرتك” لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية مازالت قائمة، بالنظر لعديد المؤشرات التي تصب في صالح بلادنا، خاصة قرب الصحراء من الشمال وحتى مناطق بوسعادة وعين وسارة وغرداية بإمكانها أن تفي بالغرض.
وأكد مسدور، أن أهم عائق يواجه المشروع هو التمويل، فالجزائر إذا تمكنت من التفاوض جيّدا مع الأوربيين، بإمكانها أن تجسّد المشروع دون خسائر وبأموال الأوربيين، على أن تتفاوض فيما بعد عن كيفيات تسديد القروض واحتساب الأسعار وغيرها من المعاملات التي تبقى من اختصاص الخبراء فقط، يجب التفاوض جيدا وإقناع الأوربيين بجدوى الاستثمار.
وأضاف الخبير في سياق متصل، أن بعض التجارب في مناطق من الوطن، أكدت أهمية الاستثمار في الطاقة الشمسية، خاصة وأن الرهان على الفلاحة في تصاعد، حيث بإمكان الطاقة الشمسية أن تكون قيمة مضافة للقطاع، مع إمكانية تحقيق الأمن الغذائي الذاتي والوصول للتصدير.
من جهته تحدث مبارك سراي، المستشار الدولي في الشؤون الاقتصادية والمالية لـ “الشعب”، عن ضرورة الدفاع عن إنجاز مشروع “ديزرتك” في الجزائر، بالنظر لمردوديته الكبيرة اقتصاديا على الجزائر، حيث سيكون بديلا جيدا عن المحروقات. كما أن رهانات أوروبا لتوفير الكهرباء ستتركز على الطاقة الشمسية والجزائر ستكون أحسن خيار لها لتوفيرها.
وأشار سراي لـ “الشعب”، إلى أن الجزائر ستستفيد من هذا المشروع الضخم من خلال توفير الطاقة محليا واستحداث مناصب عمل وثروة وتشجيع الصادرات خارج المحروقات. وقال سراي: “المدى الطويل يفرض علينا عدم تفويت المشروع،الذي مهما بلغت تكاليفه، فعائداته ستكون مهمّة جدا ويمكن حتى جلب مستثمرين أجانب لتجسيد “ديزرتك” الذي سيجعل من التنمية في الصحراء الجزائرية تتطور بسرعة كبيرة ومنه تحقيق توازن جهوي وتخفيف الضغط عن الشمال، كما أن توفير الكهرباء سيطور كثيرا قطاع الفلاحة في الصحراء ويجعله رائدا في هذا المجال”.
وكشف سراي، أن نوعية الطاقة الشمسية في الجزائر هي الأحسن عالميا من حيث التركيبة وهو ما يمكنها من رفع النوعية والاستجابة للمعايير العالمية.
وتقاطع الخبيران حول ضرورة الإسراع في تجسيد المشروع، خاصة وأنه يضمن الحفاظ على سلامة البيئة، فهذا الشرط بات مرجحا لكفة الاستثمارات، في ظل تصاعد الاحتجاجات ضد الاعتداءات على البيئة، مثلما حدث مع الغاز الصخري.
وأصبح الاهتمام بالصحراء الجزائرية يزداد يوما بعد آخر، حيث اهتدت أوروبا إلى الاستثمار في الصحراء الجزائرية في مجال الطاقات البديلة، في صدارتها الطاقة الشمسية، لتأمين تزودها بها بعد 2030، خاصة في ظل بروز الكثير من المؤشرات التي توحي بزوال الثروة النفطية، وازدياد الطلب على الطاقة مستقبلا، في ظل النمو السكاني القياسي الذي تعرفه المعمورة.
وتوجد الجزائر في موقع قوة إذا عرفت كيف تستغل هذه الفرصة، من خلال مشروع “ديزرتك” الذي سيجعل منها أكبر دولة مصدرة للطاقة الكهربائية، ومنه تحقيق قيم مضافة للاقتصاد الوطني، سواء من خلال استحداث مناصب عمل أو رفع العائدات من العملة الصعبة، بالإضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان تمويل مشاريع اجتماعية واقتصادية تعود بالفائدة على حياة الجزائريين.
وستكون الولايات الصحراوية المستفيد الأكبر من هذا المشروع، الذي لايزال محط اهتمام الكثير من الدول، خاصة إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى ترغب في التمويل لتستفيد هي كذلك. بالموازاة مع ذلك، سيجعل هذا المشروع ولايات الجنوب الجزائري قبلة سياحية ومدنا للطاقات البديلة النظيفة التي تعتبر أهم العوامل لجذب سكان ومشاريع جديدة.
وقد أعربت الجزائر وألمانيا في 2010 عن رغبتهما في الدفع قدما بتنفيذ مشروع “ديزرتك” لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في صحارى شمال أفريقيا وتصديرها لأوروبا. وأكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل، بعد لقائها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في برلين، أن لبلادها اهتماما كبيرا في تحقيق برنامج “ديزرتك” لاستغلال الطاقة الشمسية بشمال أفريقيا.
من جانبه أكد الرئيس بوتفليقة، اهتمام الجزائر بتعزيز التعاون مع ألمانيا في مجال الطاقة، خاصة تجسيد مشروع ديزرتك، داعيا الطرف الألماني للمساهمة في تدعم تدريب الشباب الجزائري في إطار تعزيز التعاون بين البلدين والشراكة المميزة.
وكانت الوكالة الفضائية الألمانية قد أعلنت، عبر موقعها الإلكتروني، عقب دراسة حديثة أجريت من قبل خبرائها في 2013، أن الصحراء الجزائرية هي أكبر خزان للطاقة الشمسية في العالم، حيث يدوم سطوع الشمس في الصحراء الجزائرية 3000 ساعة إشعاع في السنة وهو أعلى مستوى لسطوع الشمس على المستوى العالمي.
واقترحت الوكالة، آخذة بالحسبان هذا المعطى، على الحكومة الألمانية إقامة مشاريع استثمار في الجنوب الجزائري لإنتاج كميات هائلة من الكهرباء في الصحراء ونقلها إلى ألمانيا وأوروبا عبر كابل بحري عبر إسبانيا.
وقدرت مصادر من وزارة الطاقة، أن الكميات الهائلة من الكهرباء التي يمكن إنتاجها في الصحراء الجزائرية يمكن أن تغطي 50 مرة احتياجات القارة الأوروبية كليا من الطاقة التي تستهلكها سنويا.
ودخلت الكثير من الدول، على غرار دول الخليج والمغرب، على خط منافسة الجزائر في هذا المشروع. ففي مؤتمر عقد بميونيخ الألمانية في جويلية 2013، أعطى إشارة الانطاق في التخطيط لمشروع عملاق يهدف لاستغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في صحارى بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ونقلها إلى البلدان الأوروبية. وتشارك فيه عدد من كبريات الشركات الأوروبية، بينها شركة “آزيا براون بوفري السويسرية – السويدية”.
في سياق استغلال الطاقات المتجددة، فقد أنجزت أول محطة هجينة لتوليد الكهرباء«غاز + طاقة شمسية» بمنطقة حاسي الرمل الصناعية بولاية الأغواط، التي تعتبر واحدة من المشاريع الطاقوية الوطنية الضخمة والتي دخلت حيز الخدمة شهر جويلية 2011.
وتبلغ طاقة إنتاج هذه المحطة، التي تتربع على مساحة 64 هكتارا، 150 ميغاوات، منها 120 ميغاوات يتم إنتاجها بواسطة الغاز و30 ميغاوات عن طريق الطاقة الشمسية وهي متصلة بالشبكة الكهربائية الوطنية. وأنجز هذا المشروع الطاقوي الضخم باستثمار قدره 350 مليون دولار، في إطار اتفاق شراكة بين الشركة الجزائرية للطاقة الجديدة “نيو إينرجي ألجيريا” والشركة الإسبانية “أبينار”.
احتياطات الصحراء تؤمِّن المياه لـ400 سنة
قال المستشار الاقتصادي والمالي مبارك سراي، إن الصحراء الجزائرية تنام على مخزون مائي هام جدا، يجعلها قادرة على النهوض بالمنطقة لتكون وجهة جذب استثماري وسياحي وتجاري هام، ناهيك عن قدرتها على ضمان سقي الأراضي الفلاحية مستقبلا بشكل يجعل الجزائر بلدا زراعيا بامتياز، شريطة أن نستغل هذه المياه بعقلانية، بطريقة علمية وبدفتر أعباء شديد الصرامة للحفاظ على الجانب البيئي.
ودعم هذا الطرح الخبير الاقتصادي فارس مسدور، مصرحا لـ “الشعب”، بأن الجزائر تنام على احتياطات مائية تكفي لتغطية حاجيات الجزائر من المياه لـ400 سنة قادمة، كما أنها قادرة على سقي العالم بأسره، وأعتقد أن الرهان على الطاقة المائية أحسن من الغاز الصخري، الذي قد يلوث هذه الثروة المائية التي ستكون أحسن رافدا للفلاحة التي أثبتت نجاعتها في المناطق الصحراوية.
ودافع فارس مسدور عن ضرورة إنشاء أنهار صناعية، داعيا إلى الاقتداء بليبيا التي نجحت في بناء نهر اصطناعي لتأمين حاجتها من المياه واستغلالها في التنمية، مستبعدا أن تكون مياه الجزائر محل استنزاف، لأن ليبيا تتواجد في مكان مرتفع عن الجزائر وبالتالي يصعب النيل من الثروات المائية الجزائرية.
وكشفت دراسات عن وجود 640 مليار متر مكعب من المياه بالصحراء الجزائرية وهو ما يكفي لسد احتياجات الجزائر من المياه لمدة قرن و25 سنة، بالنظر إلى أن معدل احتياجات الجزائر سنويا لا يتجاوز 5 ملايير متر مكعب.
وسعت السلطات الجزائرية إلى استغلال تلك الاحتياطات المائية الضخمة لتزويد بعض الولايات المحاذية للولايات الصحراوية، على غرار المسيلة، الجلفة وتيارت من أجل تنمية قطاع الفلاحة بها. كما استكملت السلطات بناء 13 مشروع سد بعد أن استثمرت في المخططين الخماسيين أكثر من 30 مليار أورو في قطاع الموارد المائية.
وكان وزير الموارد المائية السابق حسين نسيب، قد كشف في أفريل 2014، أنه سيتم، برسم المخطط التوجيهي الوطني للقطاع، إنجاز 10 تحويلات كبرى من المياه من الجنوب نحو ولايات الهضاب العليا في آفاق 40 سنة القادمة.
وأوضح الوزير السابق، أن هذه التحويلات، التي انتهت الدراسات الخاصة بها، من شأنها المساهمة، بعد إتمام إنجازها، في القضاء على “العجز الكبير” الذي تعاني منه الكثير من الولايات في مجال المياه.
كما شرعت وزارة الموارد المائية منذ 2012، في دراسة الإمكانية التقنية لنقل مياه الشرب إلى مناطق نائية جديدة في أقصى الجنوب، غير بعيد عن الحدود مع مالي والنيجر، للتخفيف من حدة نقص مياه الشرب في هذه المناطق المعزولة.
وقررت الحكومة تمويل برنامج مسح جديد لدراسة الإمكانات التنموية في أقصى الجنوب، وجرد القدرات الطبيعية والثروات الباطنية في الحدود الجنوبية، لإعداد مخططات تنموية جديدة تخص المنطقة. وتخطط وزارة الموارد المائية لاستثمار أموال إضافية في مشاريع لتوفير مياه الشرب لأكثر من 40 ألف نسمة من سكان المناطق الحدودية النائية بأقصى الجنوب، عبر نقل المياه وحفر المزيد من الآبار السطحية الجديدة قرب جيوب المياه الجوفية.
واعتبر الجميع مشروع نقل مياه الشرب من عين صالح إلى تمنراست، مشروع القرن بامتياز، بالنظر لأهميته الاستراتيجية والإمكانات التي سخرتها الدولة لإنجازه.
ومكّن هذا المشروع، الذي تم تدشينه قبل 3 سنوات، من تخليص تمنراست من أزمة شح المياه، حيث ظلت هذه الولاية تعاني لسنوات عديدة من نقص فادح في المياه الصالحة للشرب، وبعد أبحاث ودراسات عديدة وقع اختيار الدولة على خيار نقل المياه من الشمال وبالضبط من عين صالح إلى تمنراست على مسافة تزيد عن 750 كلم وعلى علو يقدر بـ1200 متر. وكلف خزينة الدولة 197 مليار دينار إجمالا.
الجزائر لا تستغل سوى 15 من المائة من قدراتها المنجمية
قال المستشار المالي والاقتصادي مبارك سراي، إن الجزائر لا تستغل سوى 15 من المائة من قدراتها المنجمية وهو رقم بعيد عن تطلعات الاقتصاد الوطني، الذي يمكن تداركه من خلال تسطير استراتيجية وطنية مبنية على تكوين اليد العاملة المؤهلة لاستغلال المناجم.
وتحدث سراي، الذي كانت له لقاءات مع خبراء روس وأمريكان، أكدوا له أن الجزائر هي مستقبل الصناعات المنجمية. وقال في سياق متصل، إن الروس كشفوا له أن دراسات وصورا ملتقطة بالساتل، تؤكد وجود ثروات باطنية هامة ستجعل الجزائر رائدة في صناعة العديد من المواد الأولية والتخصص في الصناعة التحويلية، ما يؤهلها لتصبح قطبا استثماريا ضخما في المستقبل.
وتحدث مبارك سراي، عن اطمئنانه على مستقبل الجزائر الاقتصادي وعدم إيمانه بالخوف الذي تحاول الكثير من الأطراف الترويج له، لكن شريطة تحضير اليد العاملة اللازمة من خلال التكوين المهني.
وتحدث الخبير مسدور، عن ضرورة البحث عن الشراكة الأجنبية في مجال المناجم، خاصة في مشروع منجم الحديد بغار جبيلات، الذي يمكن أن يدرّ على الجزائر عائدات طائلة ليس في مجال الحديد والصلب فقط، إنما في عديد المجالات الأخرى، موضحا أن البحث عن شراكة مع الدول التي تمتلك تجربة في مجال المناجم، على غرار تركيا وجنوب إفريقيا، من شأنه أن يفعل الاقتصاد الوطني ويقلل من تبعيته للمحروقات.
وثمّن الخبير بالمقابل، التوجه للاستثمار في الصحراء الجزائرية التي تعبّر مستقبل الاقتصاد الوطني وقبلة المستثمرين مستقبلا، من خلال تهيئة الظروف وتحسين الهياكل القاعدية وغيرها من مقومات الاستثمار.
وعلق على إمكانية عقد شراكة مع الصينيين لاستغلال منجم غار جبيلات بالخطوة المهمة، لكن شريطة الحفاظ على النسبة الأكبر من الأسهم للجزائر.
وللنهوض بالثورة المنجمية، أدمج التغيير الحكومي الأخير الذي حدث في 2014، قطاع المناجم مع الصناعة من أجل إعطائه الدفع اللازم وتمكينه من فرص استثمار كبيرة، خاصة على مستوى الولايات الجنوبية التي ستكون مستقبل الصناعة المنجمية، خاصة مع رغبة السلطات في استغلال واستثمار منجم الحديد غار جبيلات بتندوف..
وستستفيد الولايات الجنوبية من قانون المناجم، الذي تمت المصادقة عليه في جانفي 2014 من قبل البرلمان، من خلال رد الاعتبار للكثير من المواقع المنجمية، خاصة تندوف وتمنراست وغيرهما من الولايات.
كما تتمثل الأهداف المرجوة كذلك، في جعل هذا القطاع مصدرا هاما لخلق الثروات والإيرادات بالعملة الصعبة وللتشغيل، خاصة في المناطق النائية والمحرومة؛ ذلك أن المراكز المنجمية تتواجد خارج المراكز العمرانية.
ويرمي هذا النص أيضا، إلى جعل النشاط المنجمي قطبا للتنمية، بحسب وزير الطاقة السابق يوسف يوسفي.
وتتضمن الأحكام الجديدة لهذا القانون على وجه الخصوص،
إنعاش البحث المنجمي، وتصنيف المواد المعدنية والمتحجرة إلى نظام المحاجر والمقالع.
ويمكن كذلك، وفقا لذات النص، أن تصنف مواقع معدنية أو متحجرة كمواقع استراتيجية، لاسيما المواقع المعدنية المشعة ومكامن المواد المعدنية أو المتحجرة الضخمة التي تسمح بإنشاء إيرادات تفاضلية.
ويوفر منجم غار جبيلات طاقة إنتاجية تقدر بمليار و600 ألف طن من الحديد وهو أحد المواقع الهامة التي تعول عليها الدولة لتدارك التأخر في استغلال الثروات المنجمية. وسيشرع في استغلال ثروات المنجم سنة 2018.
وكشفت السلطات، بعد زيارة الوزير الأول عبد المالك سلال للمنطقة، قبل سنتين، عن تخصيص 15 مليار دولار لإنجاز هذا المشروع، الذي قال بشأنه إنه استثمار ثقيل ومشروع ضخم، مضيفا أن غار جبيلات حلم سيصبح حقيقة. وقد كشفت الوزارة الأولى، عن تخصيص 384 مليار سنتيم لدعم التنمية بالولاية وإضافة عدد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية لتندوف.
وانطلقت الدراسات خلال سنة 2014، على أن تبدأ الأشغال لاحقا. وتمثل منطقة غار أجبيلات، التي تبعد عن مقر الولاية بـ110 كلم، منطقة منجمية تحتوي على الحديد ومعادن أخرى، مما جعلها تشكل أحد أهم الروافد الاقتصادية للوطن وعليها يرتكز مستقبل تندوف التنموي.
وقد سخرت الدولة ضمن برامج التنمية المحلية، كل الإمكانات قصد ربط الجهة ببقية مناطق الولاية، من خلال شق الطرق وإنجاز المسالك الحدودية، كون غار جبيلات تمثل قطبا اقتصاديا هاما، حيث يقطن الجهة عائلات عديدة وهي بمثابة تجمع سكاني قار.
ويتوفر غار جبيلات كذلك، على احتياطي جد هام من مادة الملح، كما تتوفر، بحسب الدراسات التي أجريت من قبل الديوان الوطني للأبحاث الجيولوجية والمنجمية خلال السنوات الماضية، على عدة مواد نافعة أخرى غير حديدية كالكلس والطين والجير والحجارة بشتى أنواعها.
وتنتشر هذه المواد الأساسية عبر مناطق متعددة منها وديات “ترترا” التي تتوافر على مواد شيست نضيد طيني يستعمل في قرميد البناء وتتربع هذه الثروة على مساحة 03 كلم مربع. أما جنوب قلب الحديد، فيتوفر على قرميد البناء ومواد خزفية. كما توجد بوادي أم العسل مادة الطين الرملي الحديدي بسمك 20م، إلى جانب ما تحوزه منطقة وادي الطلحة من مادة الكلس الذي يستعمل كإسمنت احتياطي للإضافة، ويتواجد على شكل شريط متقطع على طول 100 كلم.
أما مناطق “وادي شناشن”، و«وادي أمغيرفة” فتتوفر على مادة الكلس وأحجار الزينة للبناء والسماد المعدني، بينما انفردت منطقة غرب قلب الحديد بمادة الغرانيت الذي يستعمل في صنع مسحوق الرمال الصلصالي.
وكشف وزارة الصناعة والمناجم، شهر فيفري الماضي، عن مفاوضات جزائرية -صينية تم إطلاقها من أجل إنشاء مجمع مشترك لاستغلال الموقع المنجمي لغار جبيلات.
وأكد وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، في لقاء جمعه مع الرئيس المدير العام للشركة الصينية للهندسة المدنية والبناء لي يوان، أن مصالحه “تجري محادثات مع الشركاء الصينيين من أجل إنشاء مجمع يضم، بالإضافة إلى الطرف الجزائري، متعاملين صينيين مختصين في تكنولوجيات الحديد والصلب والنقل بالسكك الحديدية من أجل الشروع في استغلال الموقع المنجمي لغار جبيلات. وعقب مرحلة الدراسة، التي سمحت لنا بإيجاد أفضل طريقة لتخفيض نسبة الفوسفور في الحديد، نحن الآن بصدد إطلاق مرحلة جديدة لتجسيد نتائج هذه الدراسة في الميدان والمضي قدما في تنفيذ المشروع”، يقول الوزير.
من جهته صرح، وزير النقل بوجمعة طلعي، أن الطرفين مهتمان أيضا بإنجاز خط حديدي يربط الموقع المنجمي لغار جبيلات بالعبادلة (بشار) على مسافة 950 كلم.
وسيسمح هذا الخط الحديدي بضمان نقل الحديد المستخرج من الموقع المنجمي -عبر ولاية بشار- نحو المركبات الصناعية للحديد والصلب بكل من وهران وجيجل وعنابة لأغراض التحويل الصناعي.