أصبحت تصنّف في خانة العادي، رغم أنها سلوكات غير عادية ولا يمكن لعاقل أن يتقبلها، لكن انتشارها جعلها لا حدث، بيد أنها مع مرور الوقت أثرت سلبا على السلوك الحضاري لدى الفرد ونظافة المحيط والثقافة البيئية عموما...
رصدت “الشعب” عبر مختلف شوارع العاصمة آراء المواطنين في ظاهرة قضاء الحاجة في الأماكن العمومية والهواء الطلق، وكذا بعض السلوكيات المقززة التي تعكس غياب الوعي البيئي لدى فاعليها...
....مناظر مقززة ومشينة
محمد صباحي، 45 سنة، إطار دولة، يعمل في إحدى المؤسسات العمومية، سألته “الشعب” عن هذه الظاهرة فأجاب قائلا: “أتنقل بصفة يومية من ولاية تيزي وزو إلى العاصمة بسبب طبيعة عملي، وفي طريقي إلى العمل أو المنزل أشاهد الكثير من المناظر المقززة التي يندى لها الجبين، لأننا على الأقل كمجتمع نحاول اللحاق بركب الدول المتقدمة والمتحضرة، لأن الحضارة سلوك بالدرجة الأولى، ولعلني لست الوحيد الذي صادف في حياته شخصا يقضي حاجته في الشارع. هو سلوك فيه الكثير من الإهانة لكرامة الإنسان، خاصة إن كنت برفقة العائلة، فالمنظر يخدش حقا الحياء”.
وأضاف محمد مصباحي قائلا: “من المناظر المقززة التي عمّت في السنوات الأخيرة، تلك القارورات التي تراها منتشرة على حواف الطرق، ففي كثير من المرات يضطر بعض المسافرين للتبول في قارورة بسبب غياب المراحيض العمومية، خاصة إن كان السفر طويلا أو كان المسافر مصابا بمرض يحيل بينه وبين التحكم في حاجته البيولوجية، كما هو الشأن بالنسبة للمصابين بالسكري والنساء الحوامل ومرضى البروستات”.
واستطرد قائلا: “أنا لا أرفع مسئولية تلويث المحيط عن المواطن، لكن هناك طرفا أيضا يجب أن يتحمل مسئوليته تجاه المجتمع، خاصة وأن الإسلام كرّم الإنسان وأمره بالستر أثناء قضاء حاجته، فكيف بنا نجعل من الشارع مرحاضا في الهواء الطلق”.
سلوكات محرجة ومخجلة...
سميرة سلمان، 26 سنة، جامعية وموظفة في إحدى المؤسسات الخاصة، سألتها “الشعب” عن المشكل فقالت: “هي ظاهرة أصبحت منتشرة بشكل مثير في السنوات الأخيرة وصارت عادية للكثير منا، لذلك يتمنّى الواحد منا ألا يرى شخصا يفعل ذلك أمامه عند خروجه من المنزل. واسترجعت سميرة سلمان واقعة مؤلمة حدثت لها، قائلة: “كنت في سيارة أجرة في ساحة أول ماي متجهة إلى الأبيار، وفي طريقنا رأيت شخصا يقضي حاجته أمام جدار المستشفى الجامعي مصطفى باشا، شعرت بخجل كبير أمام سائق سيارة الأجرة، خاصة وأنه في سنّ والدي. أتذكر أنني طأطأت رأسي ولم أرفعه حتى وصولي إلى وجهتي، والأمرّ من ذلك أنه فعل ذلك في مساحة خضراء تزينها أشجار جميلة وهذا أمر مؤسف جدا”.
وخلصت سميرة سلمان حديثها قائلة: “كنّا في الماضي نشتكي الروائح الكريهة المنبعثة من زوايا الأحياء والشوارع بسبب التبول فيها، أما اليوم فأصبح الأمر أكثر سوءاً، لأننا تحولنا إلى مشاهدة ذلك وأمام الملأ وهذا أمر مهين ومقزز وسلوك يعكس الانحطاط الأخلاقي والحضاري الذي وصلنا إليه كمجتمع، رغم أن الجميع يتغنى بالتقدم الذي عرفناه كمجتمع على مستوى السلوك والتعاملات الإنسانية”.
أمين. ك، 22 سنة، طالب بجامعة الجزائر، سألناه عن الموضوع فأجاب: “في اعتقادي، أن هذه الظاهرة المشينة عرفت انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة، بسبب تميّع الأخلاق في المجتمع، ولم تسلم حتى جدران المساجد من هذه السلوكات المشينة وأضحى ذلك أمرا طبيعيا، ونحن كطلبة نعاني في محطات الحافلات الموجودة في المناطق النائية، فالنقل الجامعي اليوم وصل إلى الكثير من الولايات التي كان طلابها في السابق يستفيدون من الإيواء الجامعي، لكن محطة نقل الطلبة هناك لا تتوافر على مراحيض عمومية، ما يضطرهم إلى اقتراف مثل هذا السلوك غير الحضاري، الذي يحط من قيمتهم كطلاب علم. لذلك، على الجهات المعنية أن تفكر دائما عند بنائها محطات حافلات، توفير دورات مياه عمومية، لقضاء الحاجة وهذا مطلب أساسي ومنطقي وإنساني. وبهذه الكيفية وفقط نرفع من شعور المرء بمسئوليته في المحافظة على نظافة المحيط ونعزز داخله الشعور بالرقي ونرفع إيمانه بدوره الفعال في المساهمة في بناء مجتمع متحضر”.
«مرحاض مشترك في “الدويرة”... ولم نجرؤ على ذلك
خالتي خديجة سقيلي، 70 سنة، امرأة وجدناها في سوق “خليفة بوخالفة” - كلوزال سابقا - سألناها عن هذه الظاهرة، فقالت: “أصبحت الكثير من السلوكيات التي لم نكن نتخيّل أن يقوم بها المرء أمام الملإ عادية وطبيعية، رغم الحرج الذي تسبّبه للغير، ففي الماضي لم نكن نرى الأشخاص يبصقون في الشوارع أو يرمون الأوراق أو بقايا الطعام، كنا نعيش في “دويرة” بها مرحاض واحد ولم نكن نرى أشخاصا يقضون حاجتهم في الشارع، لأنهم يخجلون من فعل ذلك، لأنهم يعلمون أن المجتمع سيرفضهم ويعاقبهم على ذلك، كان كل فرد من المجتمع يحمل على عاتقه مسئولية إبقاء المحيط نظيفا، لأننا وأبناؤنا نعيش فيه”. أضافت خديجة سقيلي: “هذه الظواهر ليست متعلقة بالفرد وغير مرتبطة به وحده، لأنه يمثل مجتمعا وسلوكه مرآة لباقي أفراده... إنسانيتهم، تحضرهم وتطورهم كتجمع إنساني، لذلك كان جيلي يعرف جيدا أن كل واحد منّا يعرف كيف يمثل وطنه الجزائر بالمحافظة على نظافاه ليزداد جمالا وفي أبهى حلة حتى وإن كانت ملابسنا قديمة وتقليدية ولكنها نظيفة وسلوكاتنا مضبوطة، لأننا كنا نعلم أن المستعمر ينظر إلينا ليبحث عن عيب يعايرنا به ويصنفوننا بـ«لي زانديجان”، تربينا على هذه الفكرة، ترسخت في أذهاننا ولكن اليوم أحفادي يؤمنون بالمثل القائل “تخطي راسي”، هذا الشعور بعدم الانتماء إلى المجتمع هو ما جعل سلوك الأفراد تتدهور وتنحط إلى درجة قضاء حاجتهم في الأماكن العمومية والمساحات الخضراء التي هيّئت لراحة الأفراد وجمال المحيط، فقيمة المرء من قيمة المحيط الذي يعيش فيه، لن يكون الشخص الذي يبني منزله من رخام ويبصق في الشارع إنسانا متحضرا أبدا”.
غياب روح المواطنة أهم سبب
«محمد. ب«، أستاذ ثانوي، حسين داي، قال لـ “الشعب”: “ظاهرة قضاء الحاجة في الهواء الطلق، تعكس الكثير من الأمور، منها عدم توفر المراحيض العمومية بالعدد الذي يسمح للجميع بالتنقل براحة. فبعض الأشخاص يعانون من مرض السكري أو النساء الحوامل معروف عنهن أنهن يترددن كثيرا على المرحاض... لذلك، تجد مثل هؤلاء الناس في حرج كبير من أنفسهم عند تنقلهم إلى أماكن بعيدة، خاصة إذا كانت المراحيض العمومية منعدمة كالمناطق الداخلية. ففي إحدى المرات تنقلت إلى ولاية بوسعادة لحضور جنازة خالة زوجتي الحامل، فما كان عليها سوى قضاء حاجتها في العراء، هو أمر مهين لسيدة أمام طفليها وزوجها ولكن كان ضروريا ولم يكن لديها خيار آخر”.
وأضاف محمد قائلا: “روح المواطنة طرف آخر لهذه الظاهرة، فالبعض من الأشخاص يفعلون ذلك دون أدنى شعور بالمسئولية تجاه المجتمع والمحيط، وهؤلاء يجب أن نردعهم بقانون يحترم ويطبق على الجميع، يفرض غرامات على كل من يفعل ذلك وكذا من يبصق في الشارع، من يرمي فضلات الطعام في الشارع أو من زجاج السيارة، وكل سلوك يمس بالثقافة البيئية للمجتمع، وهذا ما سيجعل الوعي أكبر، فحتى الأروبيين بدأوا بقانون صارم ليصبح سلوكا تَعوَد عليه الأفراد مع مرور الزمن”.
في الأخير...
هي سلوكات أصبحت تشكل تفاصيل مهمة من حياتنا، لأنها المحيط الذي يتربى فيه أبناؤنا وهذا أمر خطير، فهم رجال الغد، لذلك علينا أن نغرس فيهم ثقافة بيئية تجعلهم واعين بأن سلوكهم يؤثر في المحيط الذي يعيشون فيه، يجب أن يناضل الأولياء من أجل تنشئتهم على كل ما يفيد المجتمع، لأن الحضارة يصنعها المجتمع من أصغر فرد فيه إلى أكبرهم منصبا وعمرا.