انتشرت في الآونة الأخيرة بعاصمة الشرق الجزائري ظاهرة خطيرة تتمثل في عمالة الأطفال، وهي ظاهرة عرفت تزايدا ملحوظا عبر عديد مناطق النشاط بالولاية بدءا بورشات البناء والبيع على أرصفة الطرق والنظافة من الطراز الأول، وصولا إلى توظيفهم كمساعدين بالمحلات التجارية وغيرها.
«الشعب» توقّفت عند هذه الظّاهرة، وتعطي تفاصيل عنها في هذا الاستطلاع.
من المفارقات الغريبة التي يعيشها المجتمع الجزائري اليوم، هو عدم العمل والالتزام بالقوانين المنصوص عليها في البلاد أولا والمنظمات العالمية ثانيا،بضاف إليها غياب الجمعيات التي تعرف بالمجتمع المدني، وهي جمعيات تنشط من أجل تنظيم المجتمع وفق معايير يتفق عليها من بينها اتفاقيات حقوق الطفل. هذه الاتفاقية التي لم تجد عندنا التطبيق في كل الأحوال، بدليل وجود أطفال يزاولون أعمال شاقة وهم دون سن 18، ويتقاضون أجورا زهيدة من طرف صاحب العمل الذي يقوم باستغلال أيادي البراءة الناعمة برخس التراب، بعيدا عن ألأنظار.
إنها ظاهرة ارتأت «الشعب» أن تعالجها وتسلط الضوء عليها، سيما وأن عمالة الأطفال تعرف انتشارا واسعا بولاية قسنطينة مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، ذلك في غياب اجراءات رادعة تحمي هذه الفئة المستضعفة من الاستغلال.
أطفال دون سن الـ 18 يعملون بتنظيف المقابر وآخرون بورشات البناء
معلومات تحصّلنا عليها مفادها وجود أطفال ما بين 17 و20 سنة، يعملون بمقابر وسط المدينة إحداها تعتبر من أقدم وأكبر المقابر بالولاية، حيث يقومون بتنظيفها ونزع الحشائش والأعشاب التي نمت وأضحت أوكارا آمنة للثعابين والحيوانات الخطيرة.
وضعية أطفال عرضة لخطر إصابتهم بأمراض جراء قيامهم بهذا العمل الشاق والمتعب دون ملابس واقية من الأشواك، من لسعات الثعابين ومن لفحات الشمس القاتلة ادت بنا الى التحرك للتحري حول هذا الملف الشائك.
تنقّلنا إلى المقبرة التي قيل لنا أن مجموعة من الأطفال القصر يعملون لها، فوقفنا على حقيقة الأشياء. أطفال يقومون بأعمال دون أي حماية تحدث لنا بعضهم عن المعاناة، حيث أكّد لنا المدعو «أ ـ ب» البالغ من العمر 16 سنة أنه يجد وأصدقائه يوميا جماجم وهياكل عظمية تعود لسنوات مضت منتشرة بكل زوايا المقبرة جراء انزلاق التربة بتلك المنطقة، وقال لنا أن الاطفال يزاولون العمل من الساعة الرابعة صباحا والى غاية الثانية زوالا رفقة صاحب العمل «المقاول» المكلف بعملية التنظيف، يقومون بنزع الأعشاب التي غطت المقابر والتي أضحت تهدد بافتعال حريق مهول بإمكانه أن يودي بحياة قاطني السكان المجاورين، يجمعون بعدها النفايات المتمثلة في الحشائش والأشواك والزجاجات البلاستيكية وغيرها، ورميها بواسطة شاحنة بمنطقة الغراب.
هذا العمل الشاق الذي يتقاضى مقابله الأطفال أجورا زهيدة والمقدرة بـ 10 دج في اليوم الواحد، حسب «ع ـ ش» البالغ من العمر 17 سنة الذي قال لنا أنه يعمل خفية عن والديه لتوفير المال وشراء ما يشتهيه من الحاجيات، وهي الوضعية التي وقفت عليها «الشعب» كاشفة من خلالها أن هؤلاء الأطفال يتجاوز عددهم 20 طفلا يتمدرسون بالأطوار التعليمية المتوسطة قد وقعوا ضحية للاستغلال البشع من طرف المقاولين الضاربين بالقوانين المعمول بها عرض الحائط.
وحسب الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها معظم هؤلاء الأطفال، والتي تعتبر من أهم العوامل التي تساعد في تنامي هذه الظاهرة التي تتفاقم إذ يضطر قسم كبير منهم إلى العمل لمساعدة عائلاتهم من أجل تجاوز صعوبات الحياة.
باعة فوضويّون وعمال موسميّون
ورغم أنّ عمالة الأطفال تعد خرقا للقانون الدولي فإن الكثيرين في المجتمعات العربية يعتقدون بأن عمل الأطفال هو أمر طبيعي بل وضروري لتنشئة الطفل تنشئة تمكّنه من الاعتماد على نفسه في المستقبل، حيث أكد لنا أحد الأطفال الذين يعملون كباعة موسميين أنّ البضائع تفوقهم وزنا عبر أرصفة مدينة الصخر العتيق، وأنه يعمل لمساعدة عائلته المعوزة سيما وان الدخول المدرسي على الأبواب.
ومثل هذا الطفل هناك العشرات من يفترشون أرصفة الشوارع الرئيسية للمدينة معرضين بذلك أنفسهم للعراك والطرد من طرف أصحاب المحلات التجارية النظامية الذين يعتبرونهم منافسين غير شرعيين، خاصة وأنهم يعرضون نفس السلعة وبأسعار منخفضة.
وقال أحد الأطفال الذي رفض الإفصاح عن اسمه انه يعمل بإحدى ورشات البناء التابعة لأحد المقاولين ببلدية حامة بوزيان رفقة أصدقائه بالورشات كعمال للآجور وأكياس الاسمنت الثقيلة مقابل أجر زهيد يسد رمق عائلته واحتياجاته اليومية.
هذه الظاهرة التي تفاقمت وانتشرت في ظل صمت جمعيات حماية الأطفال التي تبقى خارج مجال التغطية، سيما وأن تداعياتها كبيرة على الأطفال أنفسهم، إذ يصبحون ضحية للاستغلال في مكان العمل، ناهيك عن انعدام فرص في التعليم من أجل مستقبل أفضل.
مفتشية العمل تحذّر من الظّاهرة وتتوعّد بمعاقبة المخالفين
عكس الكثير من جمعيات حماية الطفولة التي لم تحرك ساكنا، عملت مصالح مفتشية العمل في عديد المناسبات بتسليط الضوء على ظاهرة عمالة الأطفال غير القانونية، والتي انتشرت بصورة مقلقة بسوق العمل في ظل عدم التزام أصحاب العمل بالقوانين والتشريعات، حيث نظّمت المفتشية ملتقيات ولائية ووطنية تهدف بالدرجة الأولى إلى التصدي لظاهرة تشغيل الأطفال بوضع جهاز للوقاية لما لها من آثار سلبية على نمو الطفل وصحته الجسدية والعقلية. كما أكدت مصادر مطلعة بمفتشية العمل لـ «لشعب» أنه يتم تخليد اليوم العالمي لمناهضة عمالة الأطفال سنويا، وهو العمل الدوري الذي انتهجته وزارة العمل للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تضرب بجذورها داخل المجتمع الجزائري، وازدادت استفحالا في ظل عدم التزام أرباب العمل بالقوانين التي تحمي الطفل من الاستغلال.
وتعمل المفتشية على مراقبة سوق العمل بشكل مستمر، وفي حال تسجيل حالات مماثلة يتم تحرير عقوبات ضد المخالفين الذين يصدر في حقهم شكاوى من طرف المستخدمين أو في حال تعرض هولاء الأطفال لحوادث عملية خطيرة ما يدفع بأوليائهم للحصول على حقوق أطفالهم.
أكّدت من جهتها المحامية «بومالك سلوى» في حديثها لـ «الشعب»، أن الجزائر تتمتّع بترسانة تشريعية غنية لحماية الطفل من الاستغلال والتشغيل، وأمضت اتفاقات دولية عديدة في مجال ترقية وتطوير حقوق الطفل، وصادقت عليها الجزائر بالنظر إلى وعي إرادتها السياسية في بناء مجتمع ذو أسس ديمقراطية بدءا من ترقية حقوق الطفل.
وذكرت المحامية سلوى أن المادتين 63
و64 من الدستور الجزائري تفيد بإقرار حق الطفولة في الحياة الكريمة، وفي صيانة حقوقها من تربية ورعاية، وفيما يتعلق بمحور التشريع الوطني، نصّ القانون 90 - 11 المؤرخ في 21 أبريل 1990 المتعلق بعلاقات العمل في المادة 15 أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال، أن يقل العمر الأدنى للتوظيف عن 16 سنة إلا في الحالات التي تدخل في إطار عقود التمهين، التي تعد وفقا للتشريع والتنظيم المعمول بها.
كما أكّدت المحامية أنه لا يجوز توظيف القاصر إلا بناء على رخصة من وصيه الشرعي، كما أنه لا يجوز استخدام العامل القاصر في الأشغال الخطيرة أو التي تنعدم فيها النظافة أو تضرّ صحته أو تمسّ بأخلاقياته.