تعرف بورصة سوق الماشية بولاية سيدي بلعباس هذه الأيام ارتفاعا جنونيا لم تشهده من قبل، وذلك ما وقفت عليه “الشعب” بسوق الأغنام الأسبوعي حيث تعرض مختلف أنواع المواشي. وقد تباينت أسباب ارتفاع أسعار المواشي بين الموالين والتجار، فمنهم من ربطها بظهور بؤر الحمى القلاعية بولاية البيض ومنهم من أرجعها إلى السماسرة الذين أحكموا قبضتهم على السوق، دون تدخل المصالح المعنية لوضع حد لهذه الممارسات غير القانونية.
في حديث مع بعض الموّالين الذين أرجعوا هذا الارتفاع الى غلق السوق الأسبوعية لولاية البيض بسبب انتشار داء الحمى القلاعية بهذه الولاية، مما وّلد هذه المعادلة في الأسعار، حيث تجاوز سعر الخروف 40 ألف دينار، بينما يتراوح سعر الحولية بين 20 و30 ألف دينار في وقت كان لا يتعدى سعرها 19 ألف دينار.
أما الخرفان الموجهة للتسمين فحدِّث ولا حرج، حيث يتجاوز سعر خروف صغير لا يتعدى وزنه الـ 8 كلغ عتبة الـ 14 ألف دينار، وهو سعر تفاجأ له قاصدي هذا السوق الأسبوعي، وهي مرشحة للارتفاع أكثر خاصة مع اقتراب شهر رمضان الكريم.
وقد حمّل العديد من الفلاحين، المصالح المعنية مسؤولية الأوضاع التي يعيشها القطاع ككل، والتي لم تتدخل -حسبهم- من أجل وضع حد للمضاربة التي تشهدها سوق الأعلاف، خصوصا في مادة النخالة التي يتحكم في تسويقها المضاربون والسماسرة ومن ليست لديهم أي علاقة بتربية المواشي سوى السيطرة على الأسواق.
كما أرجع البعض الآخر من الموالين أسباب غلاء الأعلاف وعدم توفرها، إلى تراجع عدد المربين بالولاية مع تراجع كبير لعدد رؤوس الماشية نتيجة الضغوطات والعراقيل، التي حالت دون تطوير هذه الثروة، سيما مع تراجع مساحات الأراضي الرعوية، والتي تقلّصت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى عصابات التهريب التي أصبحت تهدّدهم من أجل تطوير هذه الثروة الحيوانية.
ومن جهة أخرى، أكد أحد المختصين في تربية المواشي لـ “الشعب” أن استغلال الثروة الحيوانية لإنعاش سوق الشغل من جهة وتنمية المنطقة من جهة ثانية، من بين الانشغالات التي تثير اهتمام المواطنين في ولاية سيدي بلعباس، حيث تفتقر المنطقة إلى وحدات صناعية تحويلية لامتصاص أفواج البطالين المتدفقين على سوق الشغل واستغلال مصادر الثروة الحيوانية. وهي الثروة التي مازالت تشكل موردا اقتصاديا هاما على مستوى الوطن، في حال استحداث إستثمار رعوي قادر على استغلال هذه الثروة وإنهاء غبن السكان الذين يعيشون على ما تحمل الشاحنات من مواد غذائية وخضر وحليب تشحن من ولايات شمال الوطن إلى ولاية رعوية سهبية تملك كل المواصفات والإمكانيات التي تؤهلها لتصبح منطقة جذب صناعي وإستقطاب واسع للاستثمار المنتج واليد العاملة خاصة في مجال الصناعات الصوفية.
وهو ما ذهب إليه أحد المهتمين بالشأن الرعوي على مستوى ولاية سيدي بلعباس، الذي أكد أن الثروة الحيوانية بولاية سيدي بلعباس، مازالت بكرا وغير مستغلة ورغم وفرة الماء والمساحات الرعوية الشاسعة لممارسة التربية الحيوانية المنتجة لاسيما الحليب الذي يعتبر المادة الأولية في صناعة مختلف أنواع الجبن والزبدة وغيرها وصولا إلى صناعة الجلود والدباغة وغيرها من المشاريع التي لازالت معطلة وتبحث عن مستثمرين قادرين على استغلال الثروة الحيوانية لإنعاش سوق الشغل من جهة وتنمية المنطقة من جهة أخرى.
سماسرة يُحكمون قبضتهم على السوق
وردا على سؤال ‘’الشعب’’ حول أسباب هذا الارتفاع، أجاب مربو الماشية من الموّالين أن اقتراب موعد شهر رمضان المبارك يرفع الطلب، إضافة إلى دخول التجار بكثرة قادمين من مختلف أنحاء الوطن، يمتهنون هذا النشاط في فترة وجيزة بهدف تحقيق الربح السريع.
وفي هذا يقول أحد مربي الماشية تفاجأنا باجتياح هذه الأسواق من طرف العديد من الأشخاص، اختاروا دخول معترك تجارة الماشية في هذه الفترة التي تسبق العديد من المناسبات، يعمدون إلى شراء كل الخرفان والكباش والنعاج التي يجلبها المربون من الموّالين، حيث يتحكمون في أسعار البيع والشراء نتيجة المضاربة والمزايدة، وكل واحد منهم يريد شراء أكبر عدد من رؤوس الماشية لنقلها إلى مختلف أنحاء الوطن وإعادة بيعها بأسعار أعلى ويرجع الموالون الذين تحدثوا لـ ‘’الشعب’’، ارتفاع سعر الماشية، خلال هذه الفترة، إلى المخاوف التي تنتاب المربين حول داء الحمى القلاعية، فيما أرجع بعض الموالين أسباب الارتفاع إلى الاعتماد على نظام تغذية عن طريق العلف وهو في العادة شعير مطحون وتبن وخرطال، ولأن أسعار هذه المواد عرفت ارتفاعا غير مسبوق في الآونة الأخيرة، ومرشحة للارتفاع فإن الحل الوحيد هو رفع أسعار الماشية، يقول أحد الموّالين.
ارتفاع سعر الأعلاف يعمّق الأزمة
من جهة أخرى، تضاربت تصريحات الموالين حول سبب ارتفاع الأسعار، ففريق أرجع ذلك إلى غلاء الأعلاف، حيث فاق سعر القنطار الواحد من الشعير 4000 دينار، إضافة إلى باقي الأعلاف التي يعتمدون عليها في تسمين المواشي، في حين نفى عدد آخر صحة هذه المقولة، على اعتبار أن وزارة الفلاحة منحت للفلاحين حق شراء حصة شهرية من الشعير، إلا أن الكثير من المضاربين تناسوا هذا الدعم، على اعتبار أن غالبية الناشطين في السوق هم مضاربون وليسوا موّالين، ما تسبب في رفع السعر. ويشكو الموّالون من المضاربين في الأسعار سواء داخل أو خارج الأسواق، خاصة اغتنامهم فرصة إقتراب دخول شهر رمضان، ومن خلال جولتنا بالسوق أجمع الموّالون على أن ارتفاع أسعار الماشية وزيادة الطلب عليها بالشكل الحالي هو المقياس الحقيقي والأكيد أنها تهرب إلى خارج الحدود بحكم ما أسموه بالتجربة الميدانية مع الحرفة التي يزاولونها منذ سنوات طوال.
حملة تلقيح ضد الحمى القلاعية لحصر الخطر
وفي نفس السياق ومن جهة أخرى، شرعت مصالح البيطرة بمديرية الفلاحة لولاية سيدي بلعباس في حملة تلقيح ضد الحمى القلاعية والتي تمس 45000 رأس من الأبقار وهي العملية التي ستكون تحت إشراف 40 طبيبا بيطريا من القطاع العام الذين تم توزيعهم على مختلف البلديات والدوائر، من أجل إجراء عمليات التلقيح المجانية على رؤوس الأبقار.
وتعتبر هذه العملية الهامة متمّمة للأولى التي دأبت مصالح مديرية الفلاحة على شنّها خلال شهري سبتمبر وأكتوبر من السنة الماضية، حيث أن هذه الإجراءات الاحترازية الممارسة ومجانية التلقيح من قبل مصالح الفلاحة على مستوى ولاية سيدي بلعباس ساعدت في عدم تسجيل أي بؤرة لهذا الوباء الخطير على مستوى ولاية سيدي بلعباس، وستمكن هذه العملية من وضع نظام لحماية المواشي من هذا الوباء الخطير الذي يتميز بأنه معدي بدرجة كبيرة وسريعة ويتسبب في تزايد الوفيات لدى العديد من الأصناف خاصة الصغيرة من الأبقار. كما يؤدي إلى نقص في منتوج الحليب واللّحوم. خاصة وأنه تم اكتشاف بؤر لهذا الوباء في عدد من ولايات الوطن وعلى الخصوص ولاية البيض التي شهدت مؤخرا اكتشاف بؤر لهذا الوباء وسط الأبقار ما دفع الجهات الوصية إلى دق ناقوس الخطر، وعليه دعت مديرية الفلاحة مربي الأبقار إلى ضرورة الاتصال بمصالح البيطرة من أجل التسجيل في هذا البرنامج، وأكد مسؤول بمصالح البيطرة لـ “الشعب” أن هذه الأخيرة تقوم بأقصى قواعد الحيطة والحذر من أجل تفادي هذا الوباء. وكانت آخر عملية قامت بها مصالح البيطرة إجراء تحاليل دم على وجه السرعة على القطعان الموجودة في عدة مناطق على مستوى ولاية سيدي بلعباس منها رجم دموش وزروالة والعمارنة وسيدي ولحسن الحظ أثبتت هذه التحاليل أنها سلبية ولا توجد أي إصابة بداء الحمى القلاعية.