كل عام يتوجّه الحجاج إلى البيت المعمور لأداء مناسك آخر عبادة في الإسلام ، هذه الرحلة تسبقها تقاليد تعوّد المجتمع الجزائري على القيام بها احتفاء بذهاب أحد أفراد العائلة إلى بيت الله الحرام.
في هذا الاستطلاع رصدت “الشعب” آراء مختلفة حول هذه العادات التي يتميّز بها المجتمع الجزائري.
طلب المسامحة والصفح قبل السفر
« أمين – ي«، 34 سنة عامل بإحدى المؤسسات العمومية ، قال بشأن هذه العادات :« في السنة الماضية ذهب أبي إلى البقاع المقدسة من أجل أداء مناسك الحج ، وأتذكر جيدا ليلة رحيله إلى هناك تجمعت كل الأسرة في البيت لتوديعه وطلب السماح منه، حضرت أخواتي وأزواجهن .” وأضاف قائلا:« أقمنا وليمة للأقارب والأصدقاء من أجل توديع والدي الذي بدوره طلب ممن جاؤوا جميعهم السماح ، ليذهب وباله مرتاح لأن الذنوب المتعلقة بالأفراد تبقى معلقة إلى يوم القيامة ، وطبعا الكسكسي كان الطبق الرئيسي في الوليمة.”
أما السيدة “جميلة –س”، 50سنة، ربة بيت قالت عن عادات المجتمع الجزائري عند توديعه للحاج المقبل على أداء مناسك الحج، :« في الأسبوع الأخير قبل رحيل الحاج إلى السعودية يأتيه الأقارب، الجيران والأصدقاء لتوديعه ، وطبعا تقيم العائلة ليلة رحيله عشاء وداع ، تكون الشخشوخة الطبق الرئيسي فيه، إلى جانب الكعك الخاص بالحاج.” وأضافت قائلة:« في الحقيقة أرى أنها عادات تزيد من تعب الحاج ، فهو مقبل على رحلة طويلة تدوم شهرا كاملا في بلد مغاير تماما لبلدنا ولعل أهم أمرين يرهقان الحاج هما الحرارة التي تصل بمكة إلى خمسين درجة مئوية والأكل ، لذلك ترى الكثير من حجاجنا الميامين يعتمدون على ما أخذوه من مواد للطهي ، هذه الأمور تتطلب من الحاج الراحة لكن الوليمة ومجيء الأقارب لتوديعه يجعلها حلما صعب التحقيق ما يعني ذهاب الحاج وهو متعب ، ليجد نفسه منهكا منذ اليوم الأول من رحيله إلى البقاع المقدسة.”
... يغمى عليه بسبب التعب
وأيّد “كمال- ز« 40 سنة، ما قالته “ جميلة” و«أمين” قائلا يقيم معظم الجزائريين وليمة لتوديع الحاج أين تتم دعوة الأقارب والأصدقاء من أجل توديعه وطلب الصفح منهم وطبعا يسهر الحاج إلى وقت متأخر من الليل معهم ، أين يرافقه في الغد الأبناء إلى المطار للرفع من معنوياته من أجل المضي في مناسك الحج بهمة وقوة “، وأضاف قائلا:« ولكن الملاحظ أن هذه التقاليد تتعب الحاج كثيرا وتستنزف قواه التي يجب توفيرها لأداء مناسك الحج ، خاصة وأن البيت الحرام يعرف اكتظاظا كبيرا وإصابة الكثير من الحجاج بالمرض ما يجعل مهمة التعبد صعبة جدا، لذلك يجب أن يركّز الحاج على راحته قبل سفره لأنه مقبل على الكثير من المشقة والتعب، خاصة وأنه سيرحل إلى المدينة المنورة ثم إلى مكة المكرمة والكل يعلم أن المسافة بينهما تفوق 400 كم لذلك على الأهل أن يفكّروا في راحة الحاج ولا يكثروا من الزيارات في الأيام القليلة التي تفصله عن موعد رحلته.”
أما “نبيلة” طالبة جامعية، فتقول:« في العام الماضي ذهب والدي إلى الحج وأتذكر أننا أقمنا وليمة للأقارب والأحباب ليلة رحيله إلى البقاع المقدسة ، في الحقيقة كان بمثابة عرس فقد حضرنا أطعمة مختلفة كـ«الكسكسي” ،«المثوم” ،«الشربة” و “اللحم لحلو” وكان والدي البالغ من العمر 76 سنة يتنقل بين المدعوين يشكرهم على زيارتهم ويطلب منهم الدعاء له أن يتقبل الله منه العبادة وأيضا طلب من الجميع مسامحته إن كان قد أخطأ في حقهم .”، وأضافت قائلة :« في الحقيقة رغم أنها كانت فرحة لكل العائلة لأن أبي ذهب إلى الحج إلا أنني ما أزال أحتفظ في ذاكرتي بتعبه الشديد ليلة رحيله ، حتى أنه أغمي عليه في المطار بسبب ذلك وكل ذلك بسبب “ العشاء “ الذي قام به للأهل ، فهو في خضم ذلك لم يفكر في راحته فبحكم تقدّمه في السن هو بحاجة إلى بذل مجهود أكبر لأداء مناسك الحج، ولكنه وبسبب تلك العادات تناسى توصيات الطبيب و مرشد الحج وبقي واقفا طوال الليلة التي سبقت رحيله إلى المدينة المنورة، وكثيرا ما كنت أتساءل لماذا لم يفكر أي شخص من المدعوين إلى الوليمة في راحة والدي ولم يخفف زيارته له”.
...الأولوية لراحة الحاج قبل رحيله
الأكيد أن أغلبنا مشتاق إلى زيارة بيت الله الحرام ولعلّه الأمر الذي يفسر العادات والتقاليد التي توارثها المجتمع جيلا بعد جيل من أجل إبراز الفرحة والسعادة برحلة الحج ، فمن بين ما اعتاد الحجاج فعله قبل رحيلهم طلب التسامح والصفح من الأهل والأقرباء ، فاهتمامهم بأن يذهبوا صفحة بيضاء هو ما جعلهم يقومون بهذا السلوك الذي يعكس الرغبة الشديدة في إتمام خامس أركان الإسلام.
ورغم أن تلك العادات والتقاليد هي في جوهرها عبارة عن وصية برعاية الأبناء والزوجة في فترة غيابهم وكذا تعبير عن سعادة عارمة لقبوله ضمن قائمة الحجيج إلا أنها تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى إحدى صور البذخ والتبذير ، كما تغاضت عائلة الحاج عن أهمية الراحة والهدوء للحاج قبل سفره خاصة ونحن نعلم أنه لتنقله في بعض الأحيان ينتظر لأكثر من ساعتين ليستقل الحافلة لمختلف الأماكن لأداء مناسك الحج ، وكذا بقائه شهرا كاملا في بلد مختلف عنا في الجغرافيا والمناخ وحتى الطعام الذي كثيرا ما يتسبب في وعكات صحية للحجاج، لذلك يوصي المرشد الحجاج دائما بالراحة لأن أغلبهم يؤدون مناسك الحج في سن متقدمة، ما يجعلها شاقة عليهم ، لذلك علينا أن نعيد النظر في كل ذلك لنجعل راحة الحاج وتيسير رحلة الحج له هي الأولوية الأولى لأهله وأقاربه.