المتجوّل وسط مدينة بشار يلاحظ ومن الوهلة الأولى الانتشار الهستيري للحضائر العشوائية الخاصة بالسيارات لتكون هذه الأخيرة سببا من بين الأسباب التي تشكّل اختناقا رهيبا وفوضى يومية عارمة سيما منها في أوقات الذروة، وهو ما ساهم في عرقلة حركة المرور، خاصة مع التدفق السكاني والبشري الهائل الذي تعرفه الولاية تزامنا مع الدخول الاجتماعي من جهة، ولاحتوائها أهم المرافق الإدارية والصحية من جهة أخرى، لتتحول الأرصفة وساحات المدينة منذ الساعات الأولى للصباح الى مجرد حظائر فوضوية وفي مناطق سكانية وإدارية مهمة بالولاية أثّرت على المواطن وعلى المنظر العام للمنطقة. التفاصيل في هذا الاستطلاع الذي قامت به “الشعب”.
حوّل الشباب البطّال الطّرقات الرّئيسية والفرعية وكذا الأحياء والشوارع عبر كامل مدينة بشار إلى مواقف خاصة بالسيارات ومختلف الطرق لكسب الرزق، إذ يحرجون أصحاب المركبات ويجبرونهم على دفع مستحقات خدماتهم التي أصبحت مع مرور الوقت تأخذ شكلا غير شرعي رغم أن هؤلاء لا يملكون أية رخصة لاستغلال الطرقات، ضف إلى ذلك السرقة التي يتعرض لها أصحاب السيارات من دون أن يتحمل مسؤولية ذلك نتيجة انعدام المراقبة.
ومن خلال الجولة التي قامت بها “الشعب” إلى مختلف أحياء بشار، شدّ انتباهنا منذ الوهلة الأولى الازدحام الذي تعرفه الأرصفة والطرقات وحتى المساحات الشاغرة المليئة بالسيارت، حيث تحوّلت هذه الأخيرة إلى مواقف عشوائية استغلّها بعض الشباب البطال لكسب الرزق باعتباره لم يجد سبيلا لممارسة نشاطه بطريقة شرعية.
غياب الرّدع القانوني شجّع على تزايد المواقف غير الشّرعية
أول وجهة لنا كانت وسط المدينة، حيث لمسنا استياء المواطنين من ممارسة بعض الشباب الذين حوّلوا الأرصفة إلى مواقف لركن السيارات لدرجة يقول السيد تيارتي سليمان القاطن بالمدينة لـ “الشعب”، بأنه لم يعد باستطاعته الدخول إلى بيته، حيث يضطر إلى الدخول اليه قبل الساعة الرابعة مساءً كي يجد مكانا يركن فيه سيارته، وفي بعض الأوقات يدخل في شجار معهم، وإذا تأخر يضطر لركنها على حافة الرصيف أو في مكان بعيد عن مسكنه ما يجعله قلقا على مركبته من السرقة التي تحصل يوميا على مستوى المدينة.
وما زاد الطين بلة هو اتخاذ الشباب القائمين على حراسة هذه السيارات من هذه المهنة سبيلا لاستغلال المواطنين والكسب السريع، حيث تبلغ تكاليف حراسة السيارات للشخص الواحد ولمدة شهر 600 دج، ويتضاعف المبلغ إذا كانت العائلة الواحدة تملك سيارتين أو أكثر. ويؤكد المتحدث ذاته بأنه كان شاهدا على حادثة وقعت لأحد السكان الذي تعرضت سيارته لسرقة بعض لواحقها في ظل غياب هؤلاء الشباب الذين لا يتحمّلون مسؤولية أي حادث يقع.
على مستوى الطريق المؤدي الى سوق الخضر والفواكه بوسط المدينة، يقف الزائر حائرا لمنظر السيارات التي يتم ركنها بشكل فوضوي، إذ يلجا أصحاب هذه المواقف لتخصيص أماكن للركن بشكل يجعل السيارات محصورة ببعضها البعض، إذ لا يستطيع صاحبها إخراجها من مكانها، وفي الكثير من الأحيان يضطر أحدهم إلى الانتظار طويلا لإخراج سيارته، نظر لضيق المكان حيث يجد المواطن نفسه ملزما بدفع ثمن سوء الخدمة.
أما بساحة الجمهورية حيث تكثر المؤسسات الإدارية والاقتصادية، فحدّث ولا حرج، فقد أصبح الظفر بمكان بأحد الأرصفة لركن السيارة بمثابة العثور على كنز حسب أحد المواطنين، الذي أكد أن “جميع أحياء المدينة أصبحت حظائر غير شرعية، فلا تكاد تتوقف أمام أي مؤسسة او سوق او أي موقف إلا وتضطر الى دفع ثمن 30 دج مما يجعلنا طوال اليوم في رحلة البحث عن موقف للسيارات. وأضاف المتحدث ان ثمن ركن السيارة يصل في بعض الأحيان الى 60 دج في اليوم.
نفس الرأي شاطره إياه مواطن آخر قائلا: “إن حراسة السيارات في الحصائر العشوائية في وقتنا الراهن تحولت إلى حرفة، وان لم تدفع تتعرض سيارتك للتكسير والاعتداء”، مؤكدا ان هذه المهنة أصبح يمارسها بعض مروجي المخدرات بالتناوب فيما بينهم، ومن المستحيل استمرار الوضع هكذا، فكل من يشتري سيارة جديدة يجد صعوبة كبيرة في ركنها او يخاف عليها من السرقة حتى على مستوى حيه، كما عبر عن استيائه لكونه يضطر الى دفع المال لصاحب الموقف عدة مرات في اليوم، خاصة وانه يتقاضى راتبا متواضعا.
استمرت جولتنا في بعض المواقف الفوضوية الواقعة على مستوى عدة أحياء من مدينة بشار. ولمعرفة آراء المواطنين الذين شدّد معظمهم على ضرورة القضاء على هذه المواقف العشوائية التي تدار من طرف أصحاب السوابق العدلية والمنحرفين، حيث قال أحدهم: “من المفترض أن يتم القضاء على هذه الظاهرة منذ زمن بعيد، فعلى الرغم من ان هنالك بعض الفقراء يسترزقون منها إلا ان اغلب أصحاب هذه المواقف هم من يقومون بالسرقة، وإن لم تدفع لهم يعتدون على سيارتك”.
أحياء ذات طابع تجاري تعاني من الظّاهرة
بالاضافة إلى هذا، لفت انتباهنا الانتشار الكبير للمواقف العشوائية بالمناطق التجارية والاسواق الشعبية على غرار سوق الجمعة والدبدابة، المنطقة الزرقاء المقابلة لمسرح هواء الطلق وبشار الجديدة من الاحياء التي تمتلك أسواقا ومراكزا تجارية هامة. وقد اكد بعض المواطنين من المتضررين من هذه الظاهرة أن هذه الحالة باتت في ازدياد يوم بعد يوم متسببة في مشاكل كثيرة للقاطنين داخل تلك الاحياء خاصة عند نهاية الأسبوع.
يبقى هذا الاشكال مطروحا في ولاية بشار في ظل غياب حلول وخطط ناجعة من طرف المسؤولين، والقائمين على حل إشكالية النقل والمرور بعاصمة الولاية. ويبقى السؤال المطروح ما هي الحلول التي يمكن ان تطبق بعيدا عن الحلول الاستعجالية بالرغم من برمجة العديد من المشاريع والبرامج الضخمة التي تم إنجازها بالولاية لتكون ركيزة أساسية لفك الخناق عن وسط المدينة، وكذا القضاء على ظاهرة الحظائر العشوائية التي طالما فرضت قانونها الخاص على المواطنين، وأعطت صورة بشعة وغير حضارية للولاية التي تعيش هذه الأيام أسوأ مراحلها مع الدخول الاجتماعي.