“الشعب” تستطلع أجواء العمل التضامني بتيزي وزو  

30 مطعما للرحمة يقدّم 130 ألف وجبة في الشّهر الفضيل

تيزي وزو: ضاوية تولايت

استقبلت ولاية تيزي وزو هذه السنة شهر رمضان الكريم بفتح 30 مطعما للرحمة، يقدّمون 130 ألف وجبة غذائية يوميا لعابري السبيل والمحتاجين. ولنقل أجواء سير هذه المطاعم ومعرفة من يرتادها، تنقّلت “الشعب” إلى أحد مطاعم الرحمة الكائن بحي “ستيتي”   بمدينة تيزي وزو.

 كانت تشير الساعة إلى الثامنة إلا ربع ولم يبق الكثير لاذان المغرب والافطار حسب توقيت تيزي وزو، كنا نظن أن قاصدي مطاعم الرحمة التي تفتح عادة في شهر رمضان، هم عابري السبيل والفقراء، لكن تبيّن لنا بعد زيارتنا  للمطاعم واستفسارنا عن هوية قاصديه، أنهم مزيج من المحتاجين وعابري السبيل وبعض العمال الذين اضطرتهم  الظروف إلى قضاء هذا الشهر بعيدا عن كنف العائلة.
تضافر الجهود من أجل عابري السبيل والمحتاجين
خصّصت ولاية تيزي وزو ميزانية كبيرة ساهمت فيها جمعيات من المجتمع المدني  والهلال الاحمر الجزائري والبلديات والمحسنين، لتقديم وجبات يومية بمطاعم الرحمة  والبالغ عددها 30 مطعما موزع عبر ارجاء الولاية، وتقدم هذه الاخيرة 130 وجبة غذائية يوميا من بينها 80 ألف وجبة يتم اخذها لبيوت العائلات المحتاجة فيما توزع الـ 50 الف المتبقية على المطاعم .
وأكد “مجيد” مسؤول بمطبخ مطعم الرحمة الكائن بحي “ستيتي” خلال لقاء خص به جريدة “الشعب”، انه يحضر يوميا وجبات انطلاقا من الساعة الثالثة زوالا، يشارك في اعدادها مجموعة من الشباب المحسنين، أما عابري السبيل فحسبه تختلف أوضاعهم الاجتماعية و الظروف التي أجبرتهم على الافطار بعيدا عن كنف العائلة.
وللوقوف اكثر ومعايشة اجواء هذا المطعم، عمدنا تناول وجبة الافطار في مطعم عابري السبيل، لمعرفة من يقصده. ومن طرائف ما حكته لنا الخالة ‘’يامينة’’ حيث ذكرت أن رجلا قصد المطعم حاملا بيده ‘’بطيخة’’ كبيرة الحجم، طلب منها تقطيعها وتوزيعها على الصائمين، مضيفة أنه بعد الإفطار تقدم منها وشكرها على حسن الاستقبال، وردا على سؤالها حول تصرفه هذا، قال: ‘’أصدقك القول إنني اشتريتها لعائلتي ولكن، بعد تشاجري مع زوجتي، خرجت من المنزل غاضبا، ولم أرد ترك البطيخة التي اشتهتها زوجتي، وفضلت إهداءها لمن أفطر عندهم” .    
200 وجبة إفطار يوميا
 وفي هذه الأثناء كان المطعم قد امتلأ تقريبا، ديناميكية كبيرة داخل هذا الأخير، ما اضفى جو المحبة وخلق جوا مميزا بين قاصديه وكأنهم عائلة واحدة.
ما أثار انتباهنا حول هوية قاصدي هذا المطعم، هو إحصاء عدد لا بأس به من العائلات التي تملك مداخيل شهرية جد زهيدة، ولكن غلاء المعيشة لم يمكّنها من توفير كل ما يشتهيه أطفالها، فتقصد بالتالي هذا المطعم للتزوّد مثـلا بأكلة الطبق الثـاني أو الفاكهة، حيث قال “م - ك”، أب لستة أطفال: ‘’كيف يمكن  لرب أسرة يتقاضى 20 ألف دينار أن يوفر كل متطلبات رمضان؟’’، كما يقصد هذا المطعم عائلات من حي “ليكوربو” الذي يعتبر من أكبر الأحياء الفقيرة بالولاية.
وما لفت انتباهنا توجه امرأة في الخمسينيات من عمرها إلى المطعم قبل دقائق من آذان المغرب حاملة معها أطباق، واستقبلها جميع العاملين بابتسامة وفرحة كبيرتين، الكل يسأل عن حال العمة “فطيمة”، اقتربنا من أحد المشرفين على المطعم لمعرفة سر المرأة، فقال لنا إنها أرملة وليس لديها أي مدخول، وهي تعيش في فقر مدقع لم يمنعها من الاعتناء  بابنها المعوق الذي يحتاج لمصاريف إضافية.
هذه المرأة يضيف محدثنا “مجيد” من أفقر العائلات بالمنطقة لكنها تحضى باحترام كبير كونها لا تحب التسول رغم حاجتها الماسة، فهي دائما تنتظر من يطرق باب منزلها المهترئ، من ذوي الإحسان و القلوب الرحيمة للتصدق  عليها، وفي بعض الأحيان عندما تضيق عليها الدنيا تلجأ إلى أحد معارفها لتأكل وتأخذ لابنها القليل منه.
ونظرا لاعتزازها بنفسها تكتفي بالقليل ما جعلها تحضى باحترام كبير من طرف جميع السكان، أما في رمضان فتلجأ لمطاعم الرحمة لتحمل بعض الأكل للإفطار مع طفلها.
أما عدد الوجبات التي تحضّر يوميا على مستوى هذا المطعم فتصل الى 200 وجبة يوميا، هذه الوجبات يسهر على تحضيرها شباب متطوع ترك منزله وعائلته من اجل اناس اخرين لا يعرفهم هم معوزين وعابري السبيل، يستقبلونهم بفرح وسرور ما يعطي جوا رائعا للإفطار بمطاعم الرحمة، فلا يحس أي زائر أو محتاج بالنقص بل يحس بجو عائلي فريد من نوعه في هذا الشهر المعظم.
 العمل سبب آخر للذهاب إلى مطاعم الرحمة   
اقتربنا من “م ـ ط” البالغ من العمر 37 سنة سألناه عن سبب وجوده في المطعم فقال: “أنا شاب متعود على التدخين وشرب القهوة، ولم أتحمل الاستغناء عنه وأصبت في اليوم الأول من رمضان بنوبة غضب شديدة تشاجرت مع أختي الكبرى ولم أتملك أعصابي فضربتها ضربا مبرحا، وأمام هذا أصيبت آمي بالإغماء وبعد أن تعالت الأصوات التي سمعها أبي قام فورا بطردي من المنزل، وأنا هنا للإفطار بعد أن فكرت في الذهاب إلى عائلتي لكن لم أتمكن من ذلك فقررت الإفطار في دار الرحمة”.
كهل يسكن وحيدا منذ سنوات بعدما اغترب أبناءه، هو احد المتبرعين الى المطعم وبسبب الوحدة التي يعيشها اختار هو الآخر أن يكون مع الشباب والمتشردين لتمضية رمضان رفقة الجماعة بدل الإفطار لوحده، مضيفا أن الإفطار في مطاعم الرحمة يتركك تكشف عينات مختلفة من الناس ويضعك أمام واقع لا يمكن تجاهله أو الاستهانة به.
في طاولة أخرى يجتمع أربعة شبان كانوا منهمكين في الأكل بشراهة، وكان التعب باديا على ملامحهم سألنا أحدهم عن سبب وجوده هنا فقال: “جئنا من بجاية وقد اضطررنا للتوقف لتناول الإفطار لنواصل بعدها السفر إلى العاصمة”.
وقال “عبد الكريم - م”، 30 سنة، أن وجوده في هذا المطعم كان صدفة ولم يكن يعلم بأنه يقدم الإفطار مجانا لأنه كان يعتقد أن المطعم عادي لوجوده بالقرب من محطة نقل المسافرين، ولكن عندما اكتشف بأنه مخصص لتقديم وجبات إفطار مجانية لكل من يحتاجها قرر أن يتناول إفطاره مع زملائه، وقال أن الوجبة بالنسبة له كاملة (سلاطة، شربة فريك، والطبق الثاني طاجين الزيتون) وهي بالنسبة له مائدة محترمة تناسب الصائم .
وكذا تفكك الأسرة أو المرض...
في الزاوية الأخرى قصة رجل كان منهمكا في تناول وجبة الإفطار، وبين الحين والآخر يرمق الحضور بنظرة غريبة،كسر فضولنا خجله وجلسنا قربه لنسأله عن سبب وجوده هنا فقال: “خسرت كل شيء الزوجة والأبناء وكل أفراد العائلة، فاضطرت للجوء إلى هذا المطعم لأتناول فطورا ساخنا على الأقل”، ليسكت عن مكنونات قلبه مفضلا أن لا يعرف أحد قصة تردده على مطاعم الرحمة.
حالات أخرى وجدناها في مطعم الرحمة يختلف سبب تواجدهم هنا، فمن عمال قادمين من ولايات مختلفة من الوطن لم تمكّنهم ظروف العمل من الالتحاق بأسرهم، الى  بعض رجال الأمن المكلفين بحراسة الحواجز الأمنية القريبة من المطعم، وكذا بعض الحالات الاستثنائية أجبرت البعض على الاستعانة بما تقدمه هذه المطاعم مثل حالة رب عائلة مصابة زوجته بمرض خبيث ألزمها الفراش ما جعل الزوج لا يتردد في تناول وجبة الافطار الساخنة في مطعم الرحمة مادام عذره واضحا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024