الزيراوي “و” الرفيس” للاحتفال بالصيام الأول
مع مرور الوقت تغير ت مجموعة من العادات والتقاليد الرمضانية بعاصمة الأوراس باتنة ،وإن اجتهدت عدة عائلات في الحفاظ عليها ، إلا أن المد الكبير للعصرنة التي طغت على مناحي كثيرة من حياة سكان باتنة ، جعلت عديد الطقوس الرمضانية مجرد عادات لا يمكن قراءتها سوى في عيون الشيوخ والعجائز الذين رغم التطور الذي عرفته الولاية لا يزالون متمسكين ببعض العادات والتقاليد و”يجبرون” عليها أبنائهم وأحفادهم وإن حاولت بعض الكنات الهروب من “قبضة” الحاجة والشيخ في رمضان إلا أن قناعة هؤلاء بوجوب الحفاظ على عادات وتقاليد رمضان بالأوراس تنتصر دائما فتجد سكان باتنة من الأجيال الجديدة وكأنها تكتشف لأول مرة الزخم الكبير للعادات والتقاليد التي تصاحب الشهر الفضيل منذ دخوله إلى غاية مغادرته بيوت سكان الأوراس والمسلمين عامة.
حاولت “الشعب” في هذا الاستطلاع التجول ببعض أحياء ولاية باتنة لتعرف عن قرب العلاقة التي تربط سكانها بعادات وتقاليد المنطقة في رمضان والتي تبقى عبق الماضي وحلاوة الحاضر الذي نعيشه.
الزيارات العائلية بعد التروايح...مكسب لم تغيره السنون
و تعتبر الزيارات في السهرات الرمضانية بعد أداء صلاة التراويح والاجتماع على المأكولات التقليدية، من زلابية ومقروط من أبجديات وأولويات العائلات الأوراسية،إضافة إلى أنه ما ظل راسخاً ولم تنل منه تغييرات العصرنة هي الأجواء الروحانية التي تميز بيوت الله خلال شهر رمضان الكريم والتي لا تزال تعج بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح عبر كل البلديات والدوائر ولا يمكن الحديث عن صلاة التراويح بولاية باتنة دون ذكر أحد رموز العبادة وهو مسجد أول نوفمبر بباتنة الذي يتسع لـ 10000 مصلي .
هذا الصرح الإسلامي الكبير ومفخرة منطقة الأوراس كلها أسهم في إنجازه المرحوم المجاهد العقيد الحاج لخضر الذي حول المكان الذي أنجز به بحي النصر من مطار عسكري استعمله الاستعمار لقمع الشعب الجزائري من خلال ما يعرف “بالطائرة الصفراء” التي كانت وقتها تقنبل المدنيين والعزل ، حوله إلى قبلة الإسلام و المسلمين ، المسجد الذي يعرف بكثافة منقطعة النظير للمصلين الذين دأبوا على أداء التراويح به والقادمين من مخلف دوائر الولاية وحتى من بعض الولايات المجاورة بعد أن بلغ صيت أئمته وقارئيه كل القطر الجزائري.
أول أيـــام صـــوم الأطفــــال بباتنــــة فرحـــة لا تضاهيهـــــا أخـــــــرى
وبالعودة لعادات رمضان بالمنطقة فإن جهود أغلب العائلات مركزة على تهيئة الأجواء للأطفال لمساعدتهم على الصيام حيث تحرص الأمهات على تلقين أبنائهن أبجدياته وفضله وتفضل أن يكون حسب ما جرت عليه العادة ليلة النصف من رمضان أو ليلة السابع والعشرين منه، وتكون الاستعدادات لتلك الليلة المميزة من خلال تحضير مجموعة من الأطباق التي تزين المائدة الرمضانية احتفاء بصوم فرد جديد في العائلة من إعداد مشروب خاص يتم تحضيره في المنزل،حسب ما أكدته لجريدة “الشعب” السيدة “س.ب” التي إلتقيناها بسوق الرحبة بوسط مدينة باتنة ، منهمكة في اختيار بعض الفواكه ، وأشارت المتحدثة أن طرق الاحتفال بصيام الطفل لأول مرة تختلف من منطقة لأخرى بل تتعداها إلى الفروقات الموجودة بين العائلات في المنطقة والحي الواحد ، إذ هناك بعض العائلات التي تشجع صغارها على الصوم، ولو لنصف يوم دون إرغامهم على صيام اليوم كله، كخطوة أولى لاكتشاف ماهية الصيام والتعوّد عليه، وتكافئ الأطفال الذين نجحوا في البقاء بدون طعام لنصف يوم وهكذا تستمر متابعة العائلة لمدى تحمل طفلها للقدرة على إكمال اليوم بالإمساك عن المأكولات إلى غاية إتمامه الصيام كليا،
وهناك من العائلات بولاية باتنة من تحرص على تصويم صغيرها يوماً واحداً ثم تفطره اليوم الثاني، ليتمكّن من صيام اليوم الموالي، وهكذا يتعوّد الطفل من تلقاء نفسه على تحمّل مشاق الجوع والعطش تدريجياً.
“الزيراوي” و”الرفيس” للاحتفال بالصيام الاول
وفي المقابل نجد العائلات تحرص على دعوة الأهل والأقارب للإفطار في أول الأيام التي يتم فيها الطفل صوم يوم كامل وفي ذلك تعبير عن فرحة الكبار بصوم الصغار لأول مرة، وتحافظ هذه العائلات على تقاليد قديمة، تحرص على توريثها للأجيال، ومنها أن يكون أول ما يفصل به الطفل بين صومه وإفطاره لأول مرة تناوله لكاس حليب وحبات التمر ، وفي هذا الصدد تقول الحاجة “رقية” أن هناك عديد العائلات تنفرد بتحضير طبقي “الرفيس التونسي”، و”الزيراوي” المشهورين وطنيا بالإضافة إلى خبز الدار الذي يلازم مائدة رمضان ويكون شريكا لصحن الشربة “الفريك” وإن إعترفت محدثتنا والحسرة بادية على وجها بتراجع هذا النوع من الحلوى التقليدية التي بدأت تأخذ طريقها إلى الزوال، واقتصارها على الأفراح والمناسبات الكبيرة، وتواصل الحاجة “رقية” بعد أن أخذت قسطا من الراحة بجوار المسرح الجهوي حديثها حول العادات والتقاليد التي تميز رمضان سكان الأوراس فتقول: “لأن زوجة ابني تفضل شراء كل شيئ من المحلات ، أذهب أنا للتسوق رغم ضعف جسمي وصحتي ، لأنني تعودت على شرء السلع الجديدة والتي أهيؤها بنفسي في البيت لاستعمالها ،فحتى الخضار أختار تلك التي جنيت حديثا فأنا أعرفها جيدا” ، لتضيف قائلة:” هن اليوم لا يبالين بما يفطر عليه أبناؤهن الذين صاموا لأول مرة ، أما نحن في الماضي فكنا نحرص على أن يفطر الصائم الصغير على اللبن “المصنوع بالشكوة” والذي تعبق منه رائحة “العرعار” .”
محلات سوق الرحبة الشعبي وجهتهنّ المفضلة
وبعيداً عن هذه الأجواء وجدنا سوق “الرحبة” يعج بالنسوة اللواتي كنا يبحثن بهيستريا عن بعض أصحاب المطاحن المتخصصة في طحن بعض الحبوب والتوابل الرمضانية لأنهن لا يتقن فن إدراك جودة تلك التوابل رغم أن شهر رمضان الكريم قد أدرك أسبوعه الثاني إلا أن الإقبال على اقتناء التوابل ما يزال مستمرا بعديد أسواق باتنة، على غير العادة حيث أجبرت ربات البيوت على البحث عن محلات بيع العقاقير التي انتشرت عبر أحياء مدينة باتنة خاصة بعدما أغلق هذا السوق لدواعي الترميمات الجارية به منذ أشهر ، واصلنا جولتنا ، حيث غير بعيد عن هذه السوق ينتشر باعة بعض الحلويات والمكسرات الرائجة بكثرة في رمضان على غرار حلوة “النوقة” وحلوة”الترك” وحتى أكلة “الدوبارة” التي تعرف رواجاً كبيراً ساعات قليلة قبل الإفطار.
و تزينت أغلب أحياء باتنة خاصة بوسط المدينة وباقي الأحياء الشعبية الأخرى كـ “باركافوراج”، “الزمالة”، حي “بوعقال”، “كشيدة” ودوار “الديس” بأجنحة عرض السلع حتى تلبي جميع الأذواق و جميع الميزانيات أيضا ،حيث يتنافس التجار بشدة لجذب أكبر عدد من الزبائن من خلال زيادة التخفيضات حول بعض المنتجات واسعة الاستهلاك ، حسب ما وقفت عليه جريدة “الشعب” في جولة استطلاعية ،حتى و إن أكد لنا بعض المواطنين من ذوي الدخل المتوسط أن الأسعار مرتفعة وهناك من طالب بضرورة تكثيف عمل فرق المراقبة التابعة لمديرية التجارة. إذا كان هذا هو نهار باتنة في أيام رمضان فإن لياليها مختلفة تماما ،حيث تتحول الساحات الكبرى بالمدينة وكل مرافق التسلية والترفيه إلى محج العائلات التي تجد ضالتها في المنتزهات والحدائق العمومية لتناول بعض المثلجات والمشروبات وتبادل أطراف الحديث وسط أجواء أمنية محكمة يعكسها الانتشار المكثف لرجال الأمن بالزيين الرسمي والمدني.
كما وتحرص عديد العائلات على “الهروب” من زحمة الطرقات والساحات العمومية وتفضل السهر بحديقة “قادري بفسديس “وحديقة “جرمة” وحديقة “الحروف” بباتنة والتي “غزتها” العائلات البسكرية التي قررت على غرار السنوات الأخيرة قضاء الشهر الفضيل بباتنة هروبا من حرارة ولاية بسكرة .