تنفّس المهنيّون والمواطنون الصّعداء، بعودة خدمة النقل البري بين الولايات، بعد 9 أشهر من التعليق بسبب تداعيات جائحة كورونا، التي ألقت بضلالها على العالم ككل، ولو أنّ الخدمة ستكون 50 بالمائة بالحافلات وسيارات الأجرة، لكنها ستزيل الكثير من الهموم والمشاكل، خاصة وأن قاطني الولايات البعيدة المجبورين على التنقل من أجل العمل والدراسة وجدوا أنفسهم أكثر من مرة ضحية جشع أصحاب سيارات «كلونديستان»، الذين استغلّوا الظرف لتحقيق الربح السريع بطرق المساومة والابتزاز أحيانا، في حين تكبّد الناقلون النظاميون مؤسسات وأفراد خسائر فادحة، يأملون تعويضها بعد فتح النشاط من جديد.
قرار استئناف نشاط النقل العمومي والخاص بين الولايات، خلّف ارتياحا كبيرا وسط فئات كثيرة في المجتمع، خاصة لدى الناقلين، الطلبة والعمال، الفئات الأكثر تضرّرا من تعليق حركة النقل البري في إطار تنفيذ الحجر الصحي.
القيود التي فرضت منذ 22 مارس 2020، حماية للصحة العامة، كبّلت حركة ونشاط المؤسسات والأفراد، وألحقت أضرارا بليغة بالمؤسسات الاقتصادية المختصّة في النقل البري، انعكس ذلك في تراجع رهيب لرقم أعمالها، وانكماش في الاقتصاد الوطني، خاصة وأن العديد من القطاعات تعتمد عليه في نشاطها كقطاع السياحة الذي تعوّل عليه السلطات العمومية لتنويع مداخيل الخزينة العمومية من العملة الصعبة، ما بات يحتاج الكثير من الوقت لتعويض كل الخسائر المسجلة، خاصة وأنّ المحيط العام الداخلي والخارجي تأثّر هو كذلك بتداعيات الوباء العالمي، وتعرّض بسببه لعدة صدمات مالية.
خسائر بالجملة..
تعدّدت معاناة المواطنين طيلة فترة تعليق نشاط وسائل النقل بين الولايات، ووجد الكثير منهم، لاسيما العاملين والطلبة صعوبات في الوصول إلى مقرات عملهم ودراستهم، ممّا سبّب لهم ضغوطا نفسية وإرهاقا كبيرا، أمام انعدام فرص التنقل في الوسائل النظامية، وتنامي جشع أصحاب سيارات «كلونديستان»، الذين وجدوا في الظرف فرصة ثمينة لاستنزاف جيوب المسافرين، إذا وصل سعر النقل بين العاصمة وقسنطينة على سبيل المثال لا الحصر 15000 دج لشخصين، و10000 دج من العاصمة إلى وهران، في حين لا يتجاوز السعر في الأيام العادية 1200 دج.
أما مؤسسات النقل البري العمومية والخاصة، فتأثّرت هي الأخرى بآثار جائحة كورونا، واضطر أصحابها لدفع فاتورة ولكن لن تكون باهظة على «حياة الإنسان» لأن في الأول والأخير قرار حظر التنقل، هدفه حماية الصحة العمومية من وباء لعين، أنهك الجسد والتهم آلاف الأرواح في رمشة عين.
الشركة الوطنية لاستغلال وتسيير المحطات البرية للجزائر «سوغرال» التي تضم 75 محطة برية، منها 7 محطات تمّ فتحها سنة 2019، تسبّب قرار تعليق نشاط النقل منذ 22 مارس 2020 في انخفاض رقم أعمالها بـ 75 بالمائة أي بخسائر تساوي 1705818000 دج، وهو ما تسبّب لها عجزا بـ 1174416000 دج، ورغم هذه الضائقة المالية إلا أن المؤسسة واصلت في صرف أجور عمالها، ما كلّف المؤسسة 1370668000 دج، كما قال المسؤول الأول عنها.
ورغم ذلك اتخذت المؤسسة مجموعة من التدابير الوقائية التي سيتم تطبيقها مع العودة للنشاط، منها تخصيص ميزانية خاصة بالنظافة على مستوى المحطات، كما تسعى لتزويد محطاتها ببوابات إلكترونية لتسهيل عملية مرور المسافرين، والشروع في اعتماد عملية بيع التذاكر الكترونيا بداية من 2021، واستحداث بطاقة تعبئة لدفع ثمن الرحلات مستقبلا.
وتضرّرت شركة النقل بالسكك الحديدية، كذلك جراء جائحة «كوفيد-19»، بسبب توقف خدمة نقل المسافرين منذ مارس 2020، وسجّلت عجزا بـ 14 مليار دينار في التسعة أشهر الأولى من نفس السنة، وهو ما يعادل 70 بالمائة، رغم استمرار الشركة في نقل البضائع حسب البرنامج المقرر، كما تعرف صعوبات في ضمان خدمة الصيانة ما ينعكس سلبا على حركية القطارات، وبالتالي التأخر في مواقيت الانطلاق والوصول، ولم تتعدى الرحلات التي تصل في الوقت المحدد 20 بالمائة.
ويحاول مسؤولي الشركة تجاوز هذا الظرف الصعب بوضع مخطط استراتيجي، يحدد مكامن الضعف والخلل، ويقترح حلولا لتطوير الشركة.
أساس التنمية الشاملة
يعتبر أستاذ الاقتصاد الجامعية الدكتور أحمد سواهلية، النقل أحد مؤشّرات التنمية الشاملة. وقال في تصريح لـ «الشعب ويكاند»، «إن التنقل بين الولايات والمناطق سواء لغرض نقل العمال أو التسويق أو نقل السلع والخدمات إلى مناطق أخرى، أصبح ضروريا جدا فهو يعد أحد مؤشرات التنمية المحلية، وبتوقيف حركة النقل بين الولايات تضرّرت مؤسسات كثيرة خاصة مؤسسات النقل التي شهدت فقدان القدرة المالية والمعيشية والتشغيلية، وهذا ما أثّر على حياة المواطنين، ففقدان مناصب الشغل في هذا القطاع الحيوي سبّب إشكاليات في التنمية المحلية».
وفي رأي سواهلية «يعتبر النقل على رأس القطاعات التي تدعم الهيكل الاقتصادي والركيزة الأساسية للاقتصاد القومي»، وكلّما كان حسبه «نشاط النقل أوسع وأكثر حيوية كلما كان دعامة أساسية للاقتصاد والتقدم».
وفي نظره «لا يمكن أن نتصوّر توازنا لقطاعات الاقتصاد القومي دون تأمين احتياجاتها من قطاع النقل، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال وضع مخطط لخطوط النقل المختلفة التي تربط الولايات فيما بينها، والتي من خلالها يتم تمويل المدن والقرى بالسلع والخدمات المختلفة».
ونظرا لأهمية النقل في الاقتصاد الوطني وحياة الأفراد، شدّد سواهلية على ضرورة تطوير هذا القطاع، خاصة وأنه يؤثر مباشرة في تقريب المسافات البعيدة، أمام توسع الطرق المهمة كالطرق السيارة التي تساعد في تسهيل الوصول إلى الأسواق وللموارد الطبيعية والبشرية والإنتاج وانتقال السلع واليد العاملة، وتوطين المشاريع الاستثمارية في المناطق التي يكون فيها النقل متوفرا.
ولفت سواهلية الانتباه إلى ضرورة أن تواكب خطوط السكك الحديدية أو الطرق البرية أو الجوية الأنظمة المتطورة، لربط مختلف مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك، وتأمين انتقال الأفراد والسلع والخدمات والاستثمار إلى المناطق الأخرى المراد التسويق إليها.
وإعادة تنشيط حركة النقل بين الولايات ستعيد حسب الخبير الاقتصادي، كثيرا من نشاط المؤسسات الاقتصادية وستسهّل وصول الأفراد والسلع والخدمات إلى مناطق أخرى، وتأسّف لانتشار النشاط الموازي «كلونديستان» الذين كانوا يعملون بأسعار مرتفعة جدا بعد توقف هذه الخدمة.
وبالنسبة له عودة خدمة النقل العمومي والخاص ستكون له آثار إيجابية سواء على الأفراد أو الاقتصاد، وستنعكس حركيته بشكل أفضل على النشاط المالي، وتعيد تفعيل المؤسسات الاقتصادية المختصة في نقل الأشخاص أو السلع والخدمات أو المواد الأولية أو تسهم في عملية الإنتاج الاقتصادي ممّا يساعد أيضا على تحسين إيرادات الدولة من خلال نشاط الجباية العادية بمختلف الرسوم والضرائب.
وستساهم عودة خدمات النقل في تنشيط المجموعات الاقتصادية الأخرى المتمثلة في قطاعات الفلاحة والصناعة والسياحة التي تأثرت كثيرا بجائحة كورونا نظرا لاعتمادها على هذه الخدمة وغيرها من الخدمات الضرورية، وبعودة هذه الوسائل سنشهد رجوعا قويا لهذه القطاعات، خاصة إذا رافقتها بعض الإصلاحات الضرورية سواء المالية أو الضريبية أو المصرفية.