«الشعب» تعيش يوميات المواطنين مع عودة تشديد إجراءات الحجر الصحي

كورونا تُجمّد حياة الناس والكل ضحية ومتهم!

استطلاع: فتيحة كلواز

بعد شهرين فقط من رفع الحجر الصحي في سبتمبر الماضي، أعيد تكييف توقيت الحجر المنزلي الجزئي مرة أخرى في انتظار إجراءات إضافية أكثر صرامة على ضوء الارتفاع المحسوس لعدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، العودة إلى الغلق الجزئي أعاد المواطن إلى حالة من التوجّس والخوف خاصة وأنه لم يتعاف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة العالمية.
بين مؤيد ورافض للإجراءات الجديدة، جمعت» الشعب» آراء المواطنين والمختصين حول إجراءات الحجر المنزلي الجزئي الذي فرض على 29 ولاية، ناقلة آراء لخصت الوضع الوبائي الذي تعيشه الجزائر في كلمتين اللاوعي والكل مسؤول.

...لن يكون المتهم الوحيد

أوضحت سهام أزدور (موظفة)، في حديثها مع «الشعب» أن إعادة تكييف مواقيت الحجر الجزئي المنزلي وكذا الإعلان عن إجراءات وقائية وتدابير احترازية جديدة، لن تكون له أي فعالية إن لم يكن مقرونا بإدراك المواطن لسبب هذه الإجراءات وما يقف وراء العودة إلى التضييق على التجمعات وتنقلات المواطنين، لأن الأمر بالنسبة للكثير منهم لا يعدوا سوى تلاعب من طرف السلطة لوقف الحراك.
وصرحت قائلة «يجب إعادة النظر في هذا التبرير، لأن الجزائر اليوم أمام تحدٍ صحي حقيقي، سيكون لأي تهاون أو تراخ تجاهه ثمن غال يدفعه الجميع وليس فئة معينة فقط، الإمر مرتبط بالوعي والإدراك والخروج من قوقعة التآمر ومكر الدسائس، فلا يمكن التغافل عن كل ما تعيشه دول العالم من مآسي مثقلة بالأحزان والآلام بسبب الوباء الذي مس القارات الخمس دون استثناء».
«فرض الحجر الجزئي وتلويح الإدارة بإجراءات أكثر صرامة لابد من إعطائهما بعدا صحيا فقط، فلا يمكن للعاقل تصديق أن تقوم الجزائر بالانتحار اقتصاديا وصحيا من أجل حراك دسترته واعترفت به كنقطة فاصلة في تاريخ الجزائر، لا يمكن بمكان تبرئة الوباء من آثاره الكارثية على أي دولة يحل بها، والجزائر إحداها، ولا يمكن أن نغامر بحياتنا وحياة من نحب بسبب كذبة سياسية تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي».
واستطردت سهام قائلة إن الحقيقة الوحيدة هي ارتفاع غير مسبوق لعدد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا يرشحها لا وعي المواطنين إلى الخروج عن السيطرة، لذلك لابد من الغلق الكلي ومعاقبة كل من تسول له نفسه التلاعب بصحة الجميع، مؤكدة أن الجزائر اليوم تحارب وباء عالميا، وأن الخطر المحدق بكل شخص، وإن لم توقفه وحدة الجهود وتظافرها ستغرق السفينة لا محالة ولن ينجو منها أحد.
وتساءلت سهام عن جدوى وضع توقيت خاص دون الأخذ بعين الاعتبار وقت توقف وسائل النقل التي تعرف اضطرابا حقيقيا منذ إعادة تكييف توقيت الحجر المنزلي، لذلك لا بد من اتباعها بتدابير أخرى تساهم في التخفيف على المواطن عبر مختلف محطات النقل الحضرية.
لا يمكن استثناء المعاناة التي يعانيها التجار وأصحاب المحلات بسبب إجراءات الحجر المنزلي الجزئي، لذلك فضل الكثير منهم التخلي عن نشاطه خاصة وأنهم مجبرون على تسديد فاتورة الكراء بالإضافة إلى التزامات أخرى، إسلام واحد من هؤلاء سألته «الشعب» عن سبب تفضيله لهذا الحل.
فأجاب أن تجارته تأثرت بشكل كبير بإجراءات الحجر الصحي منذ مارس الماضي، لذلك كان عليه الاختيار بين الخسارة أو الخروج بقليل من المال يساعده على مزاولة نشاط آخر، بعيدا عن محل المواد الغذائية العامة الذي يملكه، فبالرغم من تطبيقه الصارم لإجراءات الوقاية ووضعه لافتات توصي بإجبارية ارتداء الكمامة واحترام التباعد الاجتماعي، إلا أن الزبائن في أغلب الحالات لا يحترمونها، حيث يجد نفسه في مواجهة لا وعيهم وتراخيهم، لذلك كان في كثير من الأحيان يصل به الأمر إلى الدخول معهم في شجار ينتهي بذهابهم دون رجعة.
بالإضافة إلى الخسارة المادية الكبيرة التي تسبب فيها إجراءات الغلق في الشهور الماضية، كان عليه أخذ قرار مهم مع بداية العودة إلى الحجر الجزئي، الذي تزامن مع انتهاء مدة الكراء حيث فضل التوجه إلى التجارة الموازية لأنها بعيدة كل البعد عن كل تلك الفوضى الناتجة عن التطبيق العشوائي لإجراءات الوقاية، فالبقاء بين فكي الرحى جعله يختار الخروج منها بأقل الخسائر خاصة بعد تشميع محله لمدة 15 يوما من طرف الشرطة بسبب عدم التزام الزبائن بارتداء القناع الواقي وكذا دخول أطفال أقل من 16 سنة إلى محله، لذلك كان الهروب إلى وراء أسلم الحلول بالنسبة له.

 رخصة التنقل ... وفوضى استعمالها

نقطة مهمة تحدث عنها محمود والي، هي المنح العشوائي للتراخيص وكذا استعمالها بعيدا عن المهمة التي منحت من أجلها، حيث قال لـ «الشعب»:» في كثير من الأحيان يتكلم الجميع عن قلة وعي المواطن، وعن عدم احترامه لإجراءات الوقاية وكأنه الملام الوحيد في معادلة الحد من انتشار العدوى، بالنسبة لي الجميع معني بما في ذلك الإدارة للعبها دور محوري في تطبيق التدابير الاحترازية.»
وأكد محمود في سياق حديثه، ضرورة مراجعة معايير منح التراخيص وكذا حالات استعمالها، فهي وثيقة إدارية تعطي مالكها الحق في التنقل وقت الحجر المنزلي الجزئي أي من الساعة الثامنة مساء إلى الخامسة صباحا، لكن يتناسى الجميع أنها منحت في إطار تسهيل عمل بعض المستخدمين المضطرين إلى العمل إلى ما بعد الوقت المحدد لتنقل الأفراد والمركبات، فتجدهم يستخدمونها في تنقلاتهم الخاصة خارج وقت عملهم.
وهنا أوضح محمد أن أصحاب التراخيص أحد الأسباب المسكوت عنها لانتقال العدوى، فما معنى ألا يعاقب عامل في بنك يملك رخصة للتنقل بعد الثامنة مساء عند إيقافه في حاجز أمني يوم عطلته الأسبوعية بالرغم من أن الشرطي أو الدركي يعلم علم اليقين أنه في عطلة وأن الرخصة وثيقة إدارية مرتبطة بحدود ممارسة وظيفته، وما معنى أن يترك أصحاب التراخيص خارج دائرة العقاب والتطبيق الصارم للقانون في ظل تحدث الجميع عن الصرامة والردع اتجاه المتراخين.
فمثلا في عيد الفطر الماضي تم تغريمي بـ 10 آلاف دج لعدم احترامي وقت الحجر الصحي الذي حدد بـ 13:00 زوالا، بينما جاري الذي يعمل حارسا ليليا في إحدى المؤسسات العمومية لم يعاقب لامتلاكه رخصة التنقل، من غير المعقول أن يتجول هؤلاء بكل حرية وكأنهم فوق القانون، لذلك أول ما يجب القيام به لبلوغ فعالية أكبر للإجراءات الوقائية هي تطبيق القانون على الجميع».

 المختصة في التخدير نصيرة شرقي: القادم أخطر

كشفت المختصة في التخدير نصيرة شرقي أن اللامبالاة واللاوعي هما السمتان المميزتان للسلوك العام في المجتمع، ما يجعل كل الجهود التي يبذلها الأطباء ومغامرتهم بحياتهم تذهب سدى، لأن الغلق والحجر الجزئي أو الشامل لا معنى له بدون وعي يرتقي بالسلوك العام إلى إدراك حجم الكارثة التي يتجه نحوها الوضع الوبائي في الجزائر إن لم يُعِد المواطن النظر في سلوكياته وعاداته الاجتماعية.
وأكدت أنه لا يمكن بمكان قبول حالة الاستهتار والتراخي التي تسود الفضاءات العامة، المحلات ووسائل النقل، يجب تجاوز مرحلة الخوف من الغرامة المالية أو تشميع المحل أو وقف النشاط لمدة معينة إلى مرحلة أخرى يكون فيها الخوف مرتبطا بحياة الآخرين.
وكلمة الآخرين هنا لا تعني أنهم موجودون خارج حدود المحيط  العاطفي للشخص والأسري، فـ «الآخرون» هنا كل شخص سواء كان أبا، أما، أخا، إبنا أو قريبا بل كل شخص متواجد في المحيط الذي يعيش فيه وحتى أولئك البعيدون عنه، لأن شبكة معارفه لها أيضا شبكة أخرى لذلك قد يعني نقل العدوى لشخص أعرفه نقلي لها لأشخاص بعيدين عني بآلاف الكيلومترات، لذلك علينا أن نعي خطورة الوضع في ظل غياب الوعي لمنع انتشار الوباء بهذه الحدة.
وأوضحت ان المواطن لن يكون المعني الوحيد لان تطبيق العقوبات على المخالفات تعني الابتعاد عن الكيل بمكيالين، ليعاقب كل مستهتر حتى وإن كان قريبا أو معرفة خاصة، لأن القضية هنا مرتبطة بالأمن الصحي للوطن وليس فردا أو شخصا بحد ذاته.
وقالت شرقي إن التعامل اليومي مع الحالات الحرجة التي تحتاج إلى تنفس اصطناعي جعل الأطباء في حالة نفسية حرجة بسبب تلك المعاناة التي يعيشونها بكل تفاصيلها مع المرضى المصابون بالفيروس التاجي، فعندما ترى أمامك مريضا يتخبط في العناية المركزة ينتظر دنو أجله لأن ابنه تراخى في الإجراءات الوقائية، أو تجد نفسك أمام مريض تقاذفته المصالح المختصة لأنه يعاني أكثر من مرض زادتها إصابته بفيروس كورونا تعقيدا.
ستدرك حينها حقيقة عدو مجهري يحتاج إلى أكثر من وصفة طبية للقضاء عليه، لأن السلاح الوحيد الذي يردعه هو الوعي بضرورة إتباع الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية خاصة وأن الفصل هو موسم نزلات البرد والزكام.
وأشارت في سياق حديثها إلى لاـ مسئولية من يمارسون حياتهم بصفة طبيعية من المرضى المصابين بالعدوى، لأنهم يتحملون وزر من يصابون بهذا الوباء بسبب استهتارهم، لأن المصاب بفيروس كورونا حتى وإن لم يتم إبقاؤه في المستشفى يجب أن يبقى في حجر منزلي صارم حسب توصيات الطبيب المشرف على حالته حتى لا يساهم في انتشار العدوى.

المختص في علم النفس السلوكي مسعود بن حليمة: الكل معني

أكد المختص في علم النفس السلوكي مسعود بن حليمة في اتصال مع «الشعب»، أن الجزائري بعيد كل البعد عن الثقافة الصحية، فرغم كل تلك المبادرات التي يشرف عليها المختصون والجهات الوصية والإعلام لتوعيته بخطورة الوضع الوبائي في الجزائر، ما زال متهورا غير مدركٍ لخطورة الحالة الصحية التي يعيشها ما جعله بعيدا عن التعايش معه، لأنه لا يعي حجم المسئولية الملقاة على عاتقه.
يجب أن يتعايش المواطن مع الحجر الصحي الجزئي أو حتى الشامل بالوعي والتوجيه والإرشاد وأخيرا الوقاية والأمن، فبالتزام المواطن بها لن تسجل الجهات المختصة تلك الأرقام المرعبة من الإصابات الجديدة.
وفي نفس السياق كشف المتحدث أن تعامل المواطن مع العودة إلى الحجر المنزلي الجزئي بإعادة تكييف توقيته، تميز باللامبالاة وكأن الأمر لا يهمه، حيث يقتصر بالنسبة له على التجار أي ربطه بالنشاط الاقتصادي، والأعمال الحرة التي تتأثر بهذا الوباء.
بالإضافة إلى ذلك، صرح بن حليمة أن التربية عامل أساسي أيضا في قلة الوعي، فمثلا كل التلاميذ يرتدون القناع الواقي عند دخولهم المدرسة بسبب الردع وصرامة المشرفين التعليمية في المؤسسات التعليمية وفق البروتوكول الصحي. لكن بمجرد خروجهم من المدرسة وعند بوابتها ينزعون الكمامة ويتعاملون بصفة عادية وكأن لا وباء ينتشر بسرعة.
وأرجع سبب التراخي إلى العائلة التي ترافق أطفالها خاصة المتمدرسين في المرحلة الابتدائية، فعندما ينزع التلميذ الكمامة في الشارع يجب أن تنتبه الأم أوالاب له وتطلب منه إعادة ارتدائها وتوعيته حول خطورة نزعها بسبب دورها في الحد من العدوى، وكذا أهمية اتباع عادات سلوكية خاصة للابتعاد عن دائرة العدوى كعدم المصافحة وعدم لمس الأسطح بالإضافة إلى التباعد الاجتماعي.
لا بد من إعادة النظر في الطريقة التي نغير بها أفكار وأسلوب هذا المواطن من متهور إلى متحضر، على اعتبار أنه العلاج لتتحول سلوكياته من طائشة إلى واعية، تمكّنه من التعايش مع فيروس كورونا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024