الصناعة التحويلية والزراعة خارج التربة، مهن تستقطب اهتمامهن
استطعن تحقيق نجاح باهر رغم الصعوبات التي وقفت حجر عثرة في طريقهن، درسن وتخرجن من الجامعة لكن عالم الأعمال والمقاولاتية فتح أمامهن الباب واسعا لتحقيق أحلامهن، خاصة وأن الدولة وفرت لهن آليات للاستفادة من قروض مصغرة،.. هنّ سيدات اصطلح على تسميتهن نساء مقاولات، خضن تجربة المال والأعمال الذي كان لوقت طويل حكرا على الرجال.
تتبعت «الشعب» اليوم مسيرتهن وتجربتهن لتكتبها على صفحاتها، لتكون شهادة حية لقوة الإرادة عندما تتأكد أنها تستطيع، رغم كل الظروف والعراقيل ويزة حمور من البطالة إلى صناعة الأجبان.
ويزة حمور واحدة من فحلات القبائل الكبرى بولاية تيزي وزو، خريجة جامعة «هواري بومدين» بباب الزوار، تخصّص كيمياء صناعية صاحبة مشروع استثمار في مشتقات الحليب والأجبان، تحدثت إلى «الشعب» قائلة:» بعد تخرجي من الجامعة عانيت من البطالة لمدة ليست بالهينة، لذلك كان لا بدّ من البحث عن عمل.
وبالفعل عملت في بعض المؤسسات كان من بينها مؤسسة بالرويبة مختصة في إنتاج الحليب، ما منحني تجربة في هذا المجال، حبي للتغيير وطموحي الكبير في تحقيق الأفضل أرغمني على تغيير وجهتي إلى مؤسسات أخرى مختصة في نفس مجال الحليب ومشتقاته، لكن عملي بدون حصولي على حقي في الضمان الاجتماعي وكل الحقوق التي يستفيد منها العمال النظاميون فرض خيار مشروعي الخاص على مخططاتي المستقبلية.»
وتناهى إلى سمعها، وهي تبحث عن أول خطوة لتحقيق حلمها، وجود الصندوق الوطني للتأمين عن البطالة «الكناك»، الذي يتكفل بدعم لإنشاء وتوسيع النشاطات المخصصة للشباب العاطل عن العمل والبالغ من العمر 30 -50 سنة، وبالفعل توجهت إلى هذا الجهاز في 2008 بملف مشروع لإنتاج الجبن الذائب لكنها وبسبب الأموال الكبيرة التي يتطلبها، غيرت المنتج إلى «كامومبار».
وقامت ويزة حمور بدراسة السوق فوجدت أن المنتجات من مشتقات الحليب خاصة «الكامومبار» تعرف نقصا خاصة في ظل المنافسة التي تفرضها المنتجات المستوردة، وتحصلت على قيمة المشروع 2780000.00، وقامت بشراء الآلات الخاصة والمركبة.
كانت البداية مع زوجها الذي كان يجمع معها الحليب من النساء الريفيات اللواتي يقمن بتربية الأبقار في تيزي وزو، ثم توسع المشروع لتتحول إلى تربية الأبقار، فكان نوفمبر 2010 موعد الانطلاقة في تسويق منتوجها كامومبار»معاشرة» على اسم المنطقة التي تربت وترعرعت وتزوجت فيها.
وعرف رواجا كبيرا في المنطقة، وهنا بدأت الطلبات تزداد ليتحول «معاشرة» مطلوبا من الزبائن، حتى أصبح يسوق على المستوى الوطني.
في عشر سنوات الأخيرة من 2010 إلى 2020 استطاعت ويزة حمور، أن توفر مناصب عمل مباشرة هؤلاء العمال المتواجدين داخل المصنع عددهم أربعة 04 وغير مباشرة كالمزارعين والمربين.
وفي هذا الصدد، وجهت نصيحة إلى الشباب ليتوجه إلى مختلف الآليات التي وفرتها الدولة للشباب لولوج عالم الأعمال والاستثمار، خاصة وأنها لا تستثني منهم أحدا، لذلك هي فرصة حقيقية لكل شاب لإثبات ذاته ونجاحه في عالم التجارة.
وأوضحت أن الأجهزة التي وفرتها الدولة للشباب تساهم في إخراجهم من البقاء في السوق الموازية للشغل، أين يحرم فيها من أدنى حقوقه كالضمان الاجتماعي والعطل المرضية، واشترطت أن يقوم بدراسة السوق قبل الخوض في أي مشروع حتى لضمان نجاحه.
حبيبة دبيلي ...تجسيد الأسرة المنتجة
عملت حبيبة دبيلي في مجال تحويل مشتقات التمور مع زوجها في ولاية بسكرة المنطقة المعروفة بجودة تمورها، حيث كان قطاع نشاط الصناعات التحويلية الاختيار الذي جسد بالنسبة لها فكرة الأسرة المنتجة، لذلك استفادت من صيغة التمويل لشراء مواد أولية ولاية بسكرة.
وقال الزوج بوزيد دبيلي حرفي صانع للتمور، إنه يعمل مع زوجته لتجسيد فكرة الأسرة المنتجة في الفلاحة التحويلية، وكشف أن المجال موجود من قبل لكنهما عملا على تحسينها وتطويرها من خلال الطريقة التي تقدم بها إلى الزبون كالتغليف، وكانت الانطلاقة بمنتوجين فقط هما دبس التمر والتمر والقمع.
واستفادت حبيبة دبيلي من قرض مصغر من الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر «أونجام» لشراء المواد الأولية، وخلال عشر سنوات كاملة وهما ينشطان في هذا المجال، حيث يقومان بتحضير المواد الأولية لتسوق عبر مختلف ولايات الوطن.
وقال بوزيد دبيلي إن أهم الصعوبات التي واجهاها كانت التعليب، ففي الجزائر المنتجات جيدة لكن التعليب سيئ غير جالب للانتباه، ما يجعله يقف أمام تسويق المنتوج حتى وإن كان ذومعايير جيدة، وأيضا التسويق خاصة في فترة الغلق بسبب جائحة كورونا ما يجعل من خلق فضاءات جديدة للتسويق كالملتقيات والمعارض ضروري لترويج وتسويق السلع.
وأوضح أن منتجاتهما تباع بالجملة في بسكرة فيما يتكفل تجار آخرين بتسويقها عبر التراب الوطني، أما فيما يتعلق بالأسعار، اعتبرها في متناول القدرة الشرائية للمواطن، فدبس التمر مثلا سعره بالجملة 85 دج لـ250 غ، إلى جانب مسحوق التمر والقمح (روينة التمر في الصحراء)، وكذا مسحوق التمر والمكسرات الذي يعتبر ذو قيمة غذائية عالية خاصة الكالسيوم، فتمر «مش الدقلة» يمتاز بقيمته الغذائية لاحتوائه على الكالسيوم ونسبة عالية من الحديد لذلك ينصح به للذين يعانون هشاشة العظام أوفقر الدم.
طالب احمد نعيمة...آفاق زراعة الفطر العضوي خارج التربة
أعطت المهندسة في الفلاحة طالب احمد نعيمة معنى جديد الغذاء الصحي باعتمادها على تطوير زراعة الفطر خارج التربة باستعمال المواد العضوية، وقد فكرت في هذا المشروع الفلاحي بعد اصطدامها مع واقع عدم توفر مساحات زراعية في المتيجة لذلك كان لا بد لها من التفكير في مشروع جديد طويل المدى خارج التربة.
ولكن عدم امتلاكها للإمكانيات الكافية لتجسيده على أرض الواقع كان عليها التوجه إلى الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب «اونساج»، واستفادت من استثمار بقرض مليار دج حيث منحوها آلة تغليف، وسائل النقل وكل الوسائل والآلات العصرية التي تحتاجها، كآلات الرطوبة والحرارة.
وعلى مدى سنتين من النشاط والتواجد في عالم الأعمال، بدأت خلالها نعيمة تسويق منتوجها من الفطر العضوي المزروع خارج التربة وباستعمال المواد العضوية المتحللة، بالتنقل إلى المهتمين بهذا المنتج الذين سمعوا عنه خاصة وأن تفريخ الفطر غير معروف.
فكانت أول وجهة لها زبون يقطن ببلدية «حيدرة» أين ملأت كيسا بمنتوجها وذهبت إليه، لتبدأ فيما بعد عرض منتوجاتها على المطاعم والفنادق التي تعتبر أبرز المهتمين به، وقد كان تواصلها معهم باستعمال مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت مساحة مهمة للترويج لمنتوجاتها، والاتصال بزبائنها، مؤكدة أن منتوجها تتوفر فيه جميع المعايير المطلوبة بما فيها علامة المنتوج.
ورغم أن الطعام العضوي لا يلقى إقبالا في الجزائر، إلا أنها وجدت بعض عروض اتفاقيات مع بعض المؤسسات من بينها شركة «بلاط»، والمركز التجاري «اونو» لكن طريقة الدفع في كثير من الأحيان تكون سببا في فشلها، فمثلا واحدة من المؤسسات طلبت 150 كغ من الفطر في الأسبوع مقابل الدفع في ثلاثة أشهر، لذلك هي تتفاوض اليوم معها من أجل الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين.
وبغية نشر ثقافة الطعام العضوي جسدت نعيمة طالب احمد، فمن خلال زرع خارج التربة باستعمال البقايا العضوية، لضرورة إطلاق الطعام الصحي الذي يعتبر في الآونة الأخيرة كُل المنتوجات التي تحمل اسم المنتجات العضوية التي تعتمد بشكل أساسي في إنتاجها على مواد طبيعية وخالية من الكيميائيات والملوّثات، ما يجعلها مفيدة للبيئة وللصحة.
إيمان عليات...المرجان عالمها الخاص
تلاعبت يداها بالمرجان أو الذهب الأحمر منذ نعومة أظافرها، فكانت الهواية التي سكنت روحها وشغلت فكرها لامتهان عائلتها هذه الحرفة، إيمان عليات رغم أنها متحصله على شهادة محاماة ماستر تخصص قانون دولي في 2015، لم يكن بإمكانها التوجه إلى عالم المحاكم والمرافعات، بسبب طلب مسؤولي اونجام بالطارف منها التوجه إلى الوكالة للاستفادة من قرض بغية تطوير هوايتها والاحتراف في هذا المجال، واقترحوا عليها أيضا المشاركة في المعارض الوطنية والدولية، بسبب إعجابهم الشديد بما تصنعه بالمرجان.
وبالفعل استفادت من صيغة التمويل لشراء مواد أولية من المؤسسة الوطنية لتوزيع وتحويل الذهب والمعادن الثمينة «أجينور»، وقالت في هذا الصدد إن المنتوج موجه إلى الزبائن على اختلاف شرائحهم، كما لديها اعتماد مع مؤسسة صينية لشراء الهدايا ومؤسسات جزائرية.
وقالت إيمان عليات إن منتوجها يسوق على المستوى الوطني والدولي، كاشفة أن الوكالة الوطنية للصيد البحري ستقوم بفتح مجال أمام استغلال المرجان وفق شروط معينة من أجل التصنيع والتصدير، تنظيما للنشاط.
عَدَوِيا لنصاري...رموز تحكي تاريخ إنسان
هي واحدة من السيدات اللواتي أردنّ أن يجعلن من الصحراء ورمالها كتابا مفتوحا على تاريخ إنسان عاش لآلاف السنين في جنوب الجزائر الكبير، عَدَوِيا لنصاري اتخذت من نشاطها الجمعوي كرئيسة لجمعية الصناعات التقليدية وسيلة للتعريف بالصناعة التقليدية التي تشتهر بها ولاية تمنراست، فمن خلال ما تصنعه أناملها على الجلد والفضة تبدع في إعطاء المتصفح لها رسائل للتعريف بثقافة الطوارق أو الأمازيغ الأحرار.
وحتى تستطيع تحقيق حلمها في الحفاظ على الموروث الثقافي للمنطقة، استفادت عدويا لنصاري من قرض مصغر قيمته 30 ألف دج بعد توجّهها إلى الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر بصيغة التمويل لشراء مواد أولية في 2007.
وكانت من بين الأوائل المستفيدين من هذا الجهاز الذي استحدثته الدولة من أجل تنمية القدرات الفردية للأشخاص الراغبين في خلق نشاطاتهم الخاصة، بمنحهم قرضا مصغرا يسمح بشراء التجهيزات ومواد أولية لبدء نشاط أو حرفة.
وبالفعل استفادت من قرض أول وثاني وثالث حتى بلغ مجموعها 250 ألف دج، ما سمح لها منذ 2007 في نشر معالم حضارة مازالت بداياتها الأولى مرسومة على جدران كهوف «طاسيلي ناجر»ّ، لتكون الرسوم والرموز اللغة الخالدة في نقل تراث الأمم جيلا بعد جيل.
لكنها وفي حديثها مع»الشعب» ، قالت لنصاري أن أكبر مشكل واجهته إلى حد الآن هو التسويق، حيث تعد المعارض أكبر فرصة لعرض وبيع ما تنتجه من تحف فنية، لذلك طلبت من السلطات المعنية تنظيم معرض كل أسبوع في ولاية من ولايات الوطن حتى يستطيع الحرفي تجاوز هذه المشكلة، وكذا خلق جو من التبادل الثقافي بين مختلف الجهات شمالا، جنوبا، شرقا وغربا، ما يعطي الجزائري فرصة للاطلاع على التنوع والثراء الكبير الذي يميزه كثقافة وكمجمع، ويتعرف أيضا على بعده التاريخي الذي يمتد إلى العصر الحجري.
تمثل عدويا لنصاري النجاح عندما يُعطى الشخص الفرصة لتحقيقه، لأن الدولة باستحداثها أجهزة لمساعدة الراغبين في تحقيق مشاريع صغيرة ذات بعد اجتماعي واقتصادي، تساهم في خلق مناصب شغل خاصة في ظل توفر المادة الأولية.
ووصفت لنصاري الصحراء بـ»كل ما في طبيعتها مادة أولية متوفرة في أي مكان يقع عليه بصرك»، لذلك ساهم جهاز «أونجام» في مساعدتها على تحقيق ذاتها كامرأة وكثقافة.
المرأة المقاولاتية والقروض المصغرة
أثبتت المرأة المقاولاتية أن المرأة حاضرة في كل المجالات وأن اعتمادها على كفاءتها لتحقيق نجاحها ممكن في ظل توفر آليات وأجهزة تساعدها وترافقها في خطواتها الأولى في عالم المال والأعمال، ويزة، حبيبة، نعيمة، إيمان وعدويا كلهنّ وجدنّ ضالتهنّ في مختلف الصيغ التي استحدثتها الدولة كـ»أونجام» و»أونساج» و» الكناك» لأنها عملت على تعبيد الطريق لهنّ لتحقيق ذواتهنّ والمساهمة بفعالية أكبر في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.