توجه الجزائريون، أمس، إلى مراكز التصويت للإدلاء بأصواتهم في مشروع تعديل الدستور الذي يعتبره المختصون والخبراء خطوة حاسمة في بناء الجزائر الجديدة، ليكون تاريخ الأول من نوفمبر تاريخ جمع هذه السنة بين أول رصاصة في إعلان إرادة شعب في استرجاع حريته، وبين أول ركيزة قانونية ترسي قواعدها معالم مستقبل وطن.
تنقلت «الشعب» بين مختلف مراكز التصويت ببلدية برج البحري لترصد عن قرب آراء المواطنين الذين أقبلوا عليها لاختيار ما يرونه أنسب لغد أفضل، وكذا الظروف التي جرت فيها العملية الانتخابية خاصة وأنها تزامنت مع أزمة صحية استدعت تطبيق بروتوكول صحي لمنع انتشار العدوى بين المصوتين.
من مركز التصويت حسيبة بن بوعلي بحي نسيم البحر إلى طالب عبد الرحمن 1و 2 رصدت الشعب» آراء بعض ممن فضلوا صندوق الاقتراع للفصل في مشروع تعديل أول قانون في البلاد.
أول من تحدثت إليها «الشعب»، «جميلة . ب» واحدة من اللواتي فضلن التوجه إلى المركز الانتخابي للتصويت طالب عبد الرحمن 1، حيث سألناها عن الدافع فأجابت قائلة:» أنا من الأشخاص الذين لا يتخلون عن واجبهم الانتخابي لأنني مقتنعة أن صوتي يصنع الفارق في اللحظات الحرجة، فأنا وبعد 60 سنة من الحياة أدركت أن الجزائر بحاجة إلى أبنائها كما كانت فيما يزيد عن القرن من الاحتلال».
وأضافت المتحدثة قائلة: «إن المرحلة الحرجة التي تعيشها الجزائر في الوقت الراهن تفرض على كل جزائري وضع الخلافات جانبا والتفكير في المصلحة العليا للبلد، والأكيد أنها ستجمع الكل على اختلاف مشاربهم وتنوعها على اسم واحد هو الجزائر».
لذلك جميلة اليوم هنا لتعطي لأبنائها وأحفادها درسا تعلمته من والدها المجاهد، جوهره عدم ادخار أي شيء يكون في صالح الجزائر.
وطبعا لن تكون هناك عملية انتخابية أو استفتاء بدون هؤلاء المصوتين الذين يأتون للقيام بواجبهم حتى وإن كانوا على كرسي متحرك، جمال واحد من هؤلاء ارتأى المجيء للتصويت رفقة حفيده رغم إعاقته الحركية، اقتربت منه «الشعب» لتعرف سر الإخلاص والوفاء اللذان يعكسهما هذا الإصرار على أداء واجبه الانتخابي.
في هذا الصدد قال جمال :» لا أتذكر أنني تخلفت عن أي موعد انتخابي فالأمر بالنسبة لي واجب لا يسقطه إلا الموت، لذلك طلبت من حفيدي مرافقتي إلى مركز التصويت لأنني لا أستطيع المجيء لوحدي، والحمد لله أنا اليوم هنا لأختار ما أراه مناسبا ليكون القاعدة الأساسية لبناء وطن، تمنيناه قبل تباشير الحرية والاستقلال.»
من جهته، سعيد دربالي اختار أن يمارس حقه في الاختيار بين «نعم» و»لا» رافضا أن يبقى على هامش طريق البناء، وقال:» في الحقيقة لم أنتخب في حياتي سوى مرتين الأولى في 1996 والثانية في 2019، فكانت المرتين بالنسبة لي مرتبطتان بمرحلتين حساستين عاشتهما الجزائر، أما هذه المرة فالأمر مرتبط برهان البناء والقاعدة الأساسية للانتقال إلى مفهوم جديد، لمعنى الوطن يكون فيه المواطن شريكا أساسيا ومحوريا، ولا أخفي عنكم أنني في البداية لم أكن متحمسا للتصويت بل كنت من أنصار المقاطعة، لكن الجدل الذي شهدته الساحة السياسية والإعلامية جعلني أنظر إلى الأمر من زاوية خاصة، فالجدل حول الوثيقة الذي أثار قضايا العلمانية وحرية الأديان وحيادية المدرسة ومشاركة الجيش الوطني خارج الحدود، أعتبرها محورية لأنها تضرب المجتمع في أساساته.
في هذا السياق، قال دربالي:» طبعا الولاءات والانتماءات السياسية والأيديولوجية كانت الخلفية المحركة لهذا الجدل لذلك كان لا بد من الوقوف أمامها والبحث عن الحقيقة حتى لا يتم التلاعب بمشاعرنا وخياراتنا، وحتى يكون الشعب بحق صاحب القرار الأول بعيدا عن التزييف والتزوير فالفراغ دائما خلاّق للفوضى.»
تطلعات شباب في غد أفضل
على غير العادة لاحظت «الشعب» عبر مختلف مكاتب التصويت، التي زارتها توافد الشباب على مكاتبها من أجل أداء واجبهم الانتخابي سألت بعضهم فكانت لنا هذه الآراء.
كان رسيم 22 سنة أحدهم أدى واجبه الانتخابي بمركز التصويت حسيبة بن بوعلي بحي نسيم البحر، سألناه عن سبب اختياره أداء واجبه، فأجاب أنه يتطلع لغد أفضل، ولدولة تؤسس نموها وتطورها على سواعد الشباب، الفئة التي أصبحت فريسة سهلة للانحراف والحرقة التي يعيش تفاصيلها مع أصدقاء حملوا أحلامهم في كيس صغير وركبوا البحر نحو المجهول.
وقال رسيم إن الواقع المرير الذي يعيشه جعله يختار التصويت حتى يجد أمثاله من المتخرجين من الجامعة مكانا لهم في عالم الشغل وتشجيعا لابتكاراتهم وإنتاجاتهم التي غالبا ما تبدأ صغيرة وبحاجة إلى دعم ومرافقة، لذلك كانت التعديلات الجديدة على وثيقة الدستور والتي أعطت حيزا كبيرا للشباب وابتكاراتهم، حافزا قويا له حتى ينهض صباحا على غير عادته ويؤدي واجبه ليحدد اختياره الذي يرى فيه الغد والمستقبل.
بدورها أمينة شابة لم يتعد سنها 24 سنة جاءت إلى مركز التصويت طالب عبد الرحمن 1 (نساء) لتصوت على مشروع تعديل الدستور لأنها ترى انه منح الكثير من الامتيازات لفئة الشباب خاصة في المجال الاقتصادي والمجتمع المدني، وأرادت أن تصوت لتحقيق حلمها على أرض الواقع وترى مؤسستها الناشئة تكبر بدعم ومرافقة من الجهات المختصة.
في المقابل، أبدت أمينة تأسفها لعدم وجود اسمها في قائمة المسجلين، رغم ذلك تم توجيهها إلى بلدية برج البحري للتحقق من تسجيلها، وأكدت لنا قبل ذهابها أنها ستعود إلى مركز التصويت لأداء واجبها الانتخابي على أكمل وجه.
البروتوكول الصحي .. وصرامة التطبيق
أكد رؤساء مراكز التصويت التي زارتها «الشعب» على التطبيق الصارم للبروتوكول الصحي حيث زودتهم بلدية برج البحري بالأقنعة الواقية، المناديل المبللة والمطهر الكحولي وكذا تحديد الاتجاهات بالشريط اللاصق من أجل احترام التباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى فرض دخول شخص واحد إلى مكتب التصويت وكذا نزع الستار عن غرفة التصويت وكذا فتح النوافذ لتهوية المكاتب.
وفي هذا الصدد، قال رئيس مركز التصويت حسيبة بن بوعلي بحي نسيم البحر مهدي منير إن العملية الانتخابية جرت في ظروف عادية ولم تسجل أي حوادث تذكر، مع حرص الجميع على تطبيق البروتوكول الصحي من خلال اللافتات لشرح الإجراءات الوقائية للناخبين وكذا تعقيم اليدين عند دخول المركز ومسح اليدين بالمناديل المبللة بعد تصويت الناخب.
وكشف منير في حديثه لـ»الشعب» أن مركز حسيبة بن بوعلي به 4373 مسجل، صوت 500 شخص منهم عند الساعة الواحدة زوالا.
أما رئيس مركز التصويت طالب عبد الرحمن 2 محمد فراقة، فقال :»إن عدد المسجلين هو 3857 صوت 480 شخص عند حدود الساعة الثانية زوالا، مؤكدا حرص المشرفين على تأطير العملية الانتخابية بالتطبيق الصارم للبروتوكول الصحي من خلال تزويد الناخبين بقناع واقي وكذا تعقيم اليدين، ومنع دخول أكثر من شخص لمكتب التصويت.
في هذا الصدد، قال علي ديب رئيس مكتب 12 بنفس المركز إن العملية الانتخابية وإلى غاية ما بعد الزوال سادها الهدوء وجرت في ظروف عادية، منوها في نفس الوقت بالوعي الذي أبداه المواطنون في احترام البروتوكول الصحي.
فيما أبدت رئيسة مركز التصويت طالب عبد الرحمن 1(نساء) حليمة لعمري استحسانها تزويد مراكز التصويت بكل ما تحتاجه من إمكانيات لتطبيق البروتوكول الصحي، كالأقنعة الواقية، المطهر الكحولي، المناديل المبللة والصابون السائل، ما جعل تطبيق إجراءات الوقاية سهلة وممكنة خاصة وأن عدد المسجلات بالمركز هو 3902 صوت منهن 198 عند الثانية زوالا، مرجعة في ذات السياق سبب قلة الإقبال إلى التزام المرأة بالواجبات الأسرية حيث تقوم بكل الأعباء المنزلية صباحا حتى تتوجه مساء إلى مراكز التصويت.