أثار الإعلان عن ظهور حالات إصابة بالملاريا بولاية ورقلة تساؤلات في أوساط المواطنين حول واقع الوضعية الوبائية التي تعرفها الولاية، وبحسب المديرية الولائية للصحة والسكان فإن الحالات المسجلة تقدر بـ5 حالات كلها مستوردة من خارج الولاية، منها حالتان قاطنتان بورقلة قادمتان من إحدى دول الساحل الإفريقي، أما الحالات الثلاث الأخرى فهي حالات قادمة من ولايات مجاورة.
يفرض هذا المستجد بحسب بعض المواطنين ضرورة تدخل الجهات المسؤولة على مكافحة مثل هذه الأمراض بالتنسيق مع المصالح المختصة من أجل تكثيف حملات الرش بالمبيدات الكيميائية داخل الأحياء السكنية وفي المستنقعات والتدخل بفعالية من أجل تفادي أي ظهور للبعوض وذلك عبر معالجة ظاهرة صعود المياه وتسريبات قنوات الصرف الصحي، داعين الجهات المعنية إلى ضرورة التجند للقضاء على هذا المشكل الذي يعرف انتشارا كبيرا، خاصة خلال فصل الشتاء.
وفي سياق متصل، أكدت مصالح الصّحة أن الوضعية مستقرة لحد الساعة، كما أن الحالات المؤكدة تماثلت للشفاء .
كشفت نتائج التحقيق الوبائي عن عدم العثور على حالات أخرى في محيط المصابين ومع ذلك لابد من الإبقاء على عامل اليقظة من خلال تجنيد المصالح المختصة لرش المبيدات عبر الرش الخارجي والرش الداخلي، وذلك عبر المساكن، وهو أمر يتطلب تعاونا من طرف السكان.
وأشارت المصادر إلى أن حملة الرّش بالمبيدات في المستنقعات والتي تشرف عليها مصالح البلديات تتم عبر مرحلتين وبصفة دورية، خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، كما تنطلق في مرحلة ثانية خلال شهري أفريل وماي والعملية قد انطلقت مؤخرا عبر مختلف بلديات الولاية.
من جهة أخرى، تبقى الإجراءات الوقائية ضرورية لتفادي تسجيل أي حالات محلية ويستوجب ذلك تجند مكاتب حفظ الصحة عبر البلديات للقيام بعملية المكافحة الكيميائية من جهة، هذا وتشكل المكافحة البيولوجية إحدى الوسائل الوقائية الضرورية التي تتطلب عناية واهتماما من طرف القطاعات ذات الصلة، هذا وقد أكد بعض المختصين في الطب الوقائي أن الجزائر قد حققت نتائج جد مشجعة في مكافحة الملاريا، خلال السنوات الأخيرة وهذا ما يتطلب اليقظة لتفادي أي سيناريوهات قد تعصف بالمجهودات السابقة، كما حذّروا من جانب آخر من تراخي بعض الجهات نظرا لتركيز الجهود على جائحة كورونا.
الدكتورة فتيحة حشاني: مكاتب حفظ الصّحة مطالبة بالقيام بدورها
ولتقديم توضيحات أكثر حول طبيعة هذا المرض كان لـ»الشعب» لقاء خاصا مع الدكتورة فتيحة حشاني، المنسقة الولائية لبرنامج مكافحة الملاريا، بورقلة، التي قدمت شروحات أكثر حول هذا الموضوع، حيث ذكرت المتحدثة بالنسبة للحالات المرصودة بولاية ورقلة أن جميع الحالات قد أتمت فترة الاستشفاء، كما أن الفحوصات الأوّلية بعد تلقيهم العلاج مدة ثلاثة أيام قد كشفت سلبية النتائج.
وذكرت في سياق متصل أنه وعلى الرغم من أن نوعية هذا المرض الطفيلي المسجل بورقلة يعد الأكثر خطورة، إلا أن الحالات المستوردة لا تستدعي القلق والمهم أن يتم التشخيص المبكر والتكفل الأمثل بالمرضى ومع ذلك فإن ازدياد الحالات المستوردة بعد اضمحلال المرض محليا يبقي ضرورة الحذر في ظل خطر وجود أجانب لديهم المرض الطفيلي وخطر تواجد الناقل.
وأوضحت أن الملاريا أو حمى المستنقعات هو عبارة عن مرض سببه طفيلي يهاجم الكريات الدموية الحمراء، لذلك فإن التأخر في التشخيص قد يؤدي إلى فقر دم حاد ينجم عنه ظهور مضاعفات وفي بعض الحالات يمكن أن يؤدي للوفاة، وهنا تكمن خطورته، حيث ينتقل هذا المرض إلى الإنسان عبر بعوضة تدعى «ناقل»، إلا أن احتمالية العدوى فيه أقل خطورة مقارنة بفيروس كوفيد 19، لكن في خطورة مضاعفاته يعد أشد خطورة من أي مرض آخر.
وفي توضيحها لكيفية الإصابة أشارت إلى أن ذلك قد يكون نتيجة انتقال شخص يعيش في المناطق الاستوائية أو دخول أجانب من أجل هدف معين إلى الجزائر التي لديها حدود مع دولتين تفوق نسبة انتشار هذا المرض فيهما كبيرة أو جراء سفر مواطنين في إطار التجارة ومن هنا ترتفع احتمالية وجود أشخاص مصابين بالملاريا.
وأضافت أن هذا النوع من البعوض عند أخذه لسحبة دموية يقوم بإرسال طفيلي إلى جسم الشخص الأول ثم يقوم بنقله مرة أخرى إلى شخص آخر ويتوجه هذا الطفيلي إلى الكبد، أين يبدأ بالتكاثر وفي هذه الفترة لا تظهر أعراض عند الشخص المصاب لذلك لا يمكن اكتشاف الحالة، إلا إذا صرّح الشخص أنه عاد من دولة أجنبية مجاورة، هنا يتم الفحص ويمكن اكتشاف الإصابة «اكتشاف مبكر» قبل ظهور الأعراض ويمكنه تناول الدواء وتدوم هذه الفترة في المتوسط 7 أيام، أما إذا لم يتم اكتشاف المرض في مرحلته الأولى يتوّجه الطفيلي للكريات الدموية الحمراء من أجل إتمام دورة حياته لتبدأ بعد ذلك مرحلة ظهور الأعراض، وكلما حدث انفجار للكريات الدموية الحمراء في جسم الإنسان يكون هناك ارتفاع في درجة الحرارة، اصفرار، نزيف من الأنف أو مصاحب للإفرازات البولية، بالإضافة إلى ظهور بقع على الجلد.
وهنا أوضحت الطبيبة حشاني أنه عند بداية ظهور الأعراض سواء يبدأ المريض بتناول الأدوية المسكنة للآلام الموجودة في المنزل وقد يستبعد الإصابة بالملاريا، إلا أنه إذا ثبت تنقل الشخص إلى منطقة استوائية هنا يطلب الطبيب فحص الملاريا وبعد التشخيص يتم التكفل بالمريض علاجيا لفترة معينة، وخلال مدة الاستشفاء يتم إجراء أكثر من فحص من أجل التأكد من سلامة المصاب وشفائه التام والكلي من هذا المرض.
وفيما يخص المضاعفات فإنه عند التأخر في العلاج والتشخيص لحالة هذا المريض قد يعاني من مضاعفات كحالات غيبوبة، نزيف حاد، هبوط في ضغط الدم قد يدخله الإنعاش وإذا لم يتم إجراء التشخيص قد يتوفى المريض وهنا تظهر خطورة الملاريا.
العلاج مجاني لكل المواطنين
بالنسبة للعلاج أكدت الدكتورة فتيحة حشاني أن الدولة الجزائرية وفرّت العلاج مجانا لكل المواطنين.. فبالنسبة للمسافرين عند خروجهم من البلد يقدم لهم الدواء الوقائي مجانا، وبحسب المنطقة المتوّجه لها يتم تحديد الدواء وطريقة استعماله، كما تقدم نصائح للمسافرين كتفادي الخروج ليلا، لأن المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية معروفة بوسطها الملائم لتكاثر هذا الناقل، بالإضافة إلى اعتماد لباس بأكمام طويلة وفاتح اللون لسهولة ظهور البعوض والالتزام برش المبيد الحشري، واستخدام واقيات من البعوض، إضافة إلى تحديد درجة حرارة المكيف 17 درجة للتقليل من خطر اللسعة واستخدام مراهم وتجهيز حقيبة مصغرة للإسعافات، كما تقدّم نصائح بالتوجه مباشرة إلى أقرب مركز للعلاج، خلال ظهور أي علامات إصابة بالحمى أثناء تواجد المواطنين في هذه المناطق.
وفي إطار الوقاية ومكافحة النواقل لتفادي تسجيل أية حالات محلية فإن الدور المنوط بمكاتب حفظ الصحة على مستوى البلديات هو العمل على تكثيف حملات مكافحة النواقل بجميع أنواعها عبر مرحلتين أفريل ماي، سبتمبر أكتوبر، مشيرة إلى أن من بين توصيات الاجتماع عن طريق تقنية التحاضر المرئي مع مسؤولي وزارة الصّحة هو تجند مكاتب حفظ الصّحة على مستوى البلديات، خلال هذه المرحلة، مؤكدة أن على مكاتب حفظ الصّحة القيام بدورهم اللازم تجاه المواطنين وولايتهم حتى لا يكون هناك أخطار أخرى لانتشار أوبئة أخرى ومن أجل إنجاح المكافحة الحشرية الكيميائية والبيولوحية عن طريق الرش بالمبيدات الحشرية الخاصة الموصى عليها واستزراع أسماك القامبوزيا للحفاظ على البيئة وردم المستنقعات والمناطق التي تعرف صعود المياه التي تعد خصوصية في منطقة ورقلة، وكذلك ضرورة الوقاية بالنسبة للمسافرين والأخذ بالأدوية اللازمة والنصائح، إضافة إلى اللقاحات الخاصة بالأمراض المعروفة على غرار الحمى الصفراء، التهاب السحايا، التهاب الكبد، الانفلونزا الموسمية من أجل عبورهم للحدود وهو إجباري يكون في حوزة المسافرين.
من جهة أخرى، فإن المواطن مُطالب اليوم بالتحلي بالروح الإيجابية وبالتدخل دون انتظار السلطات فيما هو مقدور عليه مثل ردم التجمعات المائية الصغيرة على مستوى الحي السكني، إصلاح أعطاب شبكة توزيع المياه أو التبليغ عنها مع ضرورة الالتزام بوسائل الوقاية الشخصية كاستعمال الواقيات من «الناموس»، استخدام المبيدات الحشرية، غلق النوافذ قبل الغروب (بداية تحرك ونشاط البعوض والوعي بضرورة التعاون من أجل مكافحة مختلف الأمراض، ناهيك عن أهمية الالتزام بتنظيف المحيط والحفاظ على البيئة لتفادي أخطار أخرى ولمنع كل المظاهر التي من شأنها المساهمة في ظهور الأوبئة والأمراض ووجوب التفهم خلال القيام بعملية الرش حول المنازل وبداخلها على مستوى الأحياء الحضرية التي يتكاثر فيها الناموس.
تجدر الإشارة إلى أن مركز التلقيح الدولي والنصائح للمسافرين، وهو مركز جهوي يخصّ كل المسافرين على مستوى الجنوب الشرقي يقدم، بحسب ما ذكرت رئيسة هذه المصلحة الدكتورة فتيحة حشاني استشارات طبية وشهادة طبية بعدم وجود عدوى، بالإضافة إلى نصائح وإرشادات طبية، كما يشارك المركز أيضا من خلال حملات إعلامية توعوية في التحسيس بمختلف الأمراض المتنقلة وللتعريف بخطورتها والإجراءات الممكن اتخاذها لتفادي الإصابة بما فيها الملاريا.
هذا ويستقبل بشكل يومي مواطنين لتقديم خدمات في هذا الإطار وقد سجل خلال سنة 2019 استقبال 619 مسافر في إطار الحج والعمرة و52 شخصا مسافرا خارج إطار الحج والعمرة.
استزراع «القامبوزيا» يستدعي تنسيق الجهود
بحسب بعض المختصين الذين تحدثت إليهم «الشعب» فإن المكافحة البيولوجية تعد أحد العوامل الفعالة في المساعدة على مكافحة الملاريا ومختلف الأمراض المتنقلة عن طريق البعوض، حيث بالعودة للمعلومات المتوفرة فإن سمك القامبوزيا المعروفة أيضا بسمك البعوض والتي تتغذى على يرقات الحشرات المائية ويرقات البعوض، الأمر الذي مكّنها من أن تصبح أكثر الأسماك انتشارا في العالم وقد أدخلت في كثير من البلدان كوسيلة محاربة حيوية للبعوض يتم استزراعها في المسطحات المائية من أجل مكافحة الأوبئة من جهة والمحافظة على التوازن البيئي في هذه المناطق المعروفة بصعود المياه.
وبحسب ما ذكر بعضهم فإنه وعلى الرغم من اعتماد أسلوب المكافحة البيولوجية باستزراع سمك القامبوزيا في عدة مناسبات بورقلة، إلا أنه يبقى في حاجة إلى جهود متواصلة بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية على غرار مديرية البيئة والصحة والصيد البحري وكذا مكاتب حفظ الصحة عبر كل بلديات الولاية وبمشاركة مختصين في علم الحشرات للبحث عن أي وجود محتمل ليرقات بعوض الأنوفا على مستوى كل التجمعات المائية الموجودة في مختلف المناطق بالولاية.