تعمل السّلطات المحلية والمصالح المعنية على قدم وساق لإزالة آثار كارثية خلّفتها أمطار طوفانية أخيرة على البنى التحتية من طرق، سكة حديد وترامواي، التي تشكّل شريان الحياة الاقتصادية. يحدث هذا تزامنا وتحقيق طلب الرئيس عبد المجيد تبون إجراءه حول ما جرى، أسبابه ومسبّباته.
تحوّلت شوارع العاصمة إلى ورشة أشغال مفتوحة يتسابق فيها المعنيّون بإزالة ما حملته مياه الأمطار من أوحال، أتربة وكل النّفايات التي ترمى بطريقة عشوائية هنا وهناك، فقد لاحظ الجميع أن ما خلّفته الأمطار الطوفانية من مخلّفات كشف عن كمّ هائل من الخشب والحديد والنفايات الصلبة التي ترمى بعد عمليات إصلاح البنايات والمساكن، ما يطرح سؤالا مهمّا عمّا تؤول إليه النفايات التي تخلّفها المشاريع التي يقوم بها المقاولون في مختلف الأحياء، فوجود الحديد، الحجارة والخشب التي يعد تواجدها خطرا حقيقيا لتسببها في انسداد شبكات ومسالك المياه يثير أكثر من نقطة استفهام.
كل ما عاشه سكان العاصمة وولايات أخرى، أعاد إلى الأذهان صور مأساة حي باب الوادي (فيضانات 2001)، لذلك كان العمل على تطبيق القانون الخاص برمي النفايات خطوة مهمة جدا، خاصة وأنه وضع من أجل وقاية صحة الإنسان الحفاظ على البيئة من خلال تنظيم عمليات جمع النفايات والتخلص منها بوضع نظام للمراقبة وزجر المخالفات المرتكبة في هذا المجال.
ونصّ القانون 01-19 المتعلّق بتسيير النّفايات الذي يعتبر أول إطار قانوني لتنظيم تسيير النفايات معاقبة كل المخالفين، إضافة إلى تحديده كيفيات تسيير النّفايات ومراقبتها ومعالجتها، ما يؤكّد أهمية الردع والصرامة في تطبيق القوانين، خاصة في غياب تربية وثقافة بيئية تسمح بتفادي الكارثة التي خلّفتها أمطار صيفية.
لا يمكن بما كان تفادي الواجهة الخلفية لما عاشه سكان العاصمة صبيحة الثلاثاء الماضي أين وجد المواطن نفسه حائرا بين الخروج والبقاء في المنزل منعا للأسوأ، بل وجد بعضهم أنفسهم داخل سياراتهم تتقاذفهم مياه شديدة القوّة لدرجة رفعها المركبات والتلاعب بها، وكأنّها مجرّد قشة بين تيارها الجارف.
وهناك من اضطروا لقضاء ساعات طويلة للوصول إلى وجهتهم سواء عمل أو موعد أو زيارة عائلية طارئة فحدّث ولا حرج، كل هؤلاء تحمّلوا تبعات لامسؤولية ولامبالاة ولاوعي البعض ممّن احتلّوا مناصب لا يستحقّونها، بل لا يملكون الكفاءة اللاّزمة لإدارة ملفاته وتسييرها.
لذلك تجرّأ المقاول على إنهاء عمليات أشغال صيانة شبكات الماء الشروب والصرف الصحي دون تزفيت الطريق، التي اقتلع زفتها وحفرها على عمق أمتار، تلك اللاّمبالاة جعلت الكل يتقاذف المسؤولية بين مقاول وسلطات محلية ومواطن، لكن الأكيد أن الأمطار وضعتهم جميعهم في قفص الاتّهام، وطالبت من خلال مظاهر الكسر والجرف والرمي بتحديد المسؤول الأول عن تلك الكارثة التي ضاق المواطنون بها ذرعا حتى أصبح المواطن يتملّكه الخوف بمجرد سقوط الزخّات الأولى للمطر.
لذلك وعند مرورنا على طول الطريق الرابط بين واد كنيس ومقام الشهيد حيث تم قطع حركة مرور السيارات بسبب أشغال باشرتها شركة «كوسيدار» المكلفة بإصلاح الأضرار التي لحقت بمجمع هام لمياه الصرف الصحي بواد كنيس ببلدية القبة بالتنسيق مع شركة المياه والتطهير «سيال»، طالب المواطنون بمعاقبة كل المتسبّبين في الكارثة التي شهدت كل تلك الأضرار المادية في البنى التحتية والمعنوية لتكون مكافحة الفساد ومعاقبة المتورطين فيه السياسة السائدة بعيدا عن اللاّ-عقاب.
وبناءً على ذلك وتنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية، قامت المديرية العامة للأمن الوطني بفتح تحقيق فوري حول أسباب ارتفاع منسوب المياه ومسالك المرور خاصة على مستوى الأنفاق جراء الأمطار التي تهاطلت على العاصمة مؤخرا، علما أنّها تسبّبت في عرقلة حركة المرور وشلّها لبعض الأماكن الأخرى خاصة على مستوى الأنفاق، وفق بيان للمديرية العامة للأمن الوطني عبر صفحتها الرسمية.
وحذّرت النقابة الوطنية للمهندسين المعتمدين في الهندسة المدنية والبناء في بيان تلقّت «الشعب» نسخة منه، من استمرار إقصاء أهل الاختصاص في الدراسات والتنفيذ، مشدّدة في نفس السياق على السلطات العمومية بتطبيق القانون فيما يخص حماية البيئة وفرض العقوبات الصارمة، حسب ما ينص عليه القانون 01-19 المتعلق بتسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها.
وحذّرت في نفس السياق من ترك المجال لفوضى البناء في حدود الوديان والمجاري دون احترام قواعد التعمير والحماية، مشيرة إلى غياب دراسات جادّة لحماية المدن من الفيضانات، كاشفة عدم دقة الدراسات المنفّذة في التهيئة، ويظهر ذلك في عشوائية تموضع البالوعات، أقطار قنوات الصرف غير الكافية والمدروسة، وكذا غياب أنظمة التنقية والتصفية لمياه الصرف والخلط في غالب الأحيان بين صرف المياه القذرة ومياه الأمطار. ف . كلواز