«الشعب» تستطلع انعكاسات كوفيد-19 على السياحة

30 ألـف منصـــب شغـل مهـدد بالتـوقف

سهام بوعموشة

 صــــراع الوكـــالات مع النقابــــة فاقم مــن الأزمــة

 ٣ آلاف وكالة مقابل أقل من 4 آلاف سائح في السنــــة

 تـأخير دفع الضرائـب والرسوم ليـس الحل


لم يسلم قطاع السياحة في الجزائر من انعكاسات وباء جائحة كورونا، حيث تسبب خلال قرابة أربع أشهر في ركود وتراجع الإيرادات بنسبة 80٪، نتيجة إغلاق الفنادق والمركبات السياحية وكذا توقف الرحلات الجوية، ما عطل النشاط السياحي، وهو ما ناقشته «الشعب» مع عدة خبراء اقتصاد ومهنيي القطاع.

الوكالات السياحية نموذج من المؤسسات التي تضررت كثيرا من الأزمة الصحية التي ضربت العالم وليس الجزائر فقط، فهي لم تحقق أرباحا منذ سنة 2019 الذي تزامن مع الحراك، حيث انخفض نشاطها ليتوقف نهائيا مع انتشار كوفيد-19، وقد دعا ممثلو الوكالات للإسراع في التكفل بانشغالاتهم، وحسبهم فإن تأخير دفع الضرائب والرسوم واشتراكات الضمان الاجتماعي، ليس الحل بل يجب الإعفاء منها مثلما فعلت دول أوروبية، بحكم وجود أعباء كثيرة منها الكراء وفواتير الكهرباء والأنترنت وكذا رواتب العمال.

باري: 70٪ من الوكالات توقفت عن النشاط
الجمعية المحلية للسياحة والترفيه والتبادل والتطور ببشار التي يرأسها محمد باري، من بين الجمعيات السياحية التي تضررت بسبب هذه الجائحة، ولا يمكنها استئناف النشاط في شهري جويلية وأوت الذي يمثل فترة الحمامات الرملية التي يقبل عليها السياح من الشمال ومن الخارج، خاصة مرضى العظام والروماتزم للتداوي إلا بعد زوال هذه الأزمة الصحية، بحكم أن المطاعم والفنادق والمطارات متوقفة بسبب إغلاق الحدود.
وفي هذا الصدد دعا باري الدولة لإيجاد حلول واقعية لإنقاذ القطاع خاصة الوكالات والجمعيات السياحية، كونها تضررت كثيرا، وحسبه فإن 70 بالمائة من الوكالات توقفت عن النشاط و60 ألف عامل عاطل عن العمل، مشيرا إلى أن 3400 وكالة سياحية و500 جمعية متواجدة على المستوى الوطني، كما أن عدد الوكالات السياحية بمنطقة الساورة لا يتجاوز عشر وكالات .
باداش: نقابة «سناف1» تريد إقصاءنا
سالم باداش مسؤول وكالة سانفوني بغرمول وممثل عن اتحادية الوكالات السياحية، تضرر هو الآخر من الأزمة الصحية، ومنذ شهر مارس إلى غاية جوان أصبح نشاطه متوقفا وخسر من رقم الأعمال، وموازاة مع ذلك يتحمل الأعباء الكثيرة كغيره من أصحاب الوكالات من كراء المقرات بمبلغ أكثر من 100 ألف شهريا وفواتير الكهرباء والأنترنت وكذا تسديد رواتب العمال، إضافة إلى غياب برنامج الرحلات السياحية بسبب إغلاق الحدود والفنادق المغلقة.
وحول هذه النقطة أوضح باداش أن رقم أعماله يتراوح ما بين 400 إلى 500 ألف شهريا، قسط منه يسدد به ثمن الكراء واشتراكات ورواتب العمال، إضافة إلى المشاكل التنظيمية داخل القطاع. مشيرا إلى أن وزارة السياحة طلبت منهم إرسال قائمة الوكالات المتضررة لإعانتها بمنح 10 آلاف دج للعامل، واصفا هذه الإعانة بغير الكافية قائلا:» لا يوجد تكفل جيد حتى تأخير دفع الضرائب ليس حلا بالنسبة لنا تبقى ديون علينا دفعها بعد زوال الوباء».
زيادة على ذلك، قال مسؤول وكالة «سانفوني» هناك مشكل آخر مع الزبائن الذين حجزوا فنادق واقتطعوا تذاكر الطائرة للسفر نحو تونس أو فرنسا أو مصر، لكن حين ألغيت الرحلات وأغلقت الحدود تم تجميد الأموال المدفوعة لدى شركة الخطوط الجوية، ويمكن استغلالها بعد نهاية الأزمة الصحية، لكن الزبون لم يتفهم ذلك ويريد استرجاع أمواله، وهذا غير ممكن حسبه.
واستنادا لممثل عن اتحادية الوكالات السياحية فإنه، لو اتخذت الدولة قرارا بإلغاء الضرائب وأعباء الضمان الاجتماعي خلال فترة كورونا مثلما فعلت الدول الأوروبية فإنه سيخفف من وطأة خسائر الوكالات السياحية، مطالبا بالإسراع في إيجاد حل، وأنه في حالة لم يتم تسوية الوضعية في شهر جويلية فإن معظم الوكالات ستتوقف عن النشاط.
وأثار سالم باداش، المشكل الكبير الذي يتخبط فيه أصحاب الوكالات السياحية جراء تصرف النقابة الوطنية لوكالات السياحة والأسفار «سناف 1snav  «المنتهية عهدتها وجمد اعتمادها من طرف وزارة العمل، فبعدما كانوا يعانون من مشكل عالمي وهو كيفية الخروج من الأزمة ظهرت هذه النقابة مستغلة حسبه الوضع لاستهداف حقوقهم والحصول على امتيازات، مشيرا إلى أنه منذ عشر سنوات لم تقدم هذه النقابة تقريرا أدبيا أوماليا حول نشاطها، زيادة على أنها لم تعقد أي جمعية عامة طوال هذه الفترة وهذا مخالف للقانون، كما انسحبت منها بعض الوكالات السياحية وبقيت حوالي 300 وكالة منخرطة فقط.
وأضاف محدثنا أن هذه النقابة أصبحت تتحدث باسم الوكالات للدفاع عن مصالحها والاستحواذ على مقاعد لوجهات سياحية مثل مصر وتركيا وغيرهما من الدول لتعيد بيعها للزبائن والوكالات ما يسبب ندرة ورفع الأسعار، ويقومون بتغليط الشركاء الآخرين مثل شركة الخطوط الجزائرية كي يتعاملوا معهم، ويتم إقصاء وكالات أخرى صغيرة مستغلة السجل التجاري والختم وكذا جائحة كورونا.
في هذا الصدد كشف ممثل إتحادية الوكالات السياحية، أن حوالي 120 وكالة اجتمعت الأسبوع المنصرم بالمعهد الوطني للفندقة بعين البنيان بحضور محضر قضائي وعقدت جمعية عامة لدراسة المشاكل الموجودة، كما تم انتخاب مكتب وطني جديد وتعيين رئيسه، مؤكدا أن هؤلاء لم يقدموا أي إضافة لقطاع السياحة، ويضايقون أصحاب المهنة، قائلا: «كل دول العالم تضامنت خلال أزمة كورونا ونسيت مشاكلها لإنقاذ الإقتصاد وقطاع السياحة، ومناصب الشغل وعندنا يخلقون تفرقة بين وكالات السياحة وشركات الطيران».
وأضاف مسؤول وكالة «سانفوني» أنه تمت مراسلة وزارتي السياحة والعمل، لكن لم يجدوا أذانا صاغية وهم يفكرون في إنشاء نقابة جديدة تضم كل الوكالات المهنية، فقد أصبح - كما يضيف - كل من هب ودب ينشئ وكالة سياحية ولا علاقة له بأخلاقيات القطاع، هدفهم تجاري بحت، قائلا:» غابت الإحترافية في القطاع، خاصة بعد تغيير القوانين أصبح الاعتماد يمنح لأي شخص بعيدا عن التخصص».
وأشار باداش إلى أن الجزائر لديها أكثر من 3 ألاف وكالة سياحية وهي لا تستقبل سوى 4 ألاف سائح في السنة، على عكس تونس والمغرب التي لديها سياح كثر وبالمقابل الوكالات السياحية لا تتعدى 1200 وكالة سياحية.
منع الوكالات من دخول نظام «إياطا» يعمّق الوضع
نفس الأمر أكدته (خديجة. ت) صاحبة إحدى الوكالات السياحية بغرب العاصمة، قائلة إن النقابة الوطنية لوكالات السياحة والأسفار متواجدة منذ 2008 ومنذ ذلك الوقت وهي غائبة عن ممارسة مهامها المنوطة بها واستغلت جائحة كورونا لاحتكار المجال وتحقيق مصالحها الشخصية على حساب الوكالات السياحية المهنية التي تعمل بنزاهة، بحرمانهم من امتياز الدخول لنظام اتحاد النقل الجوي الدولي «إياطا Iyata»، للإطلاع على الرحلات ووجهتها لاستخراج التذاكر ثم تقاسم العمولة التي تقدر بـ5 بالمائة وهي قليلة جدا، وتجميد تعاملهم مع كل شركة طيران، وذلك بالضغط على الشركة الجزائرية للطيران لإلغاء التعامل مع الوكالات السياحية وتكون هي الوسيط بينهم.
وأضافت خديجة، أنه عوض أن يدرسوا الحلول الكفيلة لتخطي إنعكاسات فيروس كورونا على النشاط الذي تأثر بشكل كبير هذه السنة، بسبب إلغاء الرحلات وإغلاق الفنادق، أصبحوا يتخبطون في مشكل زاد الطينة بلّة، ليحرموا من الحصول على إمتياز «إياطا» والتعامل مع شركات الطيران.
بالمقابل، أبرزت محدثتنا حجم الخسائر التي تكبدوها، فمنذ سنة 2019 انخفض نشاطهم السياحي وألغيت العديد من الرحلات بسبب الحراك، الذي أثر عليهم لتأتي أزمة كوفيد-19 وتوقف نشاطهم لقرابة أربعة أشهر، بعدما دفعوا المال لشركات الطيران وتم حجز الفنادق، قائلة: «شركات الطيران لا يمكنها تعويض كل الوكالات،سلمت لنا وثيقة تثبت وجود أموالنا لديهم، ويمكن إستعمالها مستقبلا بعد زوال الوباء واستئناف الرحلات».
لكن المشكل - تقول خديجة - هو عدم تفهم الزبون لذلك فهو يطالب باسترجاع أمواله لأنه لم يسافر، وهناك من ألغى فكرة السفر، وهذا مستحيل لأن كل الأموال مجمدة لدى شركات الطيران، علاوة على أعباء الكراء وفواتير الكهرباء والأنترنت ورواتب العمال.

الخبير قندوزي: ضرورة إصلاحات عميقة
ويرى الخبير وأستاذ الإقتصاد بجامعة الجزائر إبراهيم قندوزي، ضرورة أن تقوم الدولة بإصلاحات عميقة لفائدة القطاع ومساعدته في مجال المالية، والطاقة وكذا التنظيم، وذلك بمراجعة الإصلاحات فيما يتعلق بسوق السياحة، لأنه ضعيف، مضيفا أنه فيما يخص الفنادق يجب القيام بتصنيف النجوم، فهناك فنادق لها تصنيف 4 و5 نجوم ولديهم زبائن خاصّون، وهناك فنادق لديها زبائن موسميون، قائلا: «القيام بهذه العملية يتطلب تجنيد مهنيي القطاع، وهذا يتطلب وقتا ليكون في مستوى النشاط».
وحسب الخبير فإن المساعدة في المجال المالي غير كافية، بل يجب القيام بدراسة معمقة عن قطاع السياحة لإيجاد الحلول التي تمكنه من الخروج من الأزمة التي يعانيها خاصة في ظل كوفيد-19، موضحا أن الإطعام سهل لكن الفندقة تتطلب ملء الغرف، دراسة نوعية الزبائن، فهناك مناطق مثلا في العاصمة لديها إمكانيات وباقي الولايات كوهران وعنابة ما يزال مشكل الزبائن مطروحا.
وفي هذا الصدد، أكد قندوزي أن الجزائر لديها إمكانيات كبيرة في شرق وغرب الوطن والجنوب وخاصة في العاصمة لكنها غير مستغلة كما ينبغي استثمارا وترويجا، كما أن الدولة منحت مزايا جبائية ولكن لم نطور قطاع السياحة لإرجاعه إلى المستوى الصحيح، قائلا «يجب على مهنيي السياحة إعتماد خطة سليمة وذات فعالية، كي يتمكنوا من أخذ الإمكانيات والقرارات اللازمة للنهوض بالقطاع»، مشيرا إلى أن الدولة لوحدها لا يمكنها النهوض بذلك، وهذا يتطلب تجنيد كل المهنيين والمؤسسات الإقتصادية والبنوك، وكل الشركاء والتنسيق فيما بينهم لإعطاء السياحة مكانتها اللائقة.
وفي رده على سؤال حول الوكالات السياحية التي تضررت كثيرا من الأزمة الصحية، أوضح الخبير الإقتصادي أن هذه الوكالات لها مشكل عدم تنظيم سوق السياحة فكل وكالة لها قطاع خاص، لاسيما في هذه الفترة، داعيا إلى تنظيم السوق الأمر الذي يتطلب وقتا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024