الأوبئة ساهمت في إعادة التخطيط العمراني للمدن عبر التاريخ
دعت حسينة حماش، مهندسة خبيرة في البناء والعمران، إلى إدماج مفهوم الوقاية من الأمراض في العمران، مفيدة في حديث لـ «الشعب» أن الأمراض المعدية هي التي شكلت المدن في العالم اليوم.
قالت حماش إن الأوبئة ساهمت في إعادة التخطيط العمراني للمدن عبر التاريخ. وابرزت ان بنايات المدن التي نعيش فيها اليوم، نتيجة لسلسلة الأمراض المعدية والأوبئة التي شهدتها العصور السابقة، الطاعون، الكوليرا وغيرها...
أوضحت أن الأوبئة كانت مغيرا أساسيا لأسلوب وتصور البناء، مثل انجلترا حيث عرفت وباء سنة 1850 المتنقل عن طريق المياه (الكوليرا)، وقد حصد 10 آلاف شخص، جعل أحد المهندسين يفكر في كيفية فصل المياه القذرة عن الصالحة للشرب، فخطط تصورا هندسيا يبعد المياه القذرة عن امتدادات المياه الصالحة للشرب.
وأضافت حماش، أن سياسة التعمير العالمي تعمل على اعتماد العمران الصحي، الذي يكون بالرجوع الى فكرة الوقاية التي «تخلينا عنها» وهذا ما فتح المجال واسعا لظهور الأوبئة وانتشارها، كما هو الحال بالنسبة لوباء كورونا، الذي أصبح التباعد الاجتماعي اسلوب وقاية أساسي لتفادي انتشار عدواه بين الأشخاص.
وفي هذا الإطار، لفتت حماش إلى انه منذ ظهور كورونا فيروس في الجزائر وتأكد المواطنين من خطورة الإصابة بالعدوى، العديد من الجزائريين القاطنين بالمدن الكبرى توجهوا الى المناطق الجبلية التي كانوا لا يذهبون اليها إلا في العطل، كما فضل البعض التنقل الى المناطق الريفية حيث المساحات الشاسعة وقلة السكان والاحتكاك.
التفكير في نموذج عمراني جديد
هذا التحول في تفكير الأشخاص الذي نتج عن الوباء الذي فرض تغيرا في سلوك الفرد وطريقة عيشه، يجعل التفكير في نموذج عمراني جديد. وبحسب حماش، يشجع على الخروج من المدن المكتظة الى المناطق البعيدة كالهضاب العليا، لأن المناطق الموجودة جغرافيا بين الشمال والجنوب، لا يوجد فيها كثافة سكانية عالية.
وترى ان فكرة التوجه العمراني نحو المناطق المذكورة ممكن، لانه يمكن من التباعد الاجتماعي لتفادي الأوبئة، خاصة وان تكنولوجيات الإعلام والاتصال «الأنترنت» تسمح بالعمل والدراسة عن بعد وقضاء كل الحاجيات، شريطة أن توفر وسائل النقل لإيصال الطلبات، وتعتقد أن العالم سيتطور ويتخذ اتجاها آخر، حيث سيتجه الى تقليص المواصلات لتفادي انتشار العدوى من الأوبئة.
وتعتقد المتحدثة، أن وباء كورونا يمثل نقطة انطلاق لمعالجة مشاكل التعمير في الجزائر، بعد ان كشف آفات اجتماعية خطيرة كالعنف الذي تولد من حالة الحجر، فالكثير من العائلات في الاحياء الشعبية يعاني سكانها من الحجر بسبب ضيق المسكن وعدم وجود مساحات للتباعد الاجتماعي.
وترى حماش ضرورة أخذ المشاكل الاجتماعية بمعيارها الحقيقي، من خلال انجاز دراسات معمقة قبل التخطيط الهندسي، فالعالم يتحدث اليوم عن العمران العالمي لتفادي انتشار الأوبئة، وتربط ذلك بالرجوع الى الوقاية وليس بحث الحلول للشفاء من الداء أو الوباء.
كما اقترحت المهندسة وضع البنية التحتية الرقمية، التي تجعل التحكم في المعلومات حول أماكن تواجد الوباء في المدن والمناطق، لتفادي قدوم الأشخاص الموجودين خارجها من القدوم إليها وبالتالي تفادي العدوى.
القصبة موروث عمراني عريق
في سياق آخر، تحدثت حماش عن حالة مباني أحياء من العاصمة القديمة وذلك على خلفية سقوط طوابق من عمارة بحي حسين داي أدى، حيث اعتبرت انهيار المباني مسؤولية مشتركة، فالصيانة تقع على عاتق السكان، وأشارت أنها أجرت خبرة على بعض المساكن في أحياء قديمة، وأكدت أن هيكلها ما يزال متينا ولا تحتاج سوى لترميم الذي يكلف أقل بكثير من بناء عمارة جديدة، كما وقفت على بعض الأعمال غير المسؤولة لأشخاص ساهموا في هشاشة المبنى حتى يتم ترحيلهم، على حد قولها.
وبالنسبة لحي القصبة العتيق، ترى ضرورة ترحيل سكانه وترميم مبانيه التي تحتفظ بالهوية الجزائرية وتاريخها العريق وجعله حيا سياحيا، لأنه يمثل تراثا عمرانيا فريدا، مشيرة الى ان نمط بنائه جزائري خالص وليس عثمانيا، كما يعتقد البعض.