قلّب فيروس كورونا القاتل وانتشاره الموازين ونشر الخوف بين العائلات البليدية، على غرار كافة العائلات الجزائرية عبر ربوع الوطن، وبات المرض الوبائي الفيروسي يترصد كل واحد منا، ويقف عند الأبواب ويطل علينا من النوافذ. وفي غمرة الإصابات التي بينت الأرقام، أن منحناها تصاعدي، كانت على الضفة الثانية عينات وحالات، تماثلت للشفاء، بعد أن نال منها الوباء و»اصطادها».
زرعت الحالات التي تماثلت للشفاء قوة وإرادة وعزيمة لدى الأطباء الذين باتوا يوصفون بـ «الجنود الجيش الأبيض»، الذين يقفون في الجبهة الأولى في مواجهة فيروس كورونا، سهروا ولا يزالون يسهرون على المرضى، ولم يتوقفوا أو يفشلوا، بل ضحوا بعائلاتهم وابتعدوا عنها، من أجل أن ينقذوا مريضا وينتشلوه من مخالب المرض القاتل.
«الشعب»، عادت ببعض قصص مرضى ضحايا كوفيد-19، وكيف تماثلوا للشفاء ونجوا من موت محقق.
الزوج الحزين... والشفاء السحري
الحكاية في مطلعها هي لزوج أصيب بالوباء وزوجته الخمسينية، وشاء القدر والظروف أن باعدت «كورونا» بينهما، وفرضت على الزوج حجرا منزليا صارما، وأجبرت الزوجة أن تبقى تحت العناية الطبية وأنظار الأطباء بالمستشفى.
إلياس، الزوج، يروي صعوبة الأمر في البداية والخوف الذي اعتراه، وعدم تقبله حقيقة المرض في البداية، وكاد أن يكذب نتائج الفحص المخبري وكلام الأطباء، بل وحقيقة «الوباء». لكنه استسلم للواقع، بعد أن أقنعه الأطباء والتحاليل، وبدأ يلتزم بالحجر المنزلي الشديد، لا يخرج ولا يلتقي بأيّ فرد من أسرته وأغلق على نفسه في غرفة نومه وابتعد عن الجميع، وظل 14 يوما مختفيا.
أما زوجته فكان رأي الأطباء، أن تظل بالمستشفى تحت أنظارهم، لأن ظروفها الصحية معقدة نوعا ما، ثم أنها ستكون ضمن المرضى، الذين سيخضعون للعلاج وفق بروتوكول «كلوروكلين» وكان لها ذلك.
يقول الياس نيابة عنها، إنها بعد 6 أيام تحسنت وتجاوبت مع العلاج وتجاوزت أزمتها وتعقيدات التنفس، إلى أن ظهرت النتائج النهائية، وأخبرها الفريق الطبي المشرف، أنها ستغادر المستشفى هي وأخريات، وتعود إلى عائلتها وأطفالها. بدوره تعافى إلياس واجتمع شمل أسرته، وقطع يمينا أن لا يكرر خرق الحجر المنزلي بعد أن آمن بحقيقة الوباء والخطر.
سبعينية قاهرة «كورونا»
هي في عقدها السابع، ومع ذلك لم تظهر عليها علامات الزمن والتعب، تعترف في قوة شخصية، أنها كانت لا تتغيب عن فرح لجار أو قريب، وتشارك وتواسي من فقد عزيزا أو حبيبا، ولأنها لم تكن تعلم وتجهل أمور المرض الوبائي وكيف يتنقل ويعدي، حضرت حفل زفاف وشاركت فرحة عروس، هي جدتها، ولم تكن تعلم أن كائنا دقيقا، يتربص بها ويطاردها.
وانتهى الحفل وغادر الأهل والأقارب والجيران، وعادت هي إلى مسكنها. وبعد نحو 5 أيام، شعرت بأعراض الزكام، لم تنتظر طويلا وسارعت مستعجلة وعادت طبيبا اعتادت زيارته في كل مرض تشكو ألما، ولم تكن الأعراض في بدايتها مخيفة ومرعبة، طلب منها طبيبها الالتزام بالدواء، وإن لم تتحسن بعد يومين، عليها عيادته من جديد، وفعلا لم ينفع العلاج.
وظلت الخالة زهور تتألم وصحتها تتدهور، عادت إلى الطبيب ليتفاجأ بأن المرض هو فيروسي خطير، وعليها بحزم حقيبتها والذهاب إلى المستشفى دون انتظار أو تريث.
تضيف الخالة «زهور»، أنها دخلت المستشفى ولم ترتعب أو تشعر بالنهاية، بل على العكس، جمعت قواها وتحدّت الأعراض، وكانت تشجع وتواسي نزيلات مريضات. لكنها في واحدة من اللحظات كادت تفقد أعصابها وتنهار.
تقول في هذا التفصيل، إن كلاما جارحا وغير صادق، أشيع عنها من محيطها وجيرانها، من أنها ميتة لا محالة ولن تعود، بل ونشروا في بعض مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضي، خبرا يقول بوفاتها، وكانت كل تلك الأخبار تصلها. ورغم ذلك، لم تكترث لهذا الأمر زيادة، بل ما أثر فيها أن واحدا من أبنائها والذي كان شديد التعلق بها لولا الغربة والبعد، صدق تلك الإشاعات واقتنع، خاصة وأنه كان بعيدا عنها في ديار الغربة، وهي لم تستطع أن تتواصل معه، وتقنعه بأن الأمر مجرد كلام فقط.
وظلت على تلك الحال تعتصر وقررت عدم الاستسلام، وقاومت الأعراض بعزيمة، ولم يبخل الأطباء في الرعاية والتكفل، وشفيت وخرجت من المستشفى. وأول ما قامت به تواصلت مع ابنها، وشاهدها وهي تحكي معه مباشرة وأطمأنت وأطمأن، وهدّأت من روعه وانتصرت بإرادتها القوية ومحيطها الطبي على المرض الفيروسي، وأوضحت للجميع أن المسنين ليسوا لقمة سائغة للوباء، وأنه بالإيمان وبالإرادة والدعاء والصبر، وعناية الأطباء يمكن التغلب على أي عدو، سواء كان مرضا أو إشاعة وخبرا كاذبا.