ينظر الكثير من الشباب، حاملي المشاريع في القطاع الفلاحي، بعين الأمل إلى الوعود التي أطلقها المسؤولون بالقطاع وغيرها من منظمات وإدارات لها علاقة بدعم الاستثمار، للأخذ بيدهم ومساعدتهم على تحويل مشاريعهم من فكرة إلى مؤسسات إنتاجية قائمة، تساهم في دعم الاقتصاد المحلي والوطني، على حد سواء، خاصة وأن بعض تلك المشاريع وجدت أسواقا خارجية لتصدير المنتوج قبل أن تنطلق، ما يعني أنها تحمل بذور النجاح، وتحتاج فقط إلى دفع ومرافقة ووفاء المسؤولين بالوعود، لأن الإرادة متوّفرة لدى أصحابها لتجسيدها على أرض الواقع.
البعض منهم خريج معاهد وجامعات جزائرية، والبعض الآخر دون شهادات، يختلفون في المستويات التعليمية، ولكن يملكون نفس الإصرار، الطموح والأحلام، لولوج عالم الاستثمار الفلاحي، الذي طالما اتهموا بنكرانه وهجرانه والعزوف عن اقتحامه، ورغم بعد المسافات بالنسبة للبعض منهم، إلا أنهم تكبدوا عناء السفر لطرح أفكارهم وعرض مشاريع منتجة على المسؤولين المركزيين في أول فرصة منحت لهم، على أمل انتزاع موافقة بدعمها وتحويلها إلى مؤسسات منتجة توفر البديل لاقتصاد وطني أنهكته التبعية للمحروقات.
منتجات تعثر على أسواق خارجية قبل إنتاجها
قد تبدو تربية الحلزون للبعض مشروعا «مضحكا» ولا جدوى اقتصادية منه، لكن هو بالنسبة لابتسام بوشيبة طالبة بجامعة تلمسان تخصص علم الوراثة، مشروع مدر للثروة، وقد عملت على كسر حاجز الخوف من الاستهزاء بفكرتها ونقلتها للعاصمة على أمل إقناع المسؤولين بدعمها، فتربية الحلزون تعد بديلا للدواجن في الدول المتقدمة، ومادة أولية لمواد تجميلية تباع بأسعار خيالية في جميع دول العالم.
تقول ابتسام لـ «الشعب» إنها اقتنعت هي وصديقتها بالاستثمار في هذا المجال، بعد دراسة معمّقة للمشروع، فإلى جانب أنه يمكن أن يوجه جزء منه للاستهلاك اليومي، ستعمل على استهداف الأسواق الخارجية، خاصة إيطاليا المهتمة بهذا النوع من الاستثمارات لتصديره إليها، وقد عثرت على متعاملين اقتصاديين إيطاليين يرغبون في استيراد الحلزون الجزائري.
لن يتوقف طموح ابتسام عند عتبة الأسواق الدولية، بل ستعمل في الجزء الثاني من المشروع على استغلال المادة الهلامية التي يفرزها الحلزون، أو ما يصطلح على تسميته «السائل الذهبي» لصنع مواد تجميل جزائرية مائة بالمائة، ومعروف عن هذه المادة غناها بالكولاجين والفيتامينات والمعادن المفيدة للبشرة.
بحسب ابتسام، الاستثمار في تربية الحلزون ليس عملية معقدة ولا تتطلب تمويلا كبيرا، فقط يحتاج إلى أرض فلاحية واسعة، وهو ما تطمح في الحصول عليه رفقة صديقتها لتجسيد المشروع، وإنقاذ هذه الثروة الطبيعية المهدّدة بالانقراض بسبب الجمع العشوائي.
الزراعة خارج التربة.. رفع المردودية وحماية الأرض
زهيوة عبد الرحمان، مهندس تصميم وإنتاج زراعي من ولاية قالمة، يحمل هو الآخر مشروعا يوفر المادة الأولية للصناعة التحويلية، من خلال زراعة أعشاب طبية ومنتجات أخرى خارج التربة في البيوت المحمية. وأعد عبد الرحمان دراسة للمشروع، الذي قال إنه مازال مجرد فكرة، لكنه يطمح لتجسيده بعد حصوله على التمويل والعقار اللازمين.
استبشر خيرا بالتجاوب مع مشروعه حينما عرضه بالعاصمة، فهو فكرة جديدة،
والأهم أنه غير مضر بالأراضي ذات المردودية العالية، إذ يمكن تجسيده في أرض شبه فلاحية، كما أن هذا النوع من الزراعة لا يحتاج للقيام بالكثير من العمليات كالحراثة، والتعشيب مثل الزراعة العادية في التربة، وبالتالي يوفر الوقت والجهد على المستثمر، كما أنه يحافظ على البيئة بدرجة عالية، لأن هذا النوع من الزراعة لا يتطلب استخدام المبيدات الكيميائية، ويعطي مردودا وفيرا، وهو ما يبحث عنه الجميع لضمان تموين السوق المحلية بمنتجات لا تعرف الندرة.
يعمل عبد الرحمان من خلال هذا المشروع «الريادي «، مثلما قال لـ «الشعب» على كسر النظرة الخاطئة للشاب، بأنه لا يعمل في القطاع الفلاحي، لأن هذا المجال يرتبط بضمان الاكتفاء الذاتي وتحقيق الأمن الغذائي للبلاد، كما يوّفر المادة الأوّلية للصناعة التحويلية، ويستهدف الدول الفقيرة زراعيا، وهو ما سيعمل على تحقيقه بتجسيد هذا المشروع.
مؤسسة شابة لحماية مهنة تسلق النخيل
عبد اللطيف، فلاح من ولاية الوادي، يحلم هو الآخر بإنشاء مؤسسة خدماتية تعيد الاعتبار لمهنة تسلق النخيل، التي تكاد تندثر، بسبب رفض الشباب العمل بها بالنظر إلى مخاطرها، فهي قد تكلف حياة الإنسان إذا تعرض للسقوط في غياب وسائل الحماية. على هذا الأساس قام بإجراء تكوين على استعمال آلة خاصة «لارني» في معهد تقني بتقرت، وهي آلة تساعد المتسلق على صعود النخلة بأمان.
قال لـ «الشعب» أنه سيحاول من خلال مؤسسته التي سينشئها استقطاب الشباب لهذه المهنة بتكوينهم، وتقديم خدمات للمزارعين، مع العلم أن الجزائر تحصي 20 مليون نخلة، يقوم أصحابها باستعمال وسائل بدائية في العناية بها، وهو ما جعل هذه الثروة مهدّدة بالضياع، وتراجع في الإنتاج، خاصة وأن مهنة تسلق النخيل لا تكون في موسم الجني، بل في عدة مناسبات، لتقليم الأغصان، ومحاربة الطفيليات وإجراء عمليات التلقيح وغيرها من العمليات الضرورية لضمان استمرارية عطاء النخيل.
تكثيف الزراعة ... لتوفير منتجات غذائية بأسعار تنافسية
يحمل الشاب إبراهيم من ولاية بسكرة، مشروعا هو الآخر، لتطوير الإنتاج الفلاحي كما وكيفا، عن طريق اعتماد الزراعة المكثفة، وما يحتاجه قطعة أرض بمساحة 1000 هكتار على الأقل، لتجسيد حلمه والدخول في مسار الإنتاج.
حدّد نوعين من الأشجار المثمرة لانطلاق مشروعه، النخيل وشجر الزيتون، فالنخيل يحتاج إلى 10 سنوات حتى يبدأ في جني ثماره، عكس الزيتون الذي يمكن أن يعطي مردودا بعد عام من غراسته، وهو ما يسمح بحسبه برفع المردودية وتوفير منتوج يطرح في الأسواق بأسعار معقولة، عكس ما نراه اليوم، رغم توفر الجزائر على ثروة من النخيل، إلا أن سعر التمور تصل أحيانا إلى 700 دينار للكيلوغرام الواحد، وليست متوفرة طول السنة، في حين أثبت التجربة نجاح زراعة الزيتون بالمناطق الصحراوية، وزيته يعد من أجود الزيوت، وفائدة للصحة، كونه أقل حموضة من ذلك الذي ينتج في ولايات الشمال.
يسمح انخراط الشباب في مثل هذه المشاريع، يقول إبراهيم، بالمشاركة في ضمان الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد الوطني، حيث يمكن أن يستهدف الأسواق الدولية، بعد تلبية الطلب المحلي، ما يوفر موردا جديدا من العملة الصعبة للخزينة العمومية.