يتزايد القلق والخوف بين الجزائريين بمختلف شرائحهم وفئاتهم، مخافة تفشي فيروس «كورونا» الجديد ومواصلة زحفه عبر دول العالم، مع إعلان وزارة الصحة والسكان واصلاح المستشفيات رفع حالة الاستعداد والتأهب الاحترازي، تحسبا لأي طارئ، لاسيما في ظل ارتفاع حركة السفر والطلب على الحجوزات السياحية نحو الصين.
تبنّت الجزائر أقصى التدابير الوقائية لمنع دخول الفيروس والقضاء على مسبّباته، مع التركيز على المدن الاقتصادية والسياحية، وكذا المناطق التي تشغّل اليد العاملة الأجنبية، وهي عوامل تزيد فرص انتقال العدوى، بحسب تأكيدات، الدكتور بوخاري يوسف، رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الصحة بوهران، والتي نفّذت العديد من الإجراءات الاحترازية للتصّدي للوباء.
أعلن «بوخاري» عن إسداء تعليمات للمؤسسات العمومية للصحة الجوارية المتواجد بإقليمها قواعد الحياة ومواقع إيواء الصينيين، مع إصدار عدد من التوصيات الجديدة للمؤسسات الخاصة المتعاقدة مع المؤسسات وشركات المقاولات الأجنبية، أبرزها الإبلاغ المبكّر عن أي حالات للفيروس، سواء كانت مؤكدة أم مشتبها بها.
نوّه نفس المتحدث أنّ «إدارة الصّحة بالجزائر وسّعت من خطة التأمين الصحي التي كانت متمركزة في مطار هواري بومدين الدولي بالعاصمة، باعتباره يوفّر رحلات مباشرة ذهابا وإيابا من الصين إلى الجزائر، لتشمل مختلف المناطق الحساسة في إطار سلسلة من الإجراءات الوقائية لتأمين البلاد ومنع تسرب السلالة الجديدة من فيروس كورونا إليها، ومنها تنصيب كاميرات حرارية عبر الموانئ والمطارات الدولية.
في سياق متصل، كشف بوخاري عن اتخاذ العديد من التدابير الاحترازية في مطار أحمد بن بلة الدولي، بالتعاون مع مصالح القنصليات الجزائرية في الخارج، وكذا الخطوط الجوية المعتمدة بوهران، وتشمل الرحلات المباشرة وغير المباشرة، التي تنقل الركاب القادمين من الصين والمدن الآسيوية وغيرها من الدول التي أعلنت تسجيل إصابات على أراضيها بالفيروس.
عاد نفس المسؤول ليؤكد مواصلة تشديد الرقابة الصّحية ودعم وتعزيز الخطة الوقائية، على إثر تلقيهم لمعلومات تحذّر من مجموع المسافرين إلى الصين للاحتفال بعيد الربيع الصيني، ناهيك عن ارتفاع عدد الطلبة والتجار والمتعاملين الاقتصاديين، والعودة إلى أرض الوطن عن طريق اسطنبول عبر رحلات غير مباشرة، تبرمج يوميا بمطار أحمد بن بلة.
طمأن نفس المسؤول كافة المواطنين، بأنّ الجزائر، قد نجحت في مقاومة أخطر أنواع الفيروسات والأوبئة التي اجتاحت العالم في العشرين سنة الأخيرة، وعلى رأسها انفلونزا الخنازير وانفلونزا الطيور، وكذا فيروس كورونا الذي لم ينل حظه من الدراسات العلمية، يضيف مصدرنا.
دعا الدكتور «بوخاري» في الختام مختلف وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي ومختلف الجهات المعنية بتقصي الحقيقة والاهتمام بالدقة وعدم إثارة القلق والهلع في صفوف المواطنين، خاصة مع ارتفاع الوفيات في الصين، وانتشار الفيروس في عدد من دول العالم ولو بشكل محدود جدا، منوّها في هذا الصدد إلى ظاهرة تحويل عديد المرضى بالولاية من قبل الأطباء إلى مصالح الاستعجالات الطبية على أساس أنهم مصابون بالفيروس، وذلك على الرغم من أنهم لم يسافروا خارج الوطن.
30 ٪ من الزكام تسببه فيروسات«كورونا»
بدوره، اعتبر عبد الله أمين، أستاذ مساعد في الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي الحكيم بن زرجب، بوهران، أن « كورونا نوع من الفيروسات المنتشرة عبر الكرة الأرضية، والتّي يمكن أن تتسبب في طائفة من الأمراض، تتراوح بين نزلة البرد الشائعة والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة «سارس»، التي تصيب الحيوانات بشكل رئيسي، ويمكن أن يصيب الإنسان بالعدوى في بعض الأحيان.».
قال الدكتور عبد الله: «فيروسات كورونا، هي مجموعة من الفيروسات القديمة، المعروفة طبيا منذ الستينات، وتصيب مجموعة واسعة من الأنواع المختلفة من الكائنات الحية، بما في ذلك البشر والماشية والخنازير والدجاج والكلاب والقطط والخفافيش وفصائل أخرى من الحيوانات البرية التي تصاب بالزكام».
نوّه إلى أنّ «ما يقارب 30٪ من الزكام على المستوى الدولي، يسبّبه فيروس»كورونا»، إلا أنّ قوته ازدادت في السنوات الأخيرة، ليصبح «بالغ الخطورة»، مواصلا تطوره بنوع مستجد كان يفترض أن يصيب الحيوانات، لكنه انتقل إلى الإنسان، خصوصا في الصين، والتي شهدت نفس الظاهرة تقريبا في 2002-2003، تاريخ ظهور فيروس كورونا البشري المرتبط بالفيروس المعروف بالالتهاب الرئوي اللانمطي الحاد «سارس»، والذي خلّف أكثر من ثمانية آلاف مصاب، وتسبب في أكثر من ثمان مائة وفاة في عشرات البلدان، معظمها في آسيا».
كورونا الجديد أقل خطورة
أوضح أنّ «نفس الحالة تقريبا تعيشها الصين حاليا، التي تمكّنت بفضل إجراءاتها السريعة من إيقاف انتشار فيروس»سارس»، والذي لم تسجّل أي حالة منه منذ سنة 2004، ليظهر في سنة 2012 نوع مستجد من الفيروس بالمملكة العربية السعودية، والمعروف بمتلازمة الشرق الأوسط (MERS-CoV)، حيث انتقل هذا الفيروس الحيواني المنشأ الذي ينتمي لعائلة الكورونا، وأساسه الخفافيش إلى الجمال ثم إلى الإنسان».
حذّر المختص من أن الأغلبية تجهل أنّ هذا النوع الذي ينتمي لجنس فيروسات كورونا بيتا، مازال متواجدا في دول الخليج، وخاصة الجزيرة العربية، السعودية، متسببا في آلاف الإصابات و37 حالة وفاة، بحسب آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية، مبيّنا في الوقت نفسه أنّ «الفيروس الذي اصطلح على تسميته متلازمة الجهاز التنفسي الشرق أوسطي، ليس معدي كثيرا، إلا أنّ نسبة ضحاياه مرتفعة».
اعتبر «عبد الله»، أنّ «فيروس كورونا لديه قابلية التحوّل السريع إلى مرحلة أخرى، وكذا الانتقال من الحيوان للإنسان ومن الإنسان للإنسان، وهذا ما يحدث حاليا في مدينة «يوهان» الصينية التي من المرّجح أن يكون سوق للحيوانات الحيّة سبب لانتشار فيروس كورونا الجديد»، والذي وصفه نفس المصدر بأنّه «سريع الانتشار، إلا أنه ليس بنفس خطورة فيروس «سارس»، وكذا كورونا 2012، باعتبار أنّ نسبة الوفيات تحوم حول 2 إلى 4 ٪».
استنادا إلى نفس المصدر، فقد تم التعرف على الفيروس الجديد، خلال توافد حالات مصابة بالحمى والزكام الحاد وآلام في المفاصل على مختلف المؤسسات الصحية بـ «يوهان» الصينية، وبعد فحص المرضى، تبين في التسلسل الجيني له أنّه فيروس كورونا المرتبط بفصيلة الفيروسات التي تصيب الخفافيش التاجية وفيروس كورونا السارس، ولكن يختلف عنهم في تسلسل الأعراض».
وفيات لأشخاص في «وضعية هشة»
كما تابع موضحا بأنّ «أعراض الوباء الجديد تتشابه مع الزكام ونزلات البرد العادية، وليس بالجديد أن تتسبب فيروسات «كورونا» في حالات عادية من الزكام، فيما تكمن خطورة الفيروس الجديد في الضرر الذي يحدثه للجهاز التنفسي والرئتين، فيما سجّلت معظم حالات الوفاة بين الأشخاص في وضعية هشّة من كبار السن والمرضى المزمنين، وكذا أصحاب المناعة الضعيفة، وغيرها من العوامل المسببة للموت وحتى في حالة الإصابة بالأنفلونزا الحادّة».
أكد في سياق متّصل، أنّهم يتابعون عن كثب الوضع في الصين عن طريق تكثيف الاتصالات بالأطقم الطبية هناك، من أجل التقصي والتعقب، موضحا أنّ الدراسات الأوّلية، تقدّر الوقت بين الإصابة الفعلية وظهور الأعراض، المعروف بفترة حضانة الفيروس بين يوم و14 يوما كأقصى حد، وتتغيّر المدة الزمنية المنقضية بين ظهور الأعراض والموت من شخص لآخر، فيما حدّدتها الأبحاث التي تزال متواصلة إلى حد الآن بين 03 أيام إلى أسبوع، وفق تعبيره.
أوضح المختص، بأنّه استنادا إلى المعلومات المتحصل عليها، فقد نجحت الصين في اكتشاف كبسولات مضادة لفيروس كورونا الجديد (2019- إن.سي.أو.في)، وهو حاليا قيد التجربة، يضيف نفس المصدر قبل أن يذكّر بأنّ فيروس كورونا المستجد حديث النشأة، ولا بد من وقت لاكتشاف العلاج والتلقيح المضاد.
أشار الدكتور عبد الله أمين، أنّ الجهة الوحيدة المخولة بنقل المرضى حاملي الفيروس المشتبه بهم أو الذين تأكد تشخيص إصابتهم بالفيروس، بحسب التعليمات الوزارية هي «مصلحة الاستعجالات الطبية المتنقلة»، نظرا لاحتكامها على العتاد والطاقم الطبي المؤهل في الحالات الطارئة، مؤكدا في الوقت نفسه أنّهم يسهرون جاهدين على تنفيذ التعليمات الوزارية الواردة بشأن تحصين منطقتي العبور عبر المطار والميناء، بهدف الحفاظ على «صفر» إصابة بوهران، بنهاية شهر جانفي.
استنادا إلى الدكتور خوة محمد، طبيب رئيسي على مستوى مصلحة الاستعجالات الطبية المتنقلة «السامي»، التابعة للمستشفى الجامعي بوهران، فإنّ الاستجابة للحالات الطبية الطارئة بخصوص الوباء الجديد، تعتمد على نقطتين أساسيتين، تؤكدان خطورة الموقف، وعلى رأسهما: أن يكون المريض يعاني الحمى وقصر في التنفس، وأن يكون وافدا من بؤر تواجد الوباء في الصين أو الدول التي زحف إليها الفيروس، منوّها في هذا الصدد إلى المجهودات المبذولة من قبل الوصاية لتزويد مختلف وحدات العزل الصحي ومصالح الاستعجالات بالأدوية والألبسة الواقية والكمامات والقفازات وغيرها من الوسائل والمعدّات الطبية، مع تجنيد كافة الأعوان شبه الطبيين، تحسبا لأية مخاطر محتملة.
التكفل بحالة مشتبه فيها في أقل من ساعتين
في هذا الصدد، كشف الدكتور «خوة» عن حالة مشتبه بها، تم الإعلان عليها مؤخرا على مستوى «مطار أحمد بن بلة» الدولي لسيدة تبلغ 63 سنة، أدّت مناسك العمرة وعادت من مكة المكرمة عن طريق الخطوط الجوية «التركية»، وهي تعاني من الحمى والزكام وآلام في المفاصل، مؤكدا أنهم كانوا يستبعدون إصابتها بالفيروس الجديد لعدم تكامل الشروط المشار إليها سابقا، كونها نزلت بتركيا فقط من أجل تغيير الطائرة، إلا أن الصّحة أعلنت حالة الإنذار القصوى...».
أرجع ذلك إلى مساعي الجهات المعنية من أجل جس نبض جاهزية الولاية في حالة انتشار العدوى، حيث تم تسخير فريق من العيادة المتعددة الخدمات بالسانية قبل إجلاء المريضة إلى مصلحة الاستعجالات والتكفل الكلي بها في ظرف قياسي ساعة واحدة و28 دقيقة، فيما استغرقت التحاليل بمعهد باستور 24 ساعة، ليتم تشخيص المرض على أنه إنفلونزا عادية، بفعل الإضطرابات الجوية في الجزائر وارتفاع الحرارة بالأماكن المقدسة، يضيف نفس المصدر، داعيا في الختام إلى تجنب التهويل وتعزيز الوقاية كـ»أولوية مطلقة».
حملات توعية حول الأمراض المعدية
أعلنت المديرية الولائية للصّحة بوهران عن الانطلاق في تفعيل البرنامج التوعوي بين أطفال المدارس بخصوص الوقاية من مختلف الأمراض المعدية، بما فيها «كورونا»، فيما ستشمل الحملة، الأسبوع المقبل، المؤسسات المسجدية للتحسيس بأهمية الوقاية والمواظبة على غسل اليدين، واستخدام المعقّم الكحولي في حال عدم توفر الماء والصابون، وصولا إلى الاتصال بالطبيب في حال ثبوت إحدى علامات الإصابة بالفيروس الجديد، وأبرزها: الحمى والسعال والصداع الشديد وضيق وصعوبة في التنفس واحتقان في الأنف أو الحلق والإسهال، وقد يتطور الوضع إلى الأزمات التنفسية الحادة التي قد تؤدي إلى فشل تنفسي ثم الوفاة.