«الشعب» ترصد شهادات عن الرّاحل بعين ياقوت

قايــد صالح .. تاريـخ بطــل وذاكــرة أجيال

باتنة: حمزة لموشي

أصبح المنزل العتيق والعريق المبني بالطريقة التقليدية بالحجارة والطين بمدينة عين ياقوت، بولاية باتنة، الذي شهد مولد رجل عظيم كالفريق الراحل أحمد قايد صالح قبلة لكل الجزائريين والأحرار من كل ولايات الوطن، حيث أبى الآلاف منهم، إلا أن يكونوا حاضرين لتقديم واجب العزاء في رحيله لأقاربه خاصة الذين تعذّر عليهم السفر للعاصمة لحضور مراسم التشييع.
رغم بيوت العزاء الكثيرة المفتوحة بكل بلديات ولاية باتنة 61، إلا ان منطقة عين ياقوت بالتحديد شهدت إقبالا قياسيا للمعزّين، من مختلف الفئات العمرية من مجاهدين متقاعدي الجيش، شباب وحتى النساء وغيرهم كثير، حيث تجوّل الجميع في مختلف الأماكن والمحطات التي عاش بها الراحل، بداية بمنزله العائلي، بمشتة قامل ياقوت، على بعد 3 كلم من مقر البلدية، مرورا بالمدرسة القرآنية أحمد قايد سي عثمان التي بناها والتي تعد بحسب ما وقفت عليه «الشعب»، من ضمن أعرق المدارس القرآنية ، التي عملت على تحفيظ كتاب الله للنشء منذ الفترة الاستعمارية إلى غاية اليوم، حيث عمل الفريق احمد قايد صالح على تحديث و إعادة و تهيئة هذا الصرح الديني لتدريس أطفال المنطقة، كما ظل الفقيد مرتبطا بهذه المدرسة وظل مداوما على حضور حلقات الذكر والتلاوة كلما سمحت له الفرصة بذلك بحسب ما أكده كل من إلتقينا بهم من أولياء للتلاميذ الحفظة، وكذا القائمين على تسيير شؤون هذه المدرسة.
تم تدشين هذه المدرسة سنة 2012 من طرف الراحل الذي أسسها ورعاها وتحمل تسمية سيدي عثمان نسبة إلى جد الفقيد، حيث أكد في هذا الصدد ابن عم الفقيد عبد الحميد أحمد قايد الذي يشغل منصب رئيس البلدية، ان الراحل رجل عظيم عاش بالقرية التي ولد فيها مدة ست سنوات كاملة قبل ان يشد الرحال إلى عدة ولايات جزائرية أخرى لغاية استقراره بولاية عنابة.
أحمد قايد صالح ابن إبراهيم وقبايلي نوة بقامل ياقوت نسبة إلى أولاد سي علي تاحمامت من مواليد 13 جانفي 1940 انتقل للعيش رفقة عائلته إلى منطقة سمندو بقسنطينة حيث تلقى تعليمه الأول وحفظ القرآن الكريم ثم التحق بصفوف جيش التحرير الوطني مع  السنوات الأولى للثورة المجيدة في الشمال القسنطيني إلى غاية الاستقلال ثم الحدود الشرقية التونسية.
ليستقر بعد الاستقلال في مدينة عنابة رفقة أبيه، إخوته وأعمامه محمود ولخضر ليتدرج في المسؤوليات والرتب في صفوف الجيش الوطني الشعبي إلى غاية قيادته للأركان برتبة فريق، يشهد له الجميع بعين ياقوت بقوة كرمه وحبه للوطن.
يروي سكان عين ياقوت عن جد الراحل سي عثمان الذي تحمل المدرسة القرآنية اسمه، ولعه بحفظ القرآن الكريم وتحفيظه للتلاميذ، وحرصه على إقامة مجالس الخير وإصلاح ذات البين إلى غاية وفاته سنة 1987.
 يروي ابن عم الفقيد أنه التقى به خلال حفل زفاف لأحد أبنائه، سنة 2011، أين اقترح عليه إنشاء مدرسة قرآنية باسم جدّهم، حيث رحّب بالفكرة وثمّنها وبادر إلى تجسيدها ميدانيا، من خلال زيارته للمنطقة ليضع حجر الأساس لبنائها في نفس السنة، ليدشنها الراحل في 27 سبتمبر 2012 لتنطلق في تعليم القرآن وتحفيظه.
رغم تقلده لمسؤوليات كبيرة في قمة هرم الدولة، إلا أن تعلقه بمسقط رأسه جعله يزور المنطقة باستمرار وكلما سنحت له الفرصة، حيث كان يلتقي بالمواطنين وبدون برتوكولات ويتحادث معهم عن مشاكلهم وهمومهم وانشغالاتهم ويتدخل لحل الكثير منها رغم ثقل مسؤولياته، بحسب شهادات من عايشوه طفلا ورافقوه مجاهدا والتقوا به وحرصوا على تذكر تواضعه معهم كجنود وحرصه على الاطمئنان على أوضاعهم المعيشية.
كما روى بعض المتقاعدين من أفراد الجيش الوطني الشعبي الذين عملوا تحت إمرته كعسكريين وكمجندين لأداء الخدمة الوطنية، عن طيبة الرجل ووطنيته وحبه لكل المنخرطين في الجيش خاصة المجندين البسطاء متفقين جميعا على صرامته أثناء العمل وجديته ورزانته وحكمته وحنكته.
هكذا نقلنا شهادات عن مسيرة ابن الأوراس البار من أهله ورفاقه وجيرانه والعاملين معه وحتى الشباب القاطن بعين ياقوت التي كثف من زيارته لها خلال  10 سنوات الأخيرة التي كان يزورها بدون بروتوكولات، حيث يلتقي بالمواطنين من مختلف الفئات ويتحسّس همومهم.


«الشعب» تواكب الحدث الجلل وتنقل شهادات حيّة

خلال جولتنا ببعض مناطق ولاية باتنة، لرصد تعازي الساكنة في فقيد الجزائر، أفاد كل المواطنين الذين تحدثنا إليهم أن الراحل قايد صالح لعب دورا أساسيا بل وحاسما في الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها و كمجاهد ضد الإستعمار الفرنسي، في صفوف جيش التحرير، ورافق مطالب الشعب الجزائري خلال الحراك الشعبي السلمي، من خلال تغليبه للحل الدستوري في مواجهة الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد بالتعجيل في تنظيم انتخابات رئاسية في 12 ديسمبر الجاري.
أجمع المواطنون بمختلف بلديات عاصمة الأوراس، أن الفريق المجاهد البطل أحمد قايد صالح، قد تميز منذ صغره بأخلاق الكبار والعظماء، كما تحلى طيلة مسيرته المهنية بخصال التضحية والوفاء وحب الوطن، والذود عن حرمته، في مختلف المراحل الهامة في تاريخ الجزائر المعاصرة.
كانت «الشعب»، قد زارت بعض بيوت العزاء التي أقامها سكان معظم بلديات عاصمة الأوراس باتنة، للفقيد، وذلك على غرار باقي مناطق الوطن عرفانا بما قدمه للوطن منذ نعومة أظافره إلى غاية اليوم الذي وافته فيه المنية، بعد أن أدى الرسالة وصان الأمانة ورافق مؤسسات الدولة لغاية انتخاب رئيس شرعي، حيث شارك فقيد الوطن في كل من ثورة التحرير وحرب الرمال وتقلد الكثير من المناصب قبل أن يستقر كنائب لوزير الدفاع برتبة فريق في الجيش الوطني الشعبي.
يشهد له أهل المنطقة خاصة سكان عين ياقوت شمال غرب ولاية باتنة، بالصرامة وحب الوطن، ومن الأعمال التي ستبقى شاهدة لـ«عمي صالح» المدرسة القرآنية التي شيدها بمسقط رأسه صدقة على جده تغمدهم الله جميعا بواسع رحمته.
ومواكبة للحدث الجلل ونزولا عند رغبة المواطنين وأفراد الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير، فقد بادرت قيادة الناحية العسكرية الخامسة، بقسنطينة بفتح المركز الإعلامي الإقليمي للجيش، بوسط مدينة باتنة، لتمكين المواطنين من التعبير عن مشاعرهم، وتلقي التعازي وتدوينها في سجل، وهو ما عرف إقبالا كبيرا للمعزّين من عاصمة الأوراس.
كما تم اقامة بيوت العزاء بكل من عين التوتة، بريكة، الجزار، أريس، مروانة وكل البلديات لتكون كملتقى وفضاء روحاني للمواطنين لتقديم التعازي وذكر مناقب وخصال الراحل وقراءة القرآن وفاتحة الكتاب ترحما على روحه الطاهرة، حيث يسهر على التنظيم المحكم لها مجموعة من الشباب المتطوعين ومتقاعدي الجيش الوطني الشعبي.

حرص كبير على عصرنة الجيش

تميزت مسيرة فقيد الأمة، خلال تسييره للمؤسسة العسكرية بالجزائر، بالعديد من الإنجازات التاريخية الكبيرة التي ستبقى شاهدة على وطنيته وكفاءته وجديته وصرامته، حيث أكدت الدكتورة بقسم الحقوق، بجامعة باتنة01، الأستاذة فاتن صبري سيد الليثي، على الدور المحوري للرجل في تحديث وتطوير كل المنظومات القتالية والدفاعية، وكذا قدرات الجيش، خاصة ما تعلق بتكوين جيش احترافي، خلال الفترات التي تولى فيها تسيير قيادة الأركان، مؤكدة أنه ارتقى بالقوات المسلحة إلى مرتبة الاحترافية، خاصة في مواجهة فلول وبقايا التنظيمات الإرهابية المسلحة والحرص على التكوين النوعي والعلمي وتجهيز مختلف القوات بأحدث الأسلحة ما جعل القدرات القتالية للجزائر في أعلى مستوياتها.
أوضحت المتحدثة في تصريح لجريدة «الشعب»، أن «عمي صالح»، كما يحلو للجزائريين، مناداته بادر منذ توليه قيادة أركان الجيش بوضع إستراتيجية محكمة للرفع من حجم قدرات الجيش وعصرنته، من خلال التركيز على التكوين الجيد و اللائق لمختلف أفراد الجيش.
أشارت إلى أن الفضل يرجع للراحل في إعادة مدارس أشبال الأمة، وكذا استحداث عدة مدارس عليا لتكوين إطارات الجيش الوطني الشعبي، تدرس مختلف الاختصاصات ولفائدة مختلف القوات، على غرار المدرسة العليا للأركان، والكلية الحربية والمدرسة العليا للإعلام والاتصال وغيرها.
كما ساهمت زياراته المراطونية الأسبوعية تقريبا لكل النواحي العسكرية في ضمان جاهزية الجيش لمواجهة الأخطار وكل التحديات التي تهدد أمن الجزائر التي كانت عصية على كل الأعداء في الداخل أو الخارج، تضيف المتحدثة التي أشادت بدوره في العبور بالبلاد إلى بر الأمان خلال الفترة الماضية، بإصراره على الحل الدستوري عبر الوصول للانتخابات الرئاسية التي تأتي برئيس منتخب له كافة الصلاحيات.

عزاء ودموع الوداع بكل بيوت الأوراس

لليوم الثالث على التوالي، سادت، أمس، حالة من الحزن العارم في كل أنحاء الأوراس الكبير، على غرار كل التراب الوطني، حدادا على رحيل «القائد» أحمد قايد صالح، حيث امتلأت الشوارع المحيطة بوسط مدينة باتنة، وبلدياتها الكبرى، حيث تتواجد بيوت العزاء، بالمواطنين الذين توافدوا لمتابعة مراسم إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد، ودفنه، عبر بعض شاشات التلفزيون المنصّبة لهذا الغرض، بباتنة، خاصة للذين تعذّر عليهم إيجاد أماكن للتنقل مباشرة للعاصمة في العشرات من الحافلات المخصّصة لذلك والتي امتلأت كلها.
وتابع الباتنيون لحظة بلحظة عبر قنوات التلفزيون الوطني العمومي، نقل جثمان رئيس الأركان الراحل من مستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة، إلى قصر الشعب و إلقاء النظرة الأخيرة عليه، ونقل موكب جنازته العسكرية المهيبة، حيث ووري الثرى بمقبرة العالية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024