«أفغنة» السّاحل ... لمصلحة من؟

فضيلة دفوس
28 سبتمبر 2012

يبدو جليّا بأن الأزمة في مالي ماضية للتدويل وربّما الحسم العسكري لدحر الانفصاليين والجماعات المسلحة التي تسيطر على الشمال منذ ٢٢ مارس الماضي تاريخ الإطاحة بالرئيس «أمادو توماني توري» بتهمة الفشل في صدّ هجوم المتمردين التوارق الذي بدأ في جانفي الماضي.
وتتجلّى مؤشرات التدويل من خلال تحرّك بعض الأطراف تتقدمها المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا بإيعاز من فرنسا التي استطاعت أن تضغط على الحكومة المؤقتة في باماكو وتجعلها تقبل بتحرير طلب إلى مجلس الأمن الدولي قصد إصدار قرار يدعو للتدخل العسكري في الشمال، وذلك بعد أن كانت ترفض مثل هذا الخيار المحفوف بالمخاطر وتُرافع من أجل الحلّ التفاوضي السلمي الذي يجنّب البلاد إراقة الدّماء، ويحول دون أفغنة الساحل وهو الذي ينام على فوهة بركان قابلة للانفجار بفعل الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية والإجرامية التي لا تتوانى في كل مرّة عن التهديد بإلهاب المنطقة في حال ما إذا تقرّر اللجوء إلى القوّة لدحرها.
الذين ينشطون ويعبّئون المجتمع الدولي من أجل إرسال قوّات مسلّحة لاستعادة الشمال المالي ماضون في تحقيق خطوات هامة في طريق تجسيد مسعاهم هذا، إذ تمكنوا بداية الأسبوع الماضي من إقناع القيادة المؤقتة في باماكو بزعامة الرئيس المالي بالوكالة «ديونكوندا تراوري» بالموافقة على مبدأ إرسال قوات إفريقية تنتمي لمجموعة (الإيكواس) بعدما ظل يعارض الخيار العسكري ويحث فقط على الدّعم اللوجستي من الجيران قصد المساعدة على إعادة تنظيم القوات المسلحة وقوات الأمن في مجال التجهيز والتدريب.
وبعد الاتفاق الذي وقّعته السبت الماضي باماكو مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) والذي يتضمن إرسال نحو ٣٣٠٠ مقاتل إفريقي لدحر الانفاصليين التوارق والجماعات المسلحة التي تحتل ثلثي أراضي دولة مالي، رفعت الحكومة المالية طلبا إلى الأمين العام للأمم المتحدة تناشده إقار تدخل عسكري دولي لإستعادة سيادتها وسلطتها على الشمال.
إن دُعاة الخيار العسكري يسوقون مبرّرات عديدة لمسعاهم هذا، لعل أهمّها إنقاذ الشعب المالي في الشمال من سيطرة الجماعات المسلّحة وممارساتها الإجرامية، وإنهاء المأساة الإنسانية التي لا تنحصر في دولة مالي فقط، بل تمتدّ لتشمل كل الساحل ولتمسّ أكثر من ١٨ مليون شخص يعانون من أزمة غذائية وصحيّة وأمنية خطيرة.
وبعيدا عن خلفيات تدويل أزمة مالي والأسباب الحقيقية لإصرار (الإيكواس) ومن ورائها فرنسا على خيار القوّة، تقف العديد من الدول تتقدمها الجزائر في الجهة المقابلة الرّافضة لأي تدخل عسكري في مالي بمبرّرات واقعيّة ومنطقية ترمي في مجملها إلى حماية الشعب المالي وأمن واستقرار المنطقة.
وتؤمن الجزائر بأن خيار القوّة لن يقود إلا إلى تصعيد الوضع وتفجيره، وتعتقد بأن الحلّ بأيدي الماليين أنفسهم الذين هم الحلقة المحورية في البحث عن حلول لمشاكلهم، ولم تتردّد الجزائر خلال إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي من تحديد طريق الخلاص بالنسبة لمالي، إذ أكد الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية السيد عبد القادر مساهل على ضرورة التوصل إلى حلّ سياسي تفاوضي في أقرب الآجال تفاديا لأي إنزلاق يجرّ معه الأطراف التي تنبذ بشكل صريح الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة ويرفضون أي مساس بالسّلامة التّرابية لمالي...
وذهب الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، في نفس الاتّجاه الرافض للحسم العسكري الذي قال بشأنه أنه يمكن أن تكون له عواقب إنسانية خطيرة بما فيها عمليات نزوح جديدة ونقائص في المجال الإنساني.
الموقف الجزائري يبدو الأكثر جدوى وعقلانية، خاصة وأن الحركة الوطنية من أجل تحرير الأزواد لا تعارض الخيار التفاوضي وقد دعت قبل أيام الأمم المتحدة إلى إشراكها في المفاوضات لحلّ النّزاع في المنطقة وإقرار سلام دائم بها.
أما خيار القوّة فلن يؤدي إلا إلى إشعال المنطقة وتحويلها إلى أفغانستان جديدة، لهذا من الضروري قبل المجازفة بالرّهان على الحسم العسكري، مراجعة الدّرس الأفغاني وآثاره المأساوية حتى لا يعيش مالي والسّاحل حربا مدمّرة لا جدوى منها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024