تمثل المؤسسة القلب النابض للتنمية وتحتل صدارة الاهتمام خاصة في مرحلة تقف فيها البلاد على عتبة الانتقال إلى مستوى قوي في الأداء من خلال محاور الإستراتيجية الشاملة المرتكزة على بعث قطاعات ذات جدوى مثل الصناعة بمختلف محاورها والفلاحة والسياحة في وقت تدرك فيه الدولة أن ساعة إطلاق بناء اقتصاد ما بعد البترول قد دقت ولا مجال للتردد في ضبط الخيارات.
ولعل أبرز خيار استراتيجي، التأكيد على ترسيخ وتنمية الحوار الاجتماعي بين الشركاء بما يضمن توطيد الثقة المتبادلة في ظل مناخ ملائم لتبادل المعلومات والمشاركة في وضع الاستراتيجيات وتعزيز التنسيق، بما يحمي المؤسسة الاقتصادية وهي المركز الأساسي في إنتاج الثروة من أي اضطراب محتمل أو عطب قد يصيب عجلتها، مثلما أكد الوزير الأول عبد المالك سلال حرصه عليه، في تعليمة وجهها إلى أعضاء الحكومة وولاة الجمهورية وكذا رؤساء شركات تسيير المساهمات حاثا على حماية وتحسين ظروف معيشة العمال والمساهمة في التنمية الوطنية.
ولا تترك تلك التعليمة المتعلقة بتفعيل الحوار الاجتماعي داخل المؤسسات والهيئات ذات الصلة بالتنمية مجالا للغموض أو أدنى تشكيك قد يتسلل للبعض ممن لا يزالون رهينة تردد أو انتظار، في وقت عزمت فيه الدولة على الإمساك بخيوط التنمية بكل جوانبها من أجل الدفع بوتيرتها قدما، وسط تداعيات الأزمة المالية العالمية التي أخلطت أوراق كبرى البلدان الصناعية، وبقدر ما أحدثته من إفرازات سلبية للبعض، بقدر ما أنتجت فرصا جديدة يمكن الاستثمار فيها بالشراكة التي تلعب فيها المؤسسة الدور المحوري والحاسم، مما يجعل الاستقرار والدفع بالقدرات المتوفرة فيها إلى الواجهة أمرا ضروريا، ولا يتحقق ذلك إلا باعتماد مسار الحوار الاجتماعي الشفاف والمسؤول القائم على الالتزام بالنجاعة على كافة المستويات.
وحدد سلال في التعليمة التوجيهية جملة من التدابير الواجب اتخاذها في ضوء إبرازه فضائل الحوار الاجتماعي وأسلوب التشاور الذي يبدد المخاوف ويزيل الغموض ويدعم الاتجاه الصائب بخصوص كل مشروع أو عملية اقتصادية، وتتلخص تلك التدابير في وضع آلية للتشاور ودراسة أوضاع العلاقات الاجتماعية والمهنية لدى المؤسسة، واحترام مراحل الحوار والتفاوض قبل اللجوء إلى أشكال أخرى تعرضها ومناصب العمل للخطر، وكذا تقديم المساعدة والدعم للشركاء الاجتماعيين بما يقلل من هامش الخلاف بين الشركاء، ويقرب وجهات النظر بما يساعد على تسوية النزاعات الاجتماعية المحتملة وفقا لمصلحة المؤسسة وعمالها.
ومن شأن ورقة الطريق هذه أن تساعد المؤسسة بكافة أطرافها على مواصلة المسار الاستثماري والتنموي في ظل مناخ بناء يساعد على حشد كامل الطاقات وتجنيد كل الموارد باتجاه الحرص على كسب معركة السوق، ليس محليا فقط، ولكن باتجاه الأسواق الخارجية حيث يتوقف حسم إشكالية المنافسة التي لا تعطي مجالا للمؤسسة المتخلفة على مدى التحكم في معايير الجودة والنجاعة، بل تخرجها من الساحة وقد تلتهمها مما يعرض أداوت الإنتاج للخطر بشتى أشكاله.
لقد أنجزت البلاد نسيجا صناعيا أبى أن يندثر رغم ما تعرض له في التسعينيات جراء عوامل عديدة، وها هو يستأنف دورته الاقتصادية بفضل الدعم القوي الذي رصدته الدولة في مرافقتها للمؤسسات العمومية الاقتصادية من خلال التطهير المالي والتأهيل من أجل إبقاء المؤسسة التي استفادت أيضا من دفاتر أعباء بفضل البرامج الاستثمارية وخيارات الشراكة المحلية والأجنبية القائمة على مشاريع إنتاجية ذات جدوى اقتصادية واجتماعية.
ويعد الظرف الراهن محليا ودوليا أكثر ملاءمة لكي تلعب المؤسسة دورها المطلوب، لكن شريطة أن يلتزم الشركاء من مستخدمين وممثلي العمال بقواعد الحوار الاجتماعي، ونبذ الخلافات خاصة تلك التي لا صلة لها بالدورة الإنتاجية بما يحمي أداوت الإنتاج من مخاطر يفرزها المحيط، وغالبا ما يكون وراءها من يتربصون بالمنظومة الاقتصادية الوطنية الدسمة لكبح جماحها وجعلها دوما متأخرة في سوق جذابة ومضمونة الربح، ومن بين العوامل السلبية ترك النزاعات تتسرب إلى رحاب المؤسسة ومواقع الإنتاج وعدم اتخاذ ما يلزم لمعالجة مسألة معينة على بساطتها، قد تتطور إلى أزمة تؤثر مباشرة على الورشات، فتدخل المؤسسة في أزمة تعيدها إلى نقطة الصفر، وهذا ما حذّر منه الوزير الأول في مضمون تعليمته، مؤكدا بوضوح على أن الحوار الاجتماعي المستمر والواسع في إطار القانون كفيل بأن يقود إلى مراتب متقدمة يكون فيها العمل وإتقانه والجودة في الإنتاج والابتكار القاسم المشترك.
والأكيد أن رفع التحديات التي يفرضها الظرف الاقتصادي المحلي والعالمي في ظل تغيرات قد تفاجئ المؤسسة الاقتصادية في مختلف القطاعات، فإن الشركاء بقدر ما هم عليه من اختلاف في الرؤى والتصورات بقدر ما هم مطالبون بالعمل سويا وبثقة ضمن المعايير والأصول التي تحكم المؤسسة الناجعة، من أجل امتلاك المناعة في مواجهة السوق بدءا بتعزيز المناخ الاجتماعي داخل المؤسسة ومعالجة الأوضاع المعنية والاجتماعية باعتماد المبادرة والإصغاء والعمل الجواري بما يضع العمال عل درجة عالية من الشعور بالاهتمام والتثمين، فينعكس ذلك بالإيجاب على قيمة الإنتاج في ظل تفاعلية بناءة هي مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى،
خيار استراتيجي ومسؤول
سعيد بن عياد
23
جوان
2013
شوهد:749 مرة