لعلّ من الأمهات الأكثر تعاسة وحزنا اللواتي لديهن ابناء في الغربة ولا يزالون في حالة إقامة غير قانونية رهائن لدى مراكز نفوذ تكرّس في حقهم الاستغلال والابتزاز كيد عاملة تحترق في صمت وبأبخص الأثمان.
ومع ذلك تتجرع الأمهات الألم في صمت دون إخفاء الحلم بأن يرين فلذات كبدهن يوما وأملهن أن يرى الابناء الواقع الجديد لبلدهم، حيث لا تزال القيم صامدة في وجه زحف العولمة التي تقتلع ما تبقى من قيم انسانية.
إنها تلك القيم المكتنزة في صدور أمهات لديهن من الكبرياء والأصالة تستمد من تاريخ الأم الجزائرية التي تجسدت في أكثر من نموذج للمرأة النوفمبرية.
في تلك الحقبة الاستعمارية لعبت الأم دورا يحفظه التاريخ فكانت سخية على المقاومة بل كانت في صلبها وفي الصف الأول مشاركة ومقدمة ابناءها فداء للحرية.
وبنفس العزيمة كانت أيضا وأكثر خلال الثورة التحريرية رمزا للأم بالمفهوم الصحيح فأنجبت أشاوس صناديد انجزوا الملحمة التحريرية على درب استرجاع السيادة الوطنية بحليبها وحنانها صقلت جيلا بكامله أعاد تصحيح مسار بلد وشعبه الذي عانى طويلا من استعمار بغيض فرض الظلام الدامس على شعب قاوم بضراوة وعلى فترات بمشاركة أمهات تحملن ويلات لا توصف وستبقى وصمة عار على جبين الدولة الفرنسية الاستعمارية.
لقد قدمت الأم الجزائرية على مدار التاريخ ـ بسخاء مشهود له يبقى ذخرا للأجيال كل ما تملكه ـ ولا تزال على نفس الصورة الأصلية مدرسة لبناء أجيال متزنة ومشبعة بالقيم ضمن إطار الأسرة الكفيلة بضمان التواصل ومنع السقوط في قطيعة تقطع الانتماء.
وبهذه الروح القوية للأم الجزائرية الصامدة في وجه العولمة الاقتصادية والثقافية تقف أمهات الجيل المتقدم ـ على ما هنّ عليه من أمية في القراءة والكتابة ـ شامخة اليوم تواجه التهميش والإقصاء، فهن بمثابة المنبع الصافي الذي تغترف منه الأجيال المتواترة حينما تفترق بها السبل وتختلط عليها المفاهيم نتيجة موجات التطور المادي وأغلبه مزيف ولا يصمد مع الزمن. ومن الواجب أن تخص المجموعة الوطنية هؤلاء الأمهات بكل التقدير والعرفان لما أنجبته حرائرنا للبلاد من أجيال تخوض معركة البناء الوطني غير مستسلمة للعولمة بل تخوض معها بكل ما يستوجبه الأمر على مختلف جبهات العلوم والمعارف والابتكار والعمل الخلاّق والمنتج والأكثر دلالة في هذا التشبث بالانتماء الأبدي للجزائر مثلما أودعها فينا الشهداء الأبرار أمانة مقدسة تتوارثها الأجيال بلا انقطاع.
رمـز الأصالــة والتواصـــل
سعيد بن عياد
27
ماي
2013
شوهد:686 مرة