فتاوى يجهل مصدرها تتهاطل علينا عبر فضائيات تدعو لأشياء لم نألفها في حياتنا ولم نترب عليها. فتاوى تحرض على الفكر التكفيري والغلو والتطرف تضرب عرض الحائط قيم التسامح والتعايش التي توصينا بها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف المشدد على المجادلة بالتي هي أحسن والرافض للكراهية والبغضاء .
إنها كلمات حرص على ترديدها أكثر من مرة الدكتور بوعبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى من منبر «منتدى الشعب»، داعيا إلى هبة فقهاء ورجال دين لمحاربة التيار السلفي المنتشر وسط المجتمع، يبث أفكار التطرف بين الشباب متخذا من منابر وهابية، شيعية واحمدية وغيرها مضمونا ايديولوجيا له تبيح معتقداته وتحرّم غيرها من قيم الإسلام الصحيحة التي تنهى عن الأفكار التضليلية وترسخ لثقافة «اعتصموا بحبل الله « وتنبذ التفرقة .
إنه تيار انطلق بعد تغلغله وسط المجتمع وتحكمه في دواليب الثقافة والتربية والمنابر الدينية إلى مرحلة ثانية تحرض على اتباع نهجه بالقوة وتكفير من لم ينخرط في هذا الاتجاه الذي قسم أبناء المجتمع وحولهم إلى شيع وجماعات نخشى أن تبلغ درجة أكثر تطرفا وما تحمله من أخطار الفتنة والتقاتل الجهري.
اتخذ من الفراغ المسجل في الوسط الاجتماعي وعدم إقحام أهل الدين والفقه أنفسهم في الجدل الفكري الديني وتعليم النشء بما هو متأصل في المرجعية الدينية الجزائرية التي حمت البلد من أي اغتراب فكري وأبقته محافظا على سلامة مذهبه، انسجامه وتوحده إلى أبعد الحدود. حافظت الجزائر على مرجعيتها التي كانت أسمنت الثورة التحريرية ضد المستعمر وقلبها النابض وبوصلتها التي ناضل من أجلها ورافع جحافل علماء تخرجوا من المدرسة الجزائرية بعضهم أسس منظمات وجمعيات حاربت الطرقية والشعوذة وأعطت أجوبة للمشككين في الانتماء الجزائري.
قالها العلامة عبد الحميد بن باديس صراحة وهو يزيل كل فكر يتطاول على الوطنية الجزائرية ويسأل من تكون واضعا خارطة طريق تتبع لتأمين الهوية وتحصين الانتماء. ما ألفه بن باديس وما قدمه من فكر يضاف إلى أفكار أعمدة الدين والفقه الجزائريين الآخرين جديرا بأن يتبع ويتخذ درسا في تعزيز المناعة الدينية والتصدي للأفكار السلفية التي تتنكر للانتماء الوطني وتجري وراء أفكار تشكك في المرجعية الدينية الجزائرية.
من هذه الزاوية يتضح مدى ثقل المسؤولية الملقاة على رجال الدين عندنا وما يتوجب فعله في سبيل تعريف الإسلام الحق الذي ينبذ العنف ويشدد على أن لا اكراهية في الدين ويرافع لحضارة إنسانية التعايش لا التصادم والقفز على قيم التطرف والغلو التي تبيح هدر دماء المسلم بلا وجه حق وقتل الروح التي حرمها الله الذي خلق الانسان من طين وأنزله مكانة رفيعة لاحترام الآخر والاعتراف به وعدم الانسياق وراء الفوضى والجنون وإطلاق العنان لفكر التطرف والغلوّ الداء الخطير المهدد للأمة وأمنها واستقرارها الذي لا يقدر بثمن.