المكان رئاسة الجمهورية.. قاعة الاجتماعات.. جمع من الحضور.. بعض شخصيات المجتمع المدني.. الساعة الحادية عشر إلا ربع صباحا.. خريف ١٩٩٣ بعد فترة تقلد المرحوم رئاسة المجلس الأعلى للدولة.
في لحظة ذهول وترقب يدخل علينا المرحوم المجاهد علي كافي، كان سبب اللقاء حول دور الجمعيات في خضم الأحداث التي عرفتها الجزائر آنذاك.
في عشرية الدم السوداء وخاصة أن منتصف التسعينات كان قاسيا بكل ما تحمله الكلمة من تأوهات وآلام واغتيالات جبانة وتخريب ودمار، ضف إلى ذلك المساس بسيادة الدولة عبر أبواق الخارج.
هي المرة الأولى التي ولجت فيها هذا القصر الكبير، رفقة الزميل الصحفي الطاهر يحياوي، أين كنا أعضاءا في رابطة الإبداع الثقافية الوطنية التي كانت تئن ألما وهي تصنع الفرح هنا وهناك عبر ربوع الوطن المكافح والمقاوم..
حين امتطينا سيارة الأجرة من شارع الدكتور سعدان متجهين نحو رئاسة الجمهورية، كنا نفكر ماذا سوف نقول في مداخلتنا هذه.
هل فعلا سيسمعنا الرئيس؟.. هل فعلا سيكون لنا شرف لقائه وهو في رحاب قصر المرادية؟.. وهل .. وهل.. كانت الأسئلة تطرح بعضها.. وتصرّ الأجوبة أن تنفر بجلدها..
توقفت سيارة الأجرة بالقرب من قصر المرادية.. استقبلنا السيد رمضان بودلاعة ـ مدير العلاقات العمومية برئاسة الجمهورية ـ والسيد لعلاوي عبد المالك.. وفي خضم الحديث.. رفقة مجموعة من رؤساء بعض الجمعيات الوطنية.. حتى أُذن لنا بدخول القاعة.. فتراءى لنا المجاهد المرحوم علي كافي في وقفته المتميزة ونظرته الثاقبة ذات الأفق الشارد، الباحثة عن مخرج للأزمة الوطنية..
هل يمكن أن تُسمع كلمة «إبداع»؟ هل سيكون قدر التفكير والاقتراح.. ذا قيمة ومرجعية لدى أعلى هيئة سيادية في الدولة الجزائرية.
قلت في نفسي.. ربّما نحن في حلم عابر.. وهذه إلا أطياف حلم.. قد تنجلي بعد لحظات.. ولكن ما إن تدخل المرحوم الممجاهد، رئيس المجلس الأعلى للدولة.. حتى أدركت أنني فعلا أمام هرم شامخ عندما ذكّرنا أن «الوطن في حاجة لجميع أبنائه دون تمييز، ودون إقصاء.
وراح مستشهدا بتلك المقولة الشهيرة يا مضيّع الذهب في سوق الذهب تلقاه.. ويا مضيّع الحبيب يأتي يوم وتنساه.. وما مضيّع الوطن، فين الوطن تلقاه»..
بعد هذه الوقفة التي سمحت لنا بمشاركة رئاسة الجمهورية في مشاوراتها مع الأحزاب والشخصيات والجمعيات، كنت واحدا من بين موفديها إلى قصر المرادية في عصر الرئيس كافي.
فعلا عندما يضيع الوطن.. تضيع معه كل الأحلام والأماني.. وعندما يرحل الرجال العظماء.. تبقى ذكراهم خالدة.. خلود الخالدين في الذاكرة..
فطوبى لوطن أحبه كافي، وعاش لأجله، ومات من أجله.
يوم استقبلنا الرئيس كافي..
نور الدين لعراجي
19
أفريل
2013
شوهد:908 مرة