تزامن انبعاث رائحة الفضائح المالية والأخلاقية في فرنسا مع إثارة ملفات الفساد ببلادنا، ولكن رد الفعل وطريقة المعالجة اختلفت بشكل كلي، ففيما لا نزال نحن في مرحلة التحقيقات القضائية، توصلوا هم هناك إلى إثبات اتهامات التحايل في حق المسؤولين المتورطين وشرع في اتخاذ إجراءات وقائية على أكثر من مستوى.
هناك دخلت الأمور مرحلة الحسم، وتم اعتماد معالجة جذرية وشاملة حيث يستعد البرلمان الفرنسي اليوم لمناقشة مشروع قانون يفرض على المسؤولين قبل شغل أي منصب مسؤولية الإعلان عن ممتلكاتهم وتقديم إقرارات بذممهم المالية، وبالموازاة مع ذلك طلبت الحكومة الفرنسية من كافة البنوك الدولية تزويدها بأرصدة وودائع رعاياها.
قراءة بسيطة في هذا المسعى تبرز أن المعالجة تركز أكثر على الجانب الوقائي وهو الهدف الأساسي لأي قانون، إلى جانب، وهذا مهم أيضا، المساهمة الفعلية والواسعة لنواب الشعب، وهو ما يجعل الأمور تعالَج في سياقها الطبيعي، والمواطن يطمئن على تسيير شؤونه.
أما عندنا فالبرلمان يوجد في موقع المتفرج، لا يتحرك ولا يبادر، رد فعله يحتاج إلى مثير أو منبه، يعمل بطريفة آلية، ينتظر دائما ما تطرحه الحكومة، التزم السكون وترك جهاز القضاء يتحمل وحده عبء معالجة قضايا الفساد المطروحة على الساحة الوطنية.
المفترض قانونيا وفقهيا أن دور السلطة التشريعية يكون دائما سابقا لدور السلطة القضائية، فهي تعالج ما يتوقع أن يحدث أي الجانب الوقائي، وهو يمثل دائما الجزء الأكبر من الحياة العامة للمواطن، فيما يتكفل القضاء بالجانب الردعي أي ما يحدث فعلا بسبب مخالفة القانون، وهو ما يمثل الحالات الاستثنائية.
إسقاط هذه المعادلة على الواقع يكشف عن وجود اختلالات في العلاقة بين الجهازين، حيث نجد أن القضاء يتحمل تبعات عدم قيام السلطة التشريعية بدورها، مما يوسع نطاق الدور الردعي ويُضَيق نطاق الدور الوقائي.
غياب هذا الدور الذي يقوم على عنصر الاحتكاك والتوقع يتجلى أيضا في مشهد احتجاجات الشباب على عدم توفر مناصب الشغل، فلو كان نواب الشعب قريبين من المواطن الذي انتخبهم لأمكنهم تحسس مشاكله وهمومه، ومن ثَمَّ حَمْلها إلى السلطات التنفيذية من أجل معالجتها قبل تفاقمها وخروجها عن نطاق المعقول.
لذلك علينا دائما البحث عن الحقيقة كاملة..
الوقاية تغني عن الردع..
¯ يكتبها: توفيق يوسفي
13
أفريل
2013
شوهد:941 مرة