يقال في الأمثال والحكم أن المصيبة إذا عمت خفت، غير أن ذلك لا يصح في بعض الحالات حيث يحدث العكس تماما إذ يتفاقم ويتعاظم وقعها كلما عمت واتسعت رقعة انتشارها أكثر.
استوقفتني هذه الحالة الاستثنائية لهذا القول المأثور وأنا أطالع أخبار النزاع الدائر بين محاميي ولاية سعيدة ومحاميي ولاية البيض.. نزاع يبدو في ظاهره هيكليا تنظيميا محضا حيث يتمثل في وجود رغبة لدى ''جماعة سعيدة'' في الانسحاب من منظمة المحامين لناحية معسكر وتشكيل منظمة خاصة بهم وهي مصممة على ذلك، غير أن ''جماعة البيض'' عارضت هذا التوجه، مما أدى إلى اندلاع هذا النزاع.
نزاع عادي كهذا كان يمكن معالجته قانونيا وتنظيميا ودون أن تصل أخباره إلى صفحات الجرائد لو أن هيبة القانون مازالت مصانة ومازال احتكامنا للمؤسسات، لكن والأمر غير ذلك فان القضية عرفت انزلاقات خطيرة ومؤسفة يندى لها الجبين.
لقد تم التعامل في حل النزاع بمنطق الغاب و''البلطجة'' بنقله إلى الشارع والاحتكام إلى العنف بأبشع صوره، فقد استعملت، حسب الأخبار المتداولة، الأسلحة البيضاء والعصي والهراوات في اشتباكات جسدية حدثت أمام مجلس قضاء سعيدة بين أصحاب الجبة السوداء من الجماعتين مع سبق الإصرار والترصد.
يبدو المشهد جد قاس ونحن نرى حَمَلَة القانون يمارسون العنف ويشتبكون بالأسلحة البيضاء وأمام هيئة قضائية، فهم نخبة المجتمع والمسؤولون الأوائل، أخلاقيا، على فرض احترام القانون ومكافحة استعمال العنف بحكم انتمائهم لجهاز العدالة المدافع والحافظ لتطبيق سلطان القانون.
مشهد يدلل على مدى تجذر أزمة الأخلاق والقيم وانتشار استعمال العنف والجريمة في المجتمع بعد الأشواط البارزة التي تم تحقيقها في مجال مكافحة الإرهاب، فإذا كان لجوء الدهماء إلى التعامل بمنطق القوة واستعمال العنف في حدود معينة يمكن استساغته وهو موجود حتى في المجتمعات المتقدمة فإن جنوح النخبة والصفوة إلى هكذا ممارسات يستوجب التوقف مليا والبحث في جذور المشكلة ومعالجة مسبباتها، وذلك حتما يتطلب الكثير من الوقت.
لذلك علينا دائما الدفاع عن الحقيقة..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.