اختلطت علينا المشاعر والأحاسيس ونحن نودع العلامة والعالم الجليل الدكتور الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي، فلم نعد ندري أنعزي أنفسنا وأمتنا الإسلامية بفقدان هذه القامة من قامات العلوم الشرعية والصوت الصادح في ساحة الدفاع عن الإسلام الوسطي المعتدل وتعرية الفكر المتطرف، أم نهنئه بالشهادة التي لقي بها ربه والتي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.
ما ظننا بعالم فقيه استشهد داخل بيت الله بين المحراب والمنبر، وخلال حلقة من حلقات العلم، وفي حضرة تلامذته ومريديه من طلبة العلم الشريف، آخر ما لاك به لسانه قبل ارتقائه إلى الرفيق الأعلى آية من الذكر الحكيم أو حديث نبوي شريف..
أرادوا إطفاء جذوتك فأدخلوك زمرة شهداء المحراب، فما بالنا بمن نال هذا الشرف.. حاولوا إسكات صوت الوسطية والاعتدال الذي نذرت حياتك من أجل حمله حيثما حللت وارتحلت فساهموا في نشره كما تنتشر النار في الهشيم.. فغرسك الطيب الذي زرعته في مختلف بساتين وأراضي البلاد الإسلامية أينع وأثمر أفكارا وقناعات لا تزول ولا تحول..
لقد تعلمنا أبجديات الوسطية والاعتدال في الإسلام على يديك عبر مساهماتك المنتظمة في ملتقيات الفكر الإسلامي ببلادنا، والتي كنت أحد فرسانها الفطاحل.. كنا نلتمس صلابتك وثباتك في دفاعك عن النهج الصحيح وفي نبذك للتطرف والغلو في الوقت نفسه الذي كنا نشعر بإحساسك المرهف وقلبك الرقيق..
كنت تعلمنا الخشية من الله والخشوع له كما تعلمنا الآية من القرآن، فأنت ما أنت من العلم ومع ذلك غالبا ما كانت الكلمات تتحشرج في حلقك وعيناك تغرورقان بالدموع كلما وصلت إلى آية مؤثرة أو حديث نبوي فارق..
إنها فوضى الزمن القبيح التي أصبحت تستهدف كل شيء جميل، فوضى تتلبس كشكل من أشكال الفتنة التي ما فتئ الشهيد يحذر منها في كافة دروسه وخطبه، فلم يكن أقسى أو أشد عليه وقعا من فتنة عمياء تضرب أساس الأمة الإسلامية وهو دينها الحنيف الذي هو عصمة أمرها.
نحتسبك، أيها الشيخ والمعلم، عند الله من الشهداء والصديقين بما تركت فينا من مبادئ سمحة ونهج سليم، فأنت من علمتنا أن حب الوطن من الإيمان.. وأن الفتنة أشد من القتل.. وأن لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى.. وأن من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا..
لذلك علينا دائما الدفاع عن الحقيقة..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.