أبو عمران مثقف رحل و لم يمت

نورالدين لعراجي
13 ماي 2016

اعتبر رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وفاة الشيخ أبو عمران بالفقدان الكبير الذي لا يكمن  تعويضه، واصفا إياه بالمثقف الكبير الذي قدم للثقافة الوطنية الكثير من الجهد والمعرفة، و ظلا يرافقانه في كل منبر يسطع منه، ويكون فيه بمثابة الفانوس مضيئا ومنيرا لكل من حوله ، ورغم الألم «لذي انتابني « يقول الرئيس بوتفليقة،  فإن الفقيد يعتبر أحد أقطاب الفكر والثقافة في بلادنا الذين أفنوا حياتهم في التدريس والإشراف على أجيال متعاقبة من الطلبة والباحثين.
لقد أفنى الفقيد الشيخ أبو عمران حياته في مجال التراث والفلسفة والتدقيق والوسطية، معتبرا إياه من أولئك العلماء الموسوعة الذين يوائمون بين النقل والعقل، وهما حجة الإيمان في الاعتقاد وكان هو حجته المنطق، الذي لا يخلو بمنظومة القيم الروحية في تراثنا العربي الإسلامي، وقد مكنته هذه المكانة والرتبة من مواصلة البحث في شتى الآداب والتراث، مقدما في الشأن ذاته، دراسات ومساهمات عديدة، استمد منها الطلبة والباحثون الكثير من العبر والمواقف والتحاليل والدروس .
وقد سطع نجم الفقيد في بداية حياته في أربعينيات القرن الماضي مثقفا وكاتبا وفيلسوفا ومفكرا في الجزائر وفي الضفة الأخرى، أين حاز على أعلى الشهادات في الفلسفة والفكر بجامعة السوريون، رفقة المفكرين والأفذاذ من أمثاله، واستطاع بفكره وجهده مواصلة رحلة البحث، التي كللت بعديد الكتب والتأليف في قضايا معرفية استطاع من خلالها الولوج إلى نظريات فلسفية برؤى إسلامية وتصور نابع من التكوين الذي رافقه وكانت مدرسته الكشافة الإسلامية التي جاء منها شبلا ذات يوم.
القفزة النوعية والمعرفية في سيرة الشيخ لم تثنه عن مواصلة البحث والغوص في تراثنا الواسع والغني، بل واصل التنقيب في أمهات الكتب، كيف لا وهو المحاضر في مدرجات الجامعة والباحث في مراكز البحث، والأستاذ والمؤلف والجاد عندما يتعلق الأمر بمسائل الهوية والانتماء، لا يداهن ولا يساوم، بل إن المنطق والحجج عنده لا تجامل أحدا، وهي ميزة عرف بها وبقيت لصيقة به.
وهو يعدد مناقب الفقيد العديدة والمتفرقة على مراحل ومحطات كبرى عرفتها حياة الرجل، إلى غاية لقاء ربه، أين ترأس المجلس الإسلامي الأعلى، هذا المنبر الذي برز فيه منهج الشيخ في البحث والتوجيه، معتبرا المقالات التي كان يكتبها في مجلة المجلس، بالسبق المعرفي الكبير والحجة الساطعة عند مفكر فقدته الجزائر، بعد مسار كبير من العطاءات الفذة.
وفي ختام تعزيته لزملائه وطلبته ومحبيه أعرب رئيس الجمهورية عن بالغ العزاء وصادق الدعاء إلى المولى، بأن يكرم وفاته إلى جواره ويبوأه مقاما يرتضيه له في جنات الخلد والنعيم، معربا لأسرته وذويه الأكرمين الصبر الجميل.
إن أولئك الذين يتركون سيرهم وأعمالهم وأفكارهم ومؤلفاتهم بين رفوف المكتبات ومن خلال المقالات التنويرية والفكرية، والاجتهادات المختلفة، فإن هؤلاء لا يموتون بل يرحلون فقط لتبقى أعمالهم تعمر الأمكنة وتختزل الزمان وسيرة حية على الألسن.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024