يحظى العمران بعناية كبيرة ضمن البرامج التنموية باعتباره احد شواهد التطور وتغيير الصورة المدمرة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية. غير أن العمران بالإضافة إلى جانبه الجمالي الذي يعكس هوية المجتمع ويثمن الخصوصيات والأمر لا يزال يعاني من نقائص ينبغي تداركها، له أبعاد اقتصادية من الضروري أن تبرز في المشاريع المستقبلية من خلال إدراج المرافق والمنشآت التي تعطي للمدن الجديدة نبضا من شانه أن يدمج العنصر البشري في الديناميكية الاقتصادية.
لقد فعل ضغط الطلب على السكن وسوء إدارته في الماضي فعلته بإنتاج عمران غير منسجم سرعان ما تحول من حل للمشكلة إلى مشكلة سويو ـ اقتصادية ترهق وتكلف. ومن هنا تشكلت قناعة لدى كافة المتدخلين في المسالة بان يجب اللجوء إلى قرارات إستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى تتمحور حول ضبط المعايير ونقل المشاريع الجديدة بما في ذلك العمران الصناعي لإقامتها في الهضاب العليا والجنوب الكبير وانتهاج نمط عمراني أفقي لشغل المساحات الشاسعة ومن ثمة تعمير البلاد تطابقا مع إطلاق توجه جديد للتوزيع السكاني عبر الإقليم.
وضمن هذا التصور لا ينبغي أن يستمر وضع انجاز “مدن مراقد” وإرساء خيارات أخرى تخصص لأدوات التنمية الاقتصادية صغيرة ومتوسطة الحجم جانبا هاما. ولن يكون بلوغ هذا الهدف إلا من خلال اعتماد أسلوب الحوار والنقاش بين المهنيين من كافة التخصصات والإصغاء للخبرات الوطنية التي ينبغي هي الأخرى أن يتخلص أصحابها من ظاهرة الانقسام والصراع بالخضوع لمبادئ الاحترافية والكفاءة والاستحقاق وإعطاء فرصة للمتعاملين الاقتصاديين أصحاب المشاريع الاستثمارية في إبداء الرأي حتى تنضج المشاريع العمرانية وتكون ذات جدوى.
ويدرك الجميع مدى الفاتورة التي تستنزفها المشاريع العمرانية التي توفر سوقا يستفيد منها متعاملون أجانب وهو أمر محبذ شريطة أن تحقق الجزائر من الشراكة منافع على صعيد تقليص كلفة البناء وتحويل التكنولوجيا وإدخال مواد اقتصادية جديدة في المعادلة دون التفريط في الجودة والآجال ناهيك عن توفير مناصب عمل لليد العاملة التي تخرجها مراكز التكوين المهني التي ينتظر أن ترفع التحدي بطرح أصحاب حرف في مختلف التخصصات العمرانية لضمان الديمومة للعمل وتفادي السقوط الحر في شراك التبعية من جديد تعمق جراح التبعية للمحروقات.
ويمثل إطلاق نقاش بين المتخصصين في العمران وهي مهمة على عاتق الإدارة المعنية مؤشرا لرد الاعتبار للكفاءات الوطنية وتوطيد الثقة بين المتعاملين بما فيهم المستثمرون الكبار عموميون وخواص بإقحامهم في مسار إقامة عمران حديث يأخذ في الحسبان المؤشرات الاقتصادية الراهنة والخصوصيات المحلية ويستجيب للتطلعات الإستراتيجية بما في ذلك تحقيق توزيع منسجم للسكان باعتماد التحفيز الاقتصادي والإغراء الاجتماعي على مستوى الهضاب العليا والجنوب وكذا تصحيح المعادلة البيئية بالحد من الضغط الصناعي على مناطق الشمال.
حتى لا يصبح الحل مشكلة
سعيد بن عياد
08
مارس
2013
شوهد:963 مرة