قرار أكثر جرأة

فضيلة بودريش
20 فيفري 2016

لا يمكن إنكار أن ثروة المحروقات بقدر ما صارت اليوم تشكل مبعث قلق بسبب إضطراب أسعار البرميل، التي تهاوت نحو أدنى مستوياتها وما انجر عنها من تقلص في الإيرادات، مازالت  نعمة بل وتعد الوقود الذي يمكنه أن يساعد على بعث الانطلاقة نحو إرساء قاعدة صلبة لاقتصاد متنوع وبديل، وفي كل ذلك ينبغي أن يتم تجاوز تلك الهواجس والتفكير في إيجاد سبل وخطط تمكن من إعادة صياغة نمط إدراج هذا الوقود واستغلال النعمة في نمو ينعكس على الجزائريين اقتصاديا واجتماعيا على وجه الخصوص، على اعتبار  أن بلدان عديدة تمكّنت من السير بخطى ثابتة وبكل ثقة في هذا الاتجاه وحقّقت مكاسب تنموية معتبرة، ونجحت من خلال الطاقة  في التحرّر من التبعية للذهب الأسود.
ويبقى الذكاء الإنساني من العوامل الحيوية والمفتاح البديل الذي لديه القدرة على إخراج المجتمع والاقتصاد من مرحلة الوقوع تحت الصدمة إلى تجاوز هذه الأزمة البترولية ، التي تسببت في تآكل احتياطي الصرف. ولا يمكن إلى جانب ذلك إنكار المسؤولية الملقاة اليوم على عاتق المؤسسات الاقتصادية عن طريق ضرورة المساهمة في تخفيف العبء على الاقتصاد الطاقوي، والانخراط في التحول الطاقوي وتبني خيارات الاستثمار في الطاقات البديلة التي تعزز من الموارد، في مرحلة توصف بالحاسمة وعرفت تغيرات وتطورات عديدة في مجال الإنتاج الطاقوي، وكذا تزامن ذلك مع انهيار الأسعار بسبب تخمة العرض وانكماش الطلب.
لكن لا يمكن إخفاء بروز معالم لمؤشرات ايجابية، وصارت الفرصة في الوقت الراهن مفتوحة وقائمة، في ظلّ بوادر اتفاق تمّ مؤخرا بين دول الأكثر إنتاجا داخل وخارج منظمة الأوبيب، ويتعلق بالاجتماع الرباعي الذي ضمّ كل من روسيا وفنزويلا والسعودية وقطر، حيث أفضى إلى عدم الزيادة في سقف إنتاج النفط بالنسبة للدول التي تنضوي داخل المنظمة النفطية «أوبيب» وخارجها، وتعد فرصة انتظرتها طويلا الدول المتضررة من أزمة تدني أسعار برميل النفط، ومن بينها الجزائر، التي يجب أن تختصر الزمن والجهود، لاستغلال موارد الطاقة بشكل حقيقي للخروج من دائرة أزمة تهاوي أسعار البرميل في السوق النفطية، حتى لا تبقى ولا تقع مرة أخرى رهينة تقلباتها، ومع كل ذلك وبعد أزيد من أربعة عقود على تأميم المحروقات الذي كان قرارا جريئا يحمل الكثير من الشجاعة والوطنية والثقة في قدرات الجزائريين بما فيهم الإطارات، مازلنا في حاجة في الوقت الحالي، إلى إيلاء عناية لقطاع الطاقة وبالخصوص كبريات الشركات الاستراتجية، تتصدرها «سونطراك» و»سونلغاز» من خلال الحرص على إخضاعها لبرامج التدقيق في وضع التوازنات المالية والوقوف بشكل دوري ودقيق على مدى بلوغ أهداف النجاعة والالتزام ببرامج الاستثمارات، على اعتبار أنها عصب الإنتاج للثروة الطاقوية.
ومن جهة أخرى وخلال هذه الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وكذا تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته هذه المنظمة العمالية في دعم قرار التأميم، الذي أعلن عنه من  دار الشعب مقرّ الاتحاد، الذي كان في مقدمة الفاعلين المنضويين ضمن جبهة التنمية آنذاك في ذكرى تأسيسه، علما أن الاتحاد العام للعمال الجزائريين ولد من رحم الثورة في عام 1956، وتم منه إعلان القرار الذي تلقاه كل الجزائريين بفرحة كبيرة مدركيين بأنه استكمال لمسار الاستقلال الوطني، ويمكن لهذا الدعم والتنسيق أن يستمر على صعيد تجنيد بفعالية حقيقية القدرات البشرية والثروات الطبيعية والباطنية في مسار تنموي، وبعد45 عاما من عمر قرار استراتيجي تغير بفضله وجه الجزائر التي عانت كثيرا من بطش ودمار الاستعمار، ما أحوجنا اليوم إلى قرارات وسلوكيات أكثر جرأة على صعيد تثمين العمل وإعادة الاعتبار للكفاءات وإقحامها في مجالات حيوية لتنهض بالاقتصاد الوطني. 

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024