الأحداث المتعاقبة الجارية في الساحة السياسية بالشقيقة تونس لم ترسو، إلى حد اليوم، على حال رغم مرور أكثر من عامين على «الربيع» الذي دخلته ولم تر فصلا آخر غيره مذ ذلك الحين.. تزودت بمؤسسات انتقالية (رئاسة مؤقتة، حكومة ائتلافية ومجلس تأسيسي منتخب) في إطار وفاق تام ومثالي من أجل ضمان عبور تشاركي وسلس إلى مرحلة بناء مؤسسات شرعية، لكن الوتيرة بدأت فجأة تتعطل..
وعبر مختلف محطات هذا المسعى شهدت الساحة هناك عدة معطيات جعلتنا نتذكر التجربة التي مرت بها الجزائر في التسعينيات، أبرزها استعجال التيار الإسلامي الوصول إلى الحكم وظهور جماعات من الشباب المتدين المندفع والمتشدد وانتشار بعض مظاهر العنف، إلى أن جاءت عملية اغتيال الناشط السياسي الشهيد شكري بلعيد التي هزت التونسيين وجعلتهم يستشعرون مخاطر استمرار تعطيل إرساء المؤسسات الشرعية للدولة.
تبعات هذه الهزة لم تنعكس على الترويكا الحاكمة بقدر ما أصابت حزب النهضة صاحب الأغلبية حيث كان وقعها عليه أشد، وجاء رد فعله في شكل انقسام داخلي كشف عن وجود تيارات عديدة ورؤى مختلفة حول كيفية مواجهة رهانات هذه المرحلة خصوصا وأن المواطن التونسي البسيط لم يعد بإمكانه الصبر أكثر على الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التي يواجهها منذ عامين.
ولأن الوضع أصبح لا يحتمل المزيد من التعطيل تعددت المساعي من داخل النهضة نفسها في محاولة لتحريك الأمور، فنزل زعيم الحركة راشد الغنوشي إلى الشارع من أجل «الدفاع عن الشرعية» و«عدم التفريط في السلطة التي وصل إليها بفضل ثقة الشعب»، فيما دعا الشيخ عبد الفتاح مورو الرجل الثاني في الحركة قيادات جزبه إلى تحمل مسؤولياتها باتخاذ القرارات اللازمة أو الرحيل، برز رئيس الحكومة الأمين العام للنهضة حمادي الجبالي بإعلانه الذهاب إلى تشكيل حكومة تكنوقراط لحلحلة الوضع والحفاظ على التوافق الوطني، مُسَبِقا بذلك المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية، في موقف يذكرنا بالمجاهد الراحل سليمان عميرات، رحمة الله عليه، الذي قال ذات يوم عندما اندلع العنف الأعمى ببلادنا غداة الانفتاح السياسي «لو خُيِّرت بين الديمقراطية والجزائر لاخترت الجزائر».. نعم هكذا يكون الرجال والعظماء وهكذا يموتون.ومع ذلك علينا دائما مواصلة الدفاع عن الحقيقة..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.