نشاط غير مطلبي

جمال أوكيلي
14 ديسمبر 2015

تعوّل السّلطات العمومية بقناعة تامّة على الجمعيات ولجان الأحياء، أي ما يسمى بالمجتمع المدني في تعزيز أداء البلديات في جوانب التّواصل مع المحيط، ونقل الانشغالات إلى المسؤولين المحليّين في إطار التّكامل خدمة للصّالح العام.
وبحكم النّشاط المكثّف لرؤساء المجالس الشعبية ونوّابهم، فإنّه في الكثير من الأحياء لا يعيرون اهتماما لهذه الجمعيات ولجان والأحياء، اعتقادا منهم بأنّها “مطلبية” أي تكثر من الضّغوط على رئيس البلدية من أجل إجباره على القبول بأشياء خارج إرادته أو السّعي من أجل أغراض لا تمتّ بصلة لمهامها أو لنقل شخصية بحتة، هذا ما يزعج ويحرج مسؤولي البلدية، ويجعلهم يقطعون علاقاتهم بهؤلاء أو يجمّدون تحرّكاتهم دون الاعلان عن ذلك.
وهذا ما يسجّل منذ فترة خاصة بعد طرح مبادرة الدّيمقراطية التّشاركية، بمعنى إدخال الجمعيات ولجان الأحياء وحتى المواطنين إلى قاعة المداولات، وإشراكهم في قرارات البلدية ساءت تلك العلاقة بشيء غريب، وأصبح كل طرف متمسّكا أو ماكثا في زاويته ينتظر ردّ فعل الآخر. هذه الحالة لا تخدم أحدا إن استمرّت لأنّها تحدث ذلك الشّرخ بين طرفين  مطلوب منهما أن يتعايشا مهما كان الأمر لأنّهما متواجدان في فضاء واحد، زيادة على ذلك فإنّه لا يمكن فرض الانتقائية في أوساط هؤلاء، أي من يصلح ومن لا يصلح!؟
لابد من إزالة هذه الذّهنية والتّخلص من هذه الأفكار المسبقة، نظرا للمساعدة القوية التي تقدّمها الجمعيات أو لجان الأحياء للبلدية.
ويتذكّر الجميع أنّه بالأمس فقط كان ما يسمى بـ “لجنة المدينة” (Co-Ville)، التي  كانت عبارة عن مساحة واسعة من الحوار المباشر بين هذه الجمعيات واللّجان مع رئيس البلدية. ومهما يكن فإنّها استطاعت أن تبلغ مشاكل السكان من إنارة، نظافة، حالة العمارات، الأسطح، الطّرقات، وضع الممهّلات، الأرصفة التي احتلّتها السيارات، إقامة الجدران لمنع انجراف التّربة، وغيرها من القضايا التي تنقل إلى المسؤول الأول بالبلدية.
هذه الصّيغة التّحاورية والدّورية لم يعد لها وجود في الممارسة اليومية للمجالس الشعبية، ما أدّى إلى تشنّج العلاقة بين النّاشطين في هذه الأطر والمنتخبين المحليّين، وتراكم المشاكل بطريقة لا تليق بهذا المقام أبدا، لأنّ عنصر الحوار غائب، وهناك من يرفضه نظرا لكونه يريد العمل مع طاقمه المنتخب بدلا من أطراف خارجية عن البلدية.
لذلك، فإنّ النّظرة الواقعية التي يتطلّب الأمر اتباعها هي تلك التي تكون مبنية على الحوار الجاد والنّزيه، مصدره النّصوص المسيّرة لهذا النّشاط، وهي موجودة في مواد قانون الولاية والبلدية التي تشجّع المجلس الشعبي المنتخب على الذهاب إلى المسائل التي تدعّم العلاقة مع المحيط بحثا عن الجدوى والاستقرار والتّنمية.
ولا خيار أمام رؤساء المجالس الشّعبية البلدية إلا باعتماد سياسة جديدة تولي الأهمية للجمعيات ولجان الأحياء، وهذا انطلاقا من خارطة طريق واضحة الأولوية فيها الاهتمام بالمواطن ثم المواطن.
ولايجب أن يتوهّم رؤساء البلديات بأنّ أعضاء الجمعيات أو لجان الأحياء خصوم يستدعي الأمر ملاحقتهم لإبعاد تأثيراتهم عن المحيط. هذا اعتقاد خاطئ لا يخدم أحدا، وفي حالة استمراره فإنّه يمسّ بشكل مباشر في مصداقية الجميع، وعليه فإنّ الأجدر تغيير هذه الأحكام المسبقة لأنّها جعلت الكثير من الجمعيات ولجان الأحياء يعانون من مواقف أضرّت بهم.
لذلك فإنّ رئيس البلدية يعتبر رجل إجماع على مستوى إقليمه، كل سكان بلديته سواسية وقدرته الفائقة تكمن في امتلاكه الصّدر الرّحب في الاستقبال والاستماع للآخر.
للأسف هذه الصّفات غير متوفّرة عند البعض من رؤساء البلديات، وما عليهم إلاّ استرجاعها لبناء نظرة جديدة، خاصة وأنّ الوصاية وزارة الداخلية والجماعات المحلية تراهن على الدّيمقراطية التّشاركية في انتظار تفعيل النّصوص المسيّرة لها.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024