في خضم ما يطفو على المشهد السياسي من تجاذبات بين أطيافه.. تارة بشد الحبل وتارة الخروج عن المألوف والغرق في مطيات السب والشتم ثم إغراق المشهد الإعلامي بحراك لا يسمن ولا يغني من جوع، هو نتيجة لغياب الدور الحقيقي الذي من أجله أنشأت الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني باعتبارهما فاعلان في بناء الخطاب السياسي، ومساهمان في بلورته بما تمليه الضرورة الاجتماعية خدمة للمواطن وتجاوبا مع طموحاته.
الأكيد أن الحراك الحاصل الآن، نابع من توجهات متباينة للتشكيلات السياسية، فليس عيبا أن تكون الاختلافات قائمة بينها، فعدم الرضا عن بعض المؤشرات في قوانين بادرت الغرفة السفلى بعرضها للمناقشة، تصنع كل هذا الجفاء، وتخلق منه بعض الأطراف قميص عثمان، لينهي الود القائم بينها، أو أن يأخذ ذلك الاختلاف أبعادا أخرى، تكون مادة لتأويلات الصحافة الغربية والأروقة الأجنبية ويتعدى الموقف الراهن، محل الخلاف، حدود الوطن.
يذكرني الوضع الراهن، بموقف ذلك الشاعر الكبير عمر الكندي، عندما اختلف عليه قومه وعاتبوه من أجل الدّين، (وأقصد الدين بوضع حركة السكون فوق الياء)، وهو الذي قدم بدائل في طريقة التقليل من الأعباء والنفقات، ولأنه سدد عن قومه ما لم يطيقون عليه سدا، فجنبهم التقشف في أبشع صوره، وهون عليهم الضائقة الاقتصادية، ودفع بطريقته عنهم هموما فاق ثقلها حدود الممكن.
لامست أن الوضع الحالي وموقف الكندي من قومه كلاهما واحد، مادامت التشنجات والتضاربات سببها مشروع قوانين كل ينظر إليها من زاوية معينة، هناك من يعتبرها لا تتكيف مع معيشة المواطن، وهناك من يعتبرها أسهل طريقة لمقاومة ما نحن مقبلون عليه، من تدني أسعار النفط واحتكار السوق. في انتظار أن تكون التدابير القادمة كفيلة وإجابة لكل المشككين الذين حاولوا جعل خلافاتنا استثمارا خارجيا دون وازع أخلاقي ولا نضالي.
فبقدر ما نحن بحاجة إلى التكاتف وتوحيد الرؤى والالتقاء حول مشروع الوطن، بقدر ما نحن بحاجة إلى أخلقة العمل السياسي، وليس نشر الغسيل في قبو لا تصلها الشمس؟