كلمة العدد

هل تنتشل “أوبيك” من الغرق؟

سعيد بن عياد
12 ديسمبر 2015

رافق إخفاق “ أوبيك” في تجاوز الوضع الراهن لانهيار سعر برميل النفط إطلاق توقعات تفيد بأن السنة القادمة تعرف انتعاش الطلب العالمي على الذهب الأسود الذي قد يتجاوز 94 مليون برميل/يوم مما يقود إلى امتصاص الفائض في السوق بالموازاة مع تراجع مرتقب للإنتاج الأمريكي. غير أن هذا المسار يتطلب أيضا تفعيل دور إيجابي من طرف البلدان المنتجة خارج المنظمة مثل روسيا والنرويج.
 ويقتضي تأسيس مرحلة جديدة لإرساء أسعار عادلة ومنصفة الرفع من أداء الحوار الدبلوماسي داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول حتى لا تتحول “أوبيك” إلى مجرد حلقة تابعة لمركز نفوذ دولي يسعى للتلاعب بمصالح أعضائها من أجل أهداف جيواستراتيجية. وبالفعل تأثرت أسعار النفط بشكل كبير جراء ما يعرفه العالم من نزاعات وصراعات بين كبار وأقوياء المجموعة الدولية لتدفع البلدان الناشئة فاتورة كبيرة تنعكس سلبا على مشاريع التنمية مما يزيد من مخاطر التوترات والنزاعات الإقليمية التي تضر مباشرة بالأسواق والبورصات.
والملاحظ كلما لاحت في الأفق مؤشرات تفيد بأن التوجه قائم لانتعاش الأسعار في أسواق المحروقات تعززها عوامل مختلفة منها انفتاح أعضاء “أوبيك” على الحوار مع المستهلكين في ظل توقع تراجع الإنتاج في الولايات المتحدة تخرج تقارير وكالة الطاقة الدولية لتخلط الأوراق في كل مرة بادعاء أن تراجع الأسعار يستمر ومن ثمة يسجل ضعف على مستوى الطلب خاصة مع عودة دخول صادرات إيران بعد رفع العقوبات الدولية مطلع جانفي 2016، مما يعمق حالة فائض العرض الذي يشكل سببا في تراجع الأسعار.
وفي ظل تداعيات الوضع القائم الذي يشكل تهديدا حتى على البلدان المصنفة ضمن كبار المنتجين وأصحاب الاحتياطات الضخمة من أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول يبقى لاوبيك دورا يمكن أن تلعبه لإعادة التوازن إلى السوق من خلال حماية معادلة العرض والطلب من وضعية اللّاتوازن كما هو اليوم إلى تضييق الهوة على أساس انتهاج مسار تضامني يراعي المصالح العادلة والمشروعة لمختلف البلدان الأعضاء، مع انفتاح على حوار في الاتجاهين مع البلدان المستهلكة.
وضمن هذا التوجه حرصت الجزائر منذ أن برزت أولى مؤشرات أزمة سعر البرميل قبل أكثر من سنة على أطلاق مسار “دبلوماسية النفط” يرتكز على توسيع دائرة الحوار داخل أوبيك ومع باقي الشركاء خارجها من أجل بناء معادلة لمتوسط سعر البرميل يراعي الحد الأدنى للمصلحة المشتركة بكافة جوانبها الاقتصادية والمالية والدبلوماسية تتطابق بشكل مباشر مع أهداف الألفية للأمم المتحدة التي تضع التنمية على امتداد العالم احد أولويات المرحلة بهدف تصحيح التوازنات الإقليمية وحماية الأسواق من كافة أشكال المضاربة والاحتكار.
وضمن هذا المسعى المسؤول يمكن للبلدان المؤثرة في قاعدة العرض والطلب خاصة من أعضاء المنظمة التي بدأت تفقد نفوذها أن توقف حالة انهيار سعر البرميل الذي بلغ مستوى خطيرا لم يعرفه منذ حوالي سبع سنوات، ليس خدمة لمصلحة بلدان أخرى أكثر تضررا إنما حماية لمصلحتها المباشرة في المديين المتوسط والطويل في ضوء معطيات كلفة الإنتاج ونمو احتياجات السكان التي ينبغي أن تراعي مصالح الأجيال القادمة أيضا. ومن ثمة من الضروري التزام خط سير يعتمد بعد النظر والوقوف على مسافة معينة من مصالح الشركاء الكبار وأهدافهم التي لا تعير للشعوب الصغيرة حتى ولو كانت بلدانها تملك أكبر احتياطي النفط أي اهتمام في المنظور الجيواستراتيجي للنظام العالمي الجديد.
وفي ظل مناخ ضبابي أدى بالعديد من البلدان إلى فقدان بوصلة التنمية المستدامة فسقطت في حالة الاستعجال التي نتجت عن الصدمة البترولية المالية يمكن لمنظمة البلدان المصدرة للنفط أن تستعيد المبادرة لوقف انهيار السوق البترولية وإعادة صياغة ورقة طريق تدرج مراعاة المصالح المشروعة لكبار المستهلكين وتحد من تأثير السوق الموازية التي تعرف نشاطا غير مسبوق جراء حروب ونزاعات في مناطق مختلفة من العالم خاصة حيث الجغرافيا النفطية والتي وجدت فيها بعض البلدان فرصة للحصول على البرميل بأبخس الأثمان ما يشكل فجوة أخرى في النسيج العالمي في مواجهة الفقر والأمراض وتلوث المناخ.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024