في خضم إصرار بعض الأطراف الدولية على الاستمرار في انتهاج سياسة خلط المفاهيم بخصوص الأحداث الجارية عبر العالم لتبرير توجهاتها ومخططاتها، تحافظ الدبلوماسية الجزائرية على هدوئها ورصانتها تماما كما تحتفظ الجزائر بمواقفها ومبادئها وتدافع عنها بكل ثقة وثبات، والتي لطالما تلقت بسببها انتقادات حادة أحيانا وأعيب عليها عدم مسايرتها للتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم بتوجيه وإشراف من الأطراف الفاعلة فيه.
غير أن هذه المعادلة، كما وفرت للجزائر منذ البداية مناعة من الانزلاق في المتاهات التي دخلت فيها بعض الدول العربية والإفريقية بسبب هذه السياسة الدولية تحت شعار ''التغيير وممارسة الحريات''، عرت مع مرور الأيام الوجه الحقيقي لـ ''مخططات تحرير الشعوب من حكامها.. وتبريرات مكافحة الإرهاب''، وأثبتت صحة موقفها، ما جعلها تستعيد الكثير من بريق دبلوماسيتها وتقدير الشركاء الدوليين لطروحاتها ووجهات نظرها المتزنة.
فقد تحولت العاصمة الجزائرية مؤخرا إلى محطة دولية هامة ومحورا قاريا حيويا لتنسيق المواقف والجهود، يحرص أهم الفاعلين في الساحة الدولية على الاستئناس برأيها لما أصبح لها من ثقل مؤثر بفضل سياستها المعتدلة القائمة على مبادئ وقيم ثابتة قوامها احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وعدم التدخل في شؤون الغير، وتفضيل مبدأ الحوار والتشاور، ونبذ اللجوء إلى الحل العسكري إلا بعد استنفاذ الحلول السلمية الممكنة، زيادة على خبرتها وتجربتها الرائدة والناجحة في مجال مكافحة الإرهاب.
هذا التحول الملموس في المفاهيم الدولية وتنامي بروز واتزان الموقف الجزائري تجاه ما يحصل من متغيرات وأحداث في الساحة الدولية لم يأت من فراغ وإنما هو نتيجة لتغير عدة معطيات أثبتت المآلات النهائية صواب وصحة التحفظ الجزائري من عدة قضايا ومسائل دولية أبرزها ما يسمى بـ ''الربيع العربي'' الذي لم يزد البلدان التي ''اجتاحها'' إلا ركودا وفوضى، بل وتراجعا في كثير من المجالات رغم هامش الحرية الكبير الذي أضحت تتمتع به، وحول هذا الموقف بالذات تستقبل الجزائر يوميا رؤساء دبلوماسية مختلف الدول بمن فيهم الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي على غرار روسيا التي وجدت في الجزائر حليفا ثابتا وسندا يعول عليه في مسعى استعادة التوازن في القوى الدولية.
ومما لا شك فيه أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي سيدعم أكثر صحة وجهة نظر الجزائر بخصوص ضرورة استنفاذ الحلول السياسية قبل اللجوء إلى الخيار العسكري حيث يؤكد الواقع اليوم أن هذا التدخل كان شاملا ولم يحيد الأطراف التي يمكن التفاوض معها قصد إضعاف وتقليص تأثير الجماعات المسلحة، كما أنه لم يقض على هذه الأخيرة وإنما ساهم في انتشارها أكثر من خلال إجبارها على الهروب والانتشار في دول الجوار.
مواقف ثابتة ودبلوماسية هادئة..
توفيق يوسفي
11
فيفري
2013
شوهد:977 مرة