كلمة العدد

“أوبيب” في مفترق الطرق!

سعيد بن عياد
21 نوفمبر 2015

أدخلت أزمة الانهيار العنيف لأسعار برميل البترول لتصل إلى أدنى مستوى (أقل من 45 دولارا) منظمة البلدان المصدّرة (أوبيب) في معترك أدى إلى انسداد ريثما انعقاد اجتماع أعضائها المرتقب في الأسبوع الأول من ديسمبر الداخل، وإن كانت المؤشرات الراهنة لا تشجع على انتظار تغيير جوهري للمعطيات في ظل توّقع الخبراء استمرار المشهد الراهن طيلة السنة المقبلة بالرغم من توّقع ارتفاع الطلب العالمي من 94,6 مليون ب / ي السنة الجارية إلى 95,8 مليون ب / ي خلال سنة 2016، مثلما تفيد به الوكالة الدولية للطاقة خاصة جراء نمو الاستهلاك في الهند (1,8 مليون ب/ ي في 2015).
ولا تزال منظمة “أوبيب” التي تصدّع بيتها من الداخل نتيجة إفراط بعض البلدان فيها ذات الاحتياطي الضخم في ضخ كميات هائلة من الذهب الأسود إلى درجة أصبحت فيها السوق البترولية متخمة، مقابل تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، علاوة على ما يتسرب إليها من خلال السوق السوداء النشيطة في بعض مناطق الشرق الأوسط خاصة، حيث فقدت بعض الدول سلطتها على مصادر إنتاج البترول لتقع مواقع انتاجية بكاملها تحت سيطرة جماعات إرهابية أبرزها “داعش” التي تحقق موارد مالية عن طريق بيع البرميل بأسعار منخفضة، الأمر الذي وجدت فيه بعض البلدان المستفيدة فرصة تساعد على تموين منظومتها الصناعية بالطاقة الزهيدة الثمن وبالتالي ربح معركة التنافسية في الأسواق.
حقيقة شكلت منظمة البلدان المصدرة للبترول التي توجد في مفترق الطرق هدفا في استراتيجيات بعض القوى العالمية النافذة التي تهيمن على الاقتصاد العالمي وتدير خيوط الأسواق رافضة بالمطلق أن تخضع لمعادلة شفافية أسعار البرميل خاصة في ضوء تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتمخّض عن المواجهة التي تراجعت حدّتها في فترات واحتدمت في أخرى، كما هو الراهن الدولي حاليا، حدوث شرخ كبير في بيت “أوبيب” الذي يبدو متصدعا أمام انطلاق كل بلد عضو في الدفاع عن حصته في السوق دون مراعاة مصالح الأطراف الأخرى، أحيانا بشكل مرغم للبعض وأحيانا أخرى بتواطؤ من البعض الآخر.
وبالرغم من فقدانها لتلك القوة التفاوضية التي لطالما اتسمت بها في عقود سابقة، إلا أن الرهان على عودة الانسجام إلى هذا “الكارتل” أمر ممكن من خلال تنشيط الحوار الدبلوماسي داخل المنظمة من جانب ومع بلدان من خارجها تملك قدرة مؤثرة في السوق. وقد بذلت الجزائر في هذا الاتجاه جهودا قوية لإقناع الأطراف ذات الثقل في الرفع من حجم العرض بضرورة العمل على مسار رد الاعتبار لمعادلة سعر عادل للبرميل بمراعاة مصالح المنتجين والمستهلكين وإرساء معدلات متوازنة لفترة متوسطة بما يساعد في نهاية المطاف الاقتصاد العالمي على استئناف النمو وفقا لرؤية تضامنية نابعة من الطموح إلى “أنسنة” العلاقات الاقتصادية الدولية، ويمكن لهذا الخيار العقلاني أن يقود أيضا إلى تفكيك عدة أزمات وبؤر للنزاعات والفوضى المدمرة التي يمتد لهيبها إلى بلدان صناعية من خلال التنمية وحماية حقوق الشعوب النامية في الرفاهية وقطف ثمار مواردها الطبيعية.
ويمكن لهذه المنظمة التي تملك أوراقا رابحة- لو تجيد وتحذوها الإرادة السياسية- الاتفاق على مسار توظيفها أن تعيد الإمساك بخيوط لعبة الأسواق، ليس من زاوية المواجهة مع الشركاء المستهلكين، إنما من موقع الحرص على توازن المصالح بطرح رؤية جديدة تمزج بين المصلحة الوطنية والمسؤولية الدولية والتزام الحذر من السقوط في مخططات تحبك في دوائر نافذة تعتبر البلدان ذات الكثافة الإنتاجية مجرد أحصنة تجر عربة الشركات متعددة الجنسيات ومن ورائها الدول القوية في انجاز مشاريعها لبسط الهيمنة على مصادر الطاقة وأنابيبها وكبح وتيرة التنمية في بلدان تعتبرها “خصمًا” أو منافسًا يجب إلحاق أكبر ضرر بها.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024