نظرة الجزائر الحكيمة

جمال أوكيلي
20 نوفمبر 2015

الإرهاب ليس وليد اليوم، ولم يأت مع «داعش» بل هو حلقة من حلقات لتسميات يعرفها الجميع خلال التسعينات أضرت كثيرا بالجزائر، التي كانت تحذر من هذا الأخطبوط لكن شعار الأكثرية آنذاك كان «أذهب أنت وربك» وكذلك «أخطي راسي»، وغيره من الكلام الذي لا يسع المقام لذكره كونه يحيي المواجع ويعيد للأذهان شريط أحداث ومواقف مايزال التاريخ يحفظها عن ظهر قلب.
ليس من شيم الجزائريين التشفي في الآخر، لأن أخلاقهم عالية وتربيتهم النضالية والثورية لا تسمح لهم بذلك، إكتووا بنار الإرهاب طيلة عشرية كاملة، للأسف لم يجدوا لا الشقيق ولا الصديق إلى جانبهم، هذا الأمر حز في أنفسهم إلى درجة لا يمكن تصورها وترسخ لدى الجزائريين بأنهم دحروا الإرهاب وقهروه لوحدهم، دون أي طرف آخر وهذا بشهادة كل من عايشوا تلك الفترة ووقفوا عليها.
وبالرغم من الحصار غير المعلن، قاوم الجزائريون هذه «الهمجية» وعلمتهم «المحنة» معنى التضحية والثبات في الظروف الصعبة وهكذا قالوا لذلك العالم آنذاك أن الإرهاب ظاهرة عابرة للأوطان، فحذار منها ولنتعاون على هذا العدوان والتصدي له، للأسف لا حياة لمن تنادي، واضعين أصابعهم على أذانهم وكأن الأمر لا يعنيهم بتاتا، وظل هؤلاء يتصرفون وفق آراء تجاوزتها الأحداث، متناسين أنهم معرضون لخطر داهم في أي لحظة، أولى بوادرها تفجيرات ٢٠٠١ بنيويورك.
وكل ما يقال اليوم عن جبهة أو تحالف أو إجماع ضد الإرهاب كان من اقتراح الجزائر خلال التسعينات، كانت عبارة عن دعوات للاستفاقة من هذا السبات العميق، والتحرك باتجاه الحل الأنسب للمجموعة الدولية حتى تتخذ الاجراءات الضرورية للقضاء على الإرهاب وعدم تركه يتمدد كما هو الحال في الوقت الراهن.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما حذرت الجزائر العديد من البلدان، من الخطر المحدق بها في حالة البقاء على هذا الوضع السلبي، والتساهل مع الإرهابيين بتوفير لهم الملاذ باسم «اللجوء السياسي» والسماح لهم بتأسيس جمعيات كتغطية للاساءة للآخر، ناهيك عن المساعدات المادية والإعانات المالية التي تغدق بها تركتها تفتح مواقع في الأنترنت والفضائيات وغيرها من أساليب الدعاية المغرضة.
ومنذ حادثة نيويورك استفاق العالم على واقع جديد وكانت مرجعيته الجزائر التي إكتسبت تجربة رائدة في هذا المجال وفريدة من نوعها، كانت محل طلب من كافة البلدان التي كانت معرضة لأعمال إرهابية محتملة، بحكم وجود ما يعرف «بالخلايا النائمة» التي تحولت إلى «الذئاب المنفردة» وحاليا وصلت إلى سقف «التوحش» حسب الخطاب المستعمل في الغرب عقب ما وقع في باريس.
والعمل الجزائري في هذا الاتجاه كان هادئا وبعيدا عن البهرجة والضوضاء أو التظاهر أو شيء من هذا القبيل.
نظـرا لما أبلغته للأمم المتحدة والدول الكبرى من أفكار عملية هي الآن محل تقدير واحترام، كمنع دفع الفدية التي سمحت بثراء الجماعات المسلحة، وإدراج ذلك في أدبيات ولوائح مجلس الأمن وتشديد تنقل الارهابيين بين البلدان بكل هذه الحرية المطلقة ومراثقبة قوية لمصادر أموالهم، تفاديا لتبييضها وغسلها عن طريق تمويهية كإنشاء جمعيات ومنظمات في أوروبا والتدقيق في الأوراق الهوية للأشخاص المشبوه فيهم، من خلال التنسيق الأمني، كل هذه الآليات وغيرها بادرت بها الجزائر منذ مدة طويلة في الوقت الذي كان البعض يتساءل عن مراميها ويعتقد أن ألسنة النار بعيدة عنه.
ونلاحظ أن هناك تدعيما قويا للنظرة السديدة للجزائر في مكافحة الإرهاب، آخذة في التجسيد حتى هناك من أراد مكافحتها عن طريق الدستور بعد أن كانت تمس بالحريات وإدراج حالة الطوارىء وغيرها.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024