شظايا سوريا تصيب باريس..

أمين بلعمري
18 نوفمبر 2015

أسقطت هجمات الجمعة الدامي التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس نظرية المناطق الآمنة والمناطق المعرضة لخطر الإرهاب، ليتأكد مرة أخرى أنه ظاهرة عالمية عابرة للحدود ولا يمكن أن نربطها بشعب أو بمنطقة دون سواهما، وأنه آن الوقت لكي تكف الدول الغربية عن الأنانية وسياسة النأي بالذات وإصدار التقارير الانتقائية، التي تحذر فيها في كل مرة مواطنيها من السفر إلى دول ومناطق بدعوى احتمال وقوع هجمات إرهابية، ولم نرها تفعل ذلك عندما تعلّق الأمر بفرنسا لا قبل ولا بعد وقوع تلك الهجمات الإرهابية الجبانة، التي استهدفت أبرياء من جنسيات مختلفة.
الهجمات الإرهابية التي استهدفت باريس حملت معها معطيات جديدة طرأت على “الإرهاب الأوربي”، حيث أنه ولأول مرة تلجأ الجماعات الإرهابية إلى استعمال عناصر انتحارية في عملياتها وهي سابقة لم تعرفها أي من الهجمات الإرهابية التي استهدفت في السابق فرنسا والدول الأوربية الأخرى، وهذا هو العامل الذي تراهن عليه الجماعات الدموية كثيرا لمضاعفة “البسيكوز”، الذي تراهن عليه “داعش” في إستراتيجيتها الهادفة إلى نشر أكبر قدر من الرعب ومن الصخب الإعلامي في الوقت نفسه، وقد استطاعت أن تحصل عليهما معا هذه المرة، إلى ذلك يضاف عامل آخر في هذه العمليات الإرهابية وهو المنحى التصاعدي الذي أخذه عدد الضحايا، ويكفي أن هجمات الجمعة 13 نوفمبر خلّفت 132 قتيل وحوالي 350 جريح وهي أكبر حصيلة من حيث تعداد الضحايا منذ أكثر من 50 سنة أي منذ العملية التي نفذتها “منظمة الجيش السري” (S.A.O ) الإرهابية سنة 1961، عندما زرعت قنبلة على خط قطار باريس - ستراسبورغ مخلفة مقتل حوالي 30 قتيلا وأكثر من 100 جريح، أو آخر عملية وهي الهجوم على الأسبوعية الساخرة “شارلي ايبدو” قبل  9 أشهر والتي خلفت 12 قتيلا.
هذا وإن دل على شيء فإنما يؤكد أن هناك جيلا جديدا من الإرهاب، أصبح متواجدا بالأراضي الأوربية عموما والفرنسية على وجه الخصوص، يظهر عليه بوضوح بصمة “داعش” السورية ولا يجب أن ننسى أن هناك الآلاف من أولئك توجهوا إلى القتال في سوريا، بعد أن وفّرت لهم بعض الدول الأوربية كل التسهيلات للتنقل إلى هناك عبر تركيا من أجل الانضمام للقتال في صفوف الجماعات الإرهابية، ظنّا منها أنها بذلك ستتخلص منهم إلى الأبد بعد أن تستعملهم كوقود في معركة الإطاحة ببشار الأسد، ولكن الذي حصل هو العكس تماما، حيث إن الكثير من أولئك الشباب عاد إلى بلدانه الأوروبية محملا بأفكار أكثر راديكالية وتكفير علاوة على التدريب على القتال واستعمال الأسلحة في معسكرات “داعش” و«النصرة” الإرهابيتين وبهذا أصبحت آلة القتل التي صنعت في سوريا جاهزة لتنفيذ أجندة “داعش” داخل الأراضي الفرنسية كما حصل يوم الجمعة الماضي لتجد باريس نفسها تواجه شظايا الأزمة السورية، التي ساهمت في إطالة عمرها وتعفنها بطريقة أو بأخرى ـ بينما اعتقدت أنها في منأى عنها - كما فعلت في ليبيا، حين أغرقها ساركوزي في فوضى عارمة أصبحت معها مصدر تهديد لكل المنطقة، وهي لعنة أخرى ستطارد فرنسا بسبب سياستها الخارجية، التي أصبح يرسمها بكل أسف أمثال برنار هنري ليفي.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024