صانعة السّلام

فضيلة دفوس
27 أكتوير 2015

تصريحات تثلج الصّدر، تلك التي صدرت عن الرّئيسين المالي والفرنسي نهاية الأسبوع الماضي بباريس خلال مؤتمر إنعاش الإقتصاد والتّنمية في مالي.
إذ حيّا كل من إبراهيم بوبكر كايتا، وفرانسوا هولاند الدّور الجزائري في إنجاح العملية السّياسية بمالي، والتّي توّجت منتصف ماي الماضي بالتّوقيع على الإتّفاق النّهائي للسّلم  والمصالحة، الذي طوى مرحلة من التوتّر والتّصعيد، ووضع قطار الأمن والإستقرار على السكة الصّحيحة، وأسّس لمرحلة لاحقة عنوانها “الوحدة والتّنمية”.
إشادة الرّئيسين المالي والفرنسي بالوساطة الجزائرية لحلحلة أزمة الجارة الجنوبية، لم تكن مجرّد مجاملة دبلوماسية، بل كانت اعترافا صادقا بالجهد الكبير الذي بذلته الجزائر من خلال إحتضانها لجولات من المفاوضات الشّاقة على مدار ١٦ شهرا بين حكومة باماكو والحركات الشّمالية التي اقتنعت بمقاربة الوسيط الموثوق في نزاهته وإخلاصه، واختارت الجنوح إلى السّلام باعتباره الطريق الوحيد للنّجاة…
إنّ اعتراف كايتا وهولاند بجميل الجزائر في مالي، هو مفخرة لها حتى وإن كانت تعتبر وساطتها بمثابة الواجب الإنساني الذي تمليه الجيرة الإنسانية أولا وقبل كل شيء، وبالتالي فهي لا تنتظر من وراء ذلك جزاءً أو شكورا، ولا تنظر إليه على أنه جميل بالمرّة، لأن ما بذلته هناك يدخل في صميم فلسفتها الدبلوماسية وقناعتها الأخلاقية، ويعتبر ركيزة في سياستها الخارجية، فالجزائر ورغم رفعها شعار النّأي بالنّفس عن التدخل في شؤون  الغير، إلا أنّها عندما يتعلّق الأمر بالمساعدة على حماية الأمن أو استعادة الإستقرار في بلد جار أو شقيق تكون سبّاقة لا متأخّرة، فاعلة لا متقاعسة أو متآمرة.
وللعلم فإنّ بلادنا لم تتأخّر يوما عن مساعدة مالي على تجاوز أزماتها ومحنها، وقادت وساطات كثيرة ومفاوضات طويلة بين الفرقاء هناك في سنوات التّسعينيات من القرن الماضي، إذ لم تؤثّر المصاعب الأمنية التي كانت تواجهها على درجة انخراطها في حلّ مشاكل الجارة الجنوبية، وقادت عدّة مفاوضات أسفرت عن العديد من الإتفاقيات، منها اتفاق تمنراست للسّلام عام ١٩٩١، واتفاق الجزائر عام ٢٠٠٦.
ومن جملة الشّعوب، كان الماليّون ولا زالوا يثقون في الجزائر ووساطتها، لأمانتها ونزاهتها، ولأنّها تقف على مسافة واحدة بين جميع الأطراف ولا تحرّكها أيّة مصالح خاصة.
إنّ الدّبلوماسية الجزائرية التي تلقى الثّناء والإشادة من جهات عديدة، تمثّل صوت العقل المعتدل، والحكمة الثّاقبة في هذا العالم الصّاخب المسكون بضجيج السّلاح، وآهات وآلام ملايين الأفراد الذين وقعوا في أسر الإرهاب والأزمات والحروب الأهلية.
وبالتّأكيد ستظلّ جهود ومساعي الجزائر الأنجع ومقارباتها الأنفع، وسيشيد بها الجميع ويذكرها التّاريخ كصانع للسّلام وبامتياز.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024