لو يعيد التاريخ نفسه...

سعيد بن عياد
17 أكتوير 2015

 



كتبت الجالية الجزائرية في المهجر مساهمتها في المجهود الوطني لتحرير البلاد من براثين الاستعمار الفرنسي بأحرف من الدماء الزكية فلم يبخل أبناء الشعب الجزائري هناك في عقر بيت المحتل بتقديم أعز ما يملكون لتقوية حركة النضال والكفاح. وكان حينها الاشتراك المالي الشهري في المجهود الثوري قناعة راسخة لتمكين الثورة من الحفاظ على استقلالية قرارها أمام مختلف أشكال الدعم القادم من الأشقاء والأصدقاء وأنصار تحرير الشعوب من القهر والاستغلال. وموازاة مع المعارك الحربية والعمليات الفدائية خاض أبناء «الغربة» معركة اقتصادية باتمّ الكلمة تماما مثلما خاضها إخوانهم على امتداد السنوات في البلد الأم من توفير للنقود على قلتها ومقاطعة لمنتجات الاحتلال وإضرابات في المزارع والمعامل والموانئ. وكانت بحق شكلا من أشكال المقاومة لا تقل أهمية عن المقاومة بالسلاح أو بالكلمة ويمكن الاستلهام منها اليوم في مواجهة الظرف الاقتصادي الصعب الذي يحمل خطرا في الأفق يتهدد السيادة الوطنية لينخرط أهلنا في المهجر في معركة البقاء مستقلين مرفوعي الهامة مهما كان عبء الأزمة.
ما أشبه اليوم بالأمس في هذه المعركة الاقتصادية التي تتصارع فيها القوى العالمية وذات النفوذ للهيمنة على الأسواق وكسر إرادة الشعوب وإعادتها إلى التخلف من خلال تجريدها من خيراتها واستباحة ثرواتها وتهجير كفاءاتها في عملية أشبه باللّصوصوية التي تسرق العقول الخلاقة والمبتكرة للذكاء. حقيقة جاليتنا في المهجر تكون دائما في المواعيد الوطنية الكبرى فلا تقصر إطلاقا في القيام بالواجب كلما دعاها رغم الظروف المعيشية الصعبة اجتماعيا واقتصاديا بفعل الإقصاء والتهميش والعنصرية، غير أن جاليتنا في هذا الظرف مدعوة للمساهمة في المجهود الوطني لمجابهة الصدمة المالية وتجديد الثقة التي وإن تعرضت لهزات فإنها لا تزال قائمة وقد أثبت الزمن ذلك في أكثر من مناسبة كانت فيها السيادة الوطنية على حافة الخطر. ولعل ميسوري الحال من مغتربينا أول من يبادر بإعطاء الإشارة تعبيرا عن الولاء المطلق للجزائر وتجاوز مرحلة جدل عقيم بشأن عراقيل هنا وفساد هناك أضرّت بحلقة الثقة التي تحتاج إلى إعادة ترميم خاصة وأن الإمكانيات الحقيقية للتواصل قائمة اليوم إلى درجة أن معنى الاغتراب لم يعد بذلك المفهوم التقليدي الذي ألقى بظلاله طويلا على أجيال بكاملها والمعبّر عن الغبن والعذاب من أجل لقمة العيش.
دون شك تقف البلاد اليوم أمام مؤشرات مالية صعبة تنذر بأزمة سيولة بالعملة الصعبة في وقت يشتد فيه الضغط على احتياطي الصرف الذي دخل في عملية استنزاف يجري العمل للحد منها بتقليص الاستيراد والتقليل من المصاريف الزائدة بما في ذلك المهمات للخارج، وبالموازاة مع شدّ الحزام في الداخل ترشيد الإنفاق وعقلنة الاستهلاك على مستوى المواطن والمؤسسة، يمكن إدراج الجالية الوطنية في الخارج في ديناميكية المواجهة الاقتصادية ضمن تفعيل تشكيلة من المسارات التي تحقق الغرض. ويتعلق الأمر بإرساء إجراءات تمنح للمغترب حسب قدرة كل فرد فرصة إيداع موارد مالية مهما كانت قليلة في حسابات خاصة مقابل برامج لهم ومساهمة العائلة المغتربة بصرف مبالغ على مستوى البنوك ومحاربة السوق الموازية بسلوك إرادي يجسد المواطنة خاصة وأن إخواننا يجدون في بلدهم خدمات ومرافق وتسهيلات من المفيد المساهمة في تمويلها. ويحتاج هذا المسعى حقيقة وبالملموس إلى ترقية أداء المؤسسات المكلفة بالانفتاح أكثر على محيط الجالية المغتربة وإضفاء الشفافية على الأنشطة الموجهة لها لرد الاعتبار لجانب الثقة التي تمثل صمام أمان للمستقبل وحتى لا يمكن أن تبقى مجرد شعار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024