كشفت الأيام أن التدخل الفرنسي في مالي يعتبر مرحلة من مراحل برنامج طويل المدى سطرته القوى الغربية للتدخل في المنطقة واستعادة نفوذها بعد بروز المد الصيني وعودة الجزائر كبلد فاعل في المنطقة وبروز الاتحاد الإفريقي كهيئة قوية حاصرت حركات التمرد وضيقت على الحركات التي تتآمر مع الخارج لإبقاء القارة السمراء في غياهب الجهل والظلام والتبعية الاقتصادية والثقافية.
نجح مجلس الأمن ووسائل الدعاية والإعلام الغربية في إيهام الرأي العام العالمي بوجود إمارة إرهابية تشكل خطرا على أوروبا، وصورتها على أنها قوة عسكرية بإمكانها الوصول إلى أي نقطة في العالم وضرب أي موقع تريد، ولكن الميدان أظهر بان للأمر أهداف معقدة سطرتها مراكز الدراسات الإستراتيجية والاستشرافية التي تضم دوائر صنع الأسلحة والإعلام والتكنولوجيات الحديثة والشركات المتعددة الجنسيات التي لا تقتنع بالثروات والأموال الطائلة بل وصلت أطماعها إلى بسط سيطرتها على العالم وخاصة الثالث منه الذي أصبح تائها ولا يعرف من أين يبدأ حل مشاكله التي لم تنتهي منذ أكثر من ٥٠ سنة.
إن التساؤل الكبير الذي شغل محللي العلاقات الدولية. هو أين اختبأت الجماعات الإرهابية إن كان لها وجود أصلا وهل يعقل أن تنهار تحت طلعات جوية لطائرات حربية فرنسية التي صالت وجالت في الصحراء الكبرى، وقامت وسائل الإعلام وخاصة الفرنسية منها باحتكار المعلومة والصورة على شاكلة ما فعلت «سي أن أن» في حرب الخليج، ووجهت القضية بذكاء كبير من خلال منح الوقت الأكبر لإظهار الشعب المالي وهو يحتفل بفتوحات القوات الفرنسية أو فتوحات الجيش المالي بمساعدة القوات الفرنسية مثلما تسوق له مختلف الدوائر الإعلامية لتبرير العملية العسكرية في مشهد سينمائي صعب التحليل.
ويبقى التاريخ وحده كفيلا بكشف ما حدث في قضية مالي التي اندلعت في مارس ٢٠١٢ وتزامنت مع زيارة الرئيس المالي السابق أمادو تومانو توري للجزائر ووقع اتفاقيات اقتصادية وتجارية فاقت العشر ملايين دولار، وهو ما أثار انزعاج فرنسا وجعلها تصعد الأمر من خلال استغلال ما تم إنتاجه في مخابر الغرب من جماعات تتحرك بأجهزة تحكم ومستعدة للموت من أجل مصالح الغرب.
إن البراغماتية والمصالح والثروات تبقى هي المحرك للغرب ففرنسا لم تحركها المساعدات الإنسانية للشعب المالي ولا الدعوات لوقف زحف الجماعات الدموية منذ أكثر من ١٠ سنوات بل أقامت استثمارات للتنقيب عن اليورانيوم في شمال النيجر عن طريق مؤسسات «آريفا» وتوسيع نشاط شركة «توتال» في مختلف دول الساحل تمهيدا للحفاظ أو استرجاع مناطق النفوذ بعد تراجع اقتصاديات الغرب في عقر دارها أمام المد الصيني والياباني وبروز كوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا كقوى اقتصادية ضيقت الخناق على الغرب الذي بات يتخبط ولم يجد سوى السياسات الاستعمارية لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من المجد الضائع ، وهو ما يؤكد استمرار الفكر الاستعماري وتحوله من أسود وأبيض إلى استعمار بالألوان.
يبقى ما يحدث في مالي درس لنا جميعا من خلال تصحيح أخطاء التسيير والحكامة والحكم الراشد لأن التهاون والتسيب وعدم التحكم في التنمية ومنح حق الشعوب وانتشار الاستبداد وعدم نشر الحريات والولاء الزائف للغرب لن ينتج سوى استعمارا جديدا لكن هذه المرة بإرادة داخلية وصدق من قال يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه.
الإرهاب...الوجه الآخر للاستعمار
حكيم بوغرارة
03
فيفري
2013
شوهد:1210 مرة