اللاجئون ورهانات دولة «إسرائيل الكبرى»

أمين بلعمري
21 سبتمبر 2015

إن ظاهرة اللاجئين ليست جديدة، حيث ارتبطت منذ القدم بالإنسان الباحث في رحلة اللجوء عن الأمن والغذاء بعد هروبه تحت ظروف قاهرة من أوضاع تهدد هذين العنصرين الحيويين اللذين تقوم عليهما الحياة البشرية وبالتالي فظاهرة اللجوء هي أبعد من أن تكون خيارا حرا بل حتمية تفرضها معطيات على مجموعة بشرية في رقعة جغرافية معينة اضطرتها إلى الانتقال نحو فضاء جغرافي آخر.
بكل تأكيد هذا التحوّل سوف لن يمر دون أثر ومن أكبر النتائج التي ستترتب عن ذلك هي التغييرات الديمغرافية ولعل أزمة اللاجئين السوريين الحاصلة اليوم هي مثال حي على ذلك، حيث تنذر بحدوث تغيرات في المستقبل ومن شأنها أن تغير الخريطة الديمغرافية في الداخل السوري وفي كل منطقة الشرق الأوسط وفي هذا الصدد لا بد من التذكير أن الدولة الوطنية السورية التي تأسست في عشرينيات القرن الماضي شكلت بوتقة للتعايش بين مختلف الطوائف والأقليات التي كانت تحكمها  معادلة «المواطنة « وهنا تتبين بوضوح أهداف المحاولات الرامية إلى تفكيك الدولة السورية التي ظلّت تشكل في السابق الضامن لهذا التعايش وفق محدد المواطنة لفسح الطريق أمام صعود اعتبارات أخرى طائفية، دينية وعرقية يمكن أن تشكل أسس لبناء «دويلات» على أنقاض الدولة السورية الحالية، خاصة بعد أن فقدت السيطرة على الكثير من المناطق بعد استيلاء جماعات إرهابية تكفيرية  (النصرة وداعش ) عليها و هما تعملان اليوم وفق مؤامرة تكشفت خيوطها على تنفيذ مهمة تعميق هذه الفوارق بسبب منطقها التكفيري الرافض للآخر والذي يجعلها بالضرورة في مواجهة المكونات الأخرى للمجتمع السوري.
هذا في الداخل السوري أما في الخارج فإن الواقع أن هناك الملايين من السوريين اختاروا بل أجبروا على الخروج من بلادهم كلاجئين إلى أوروبا ودول أخرى هروبا من الجحيم والاقتتال وقبلهم عاش العراقيون نفس السيناريو الرامي إلى إفراغ المنطقة من العنصر العربي في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تعمل على بناء دولتها الدينية المتطرفة عبر استيراد مواطنين من شرق أوربا ومن إفريقيا « يهود الفلاشا من إثيوبيا» و كل ذلك على أساس ديني لتعمير هذه الدولة الاصطناعية التي أنتجتها الامبريالية العالمية وترعاها اليوم النيوكولونيالية «الغربو- صهيونية».
أمام هذه المعادلة المختلة التي تصب في خدمة إسرائيل - بكل تأكيد- التي ظلت تعمل جاهدة على القضاء على التفوق البشري والفلسطيني تحديدا وذلك بداية من سنة 1948، حيث قامت العصابات الصهيونية المسلحة المدعومة من البريطانيين آنذاك بتشريد الفلسطينيين وطردهم إلى خارج أراضيهم و النتيجة كانت الملايين من اللاجئين الفلسطينيين يكابدون أوضاعا أقل ما توصف به أنها غير إنسانية وهذا على مدار 60 سنة كاملة لتكون بذلك أكبر أزمة لجوء مزمن في العالم.
إن هذا المسار لا يزال مستمرا إلى اليوم، حيث لا يزال الكيان الصهيوني يمارس نفس الأساليب لتكريس هذا التفوق الديمغرافي لليهود على حساب العرب في فلسطين وفي كل المنطقة والذي نشهده اليوم مع اللاجئين السوريين لا يمكن إبعاده عن خانة بناء هذا الاختلال لصالح إسرائيل التي أصبحت تدرك جيدا أن قدراتها العسكرية وترسانتها النووية لا يمكنها أن تشكل الضمان الكافي لأمنها إن لم تشوش على الخارطة الديمغرافة للدول المحيطة بها والتي تصنفها في خانة الأعداء وهي الدول العربية  بكل تأكيد واليوم يمكن القول - ودون أي مبالغة - أننا نشهد فصول سايكس- بيكو في طبعته الثانية، هدفه تمكين إسرائيل من بسط سيطرتها على كل المنطقة وهذا وفق النوايا المعلنة للكيان الصهيوني الداعي إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى بعدما سمح لها اتفاق سنة 1916 بإعلان هذه الدولة سنة 1948.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024