سامحِـــــونا

نور الدين لعراجي
08 سبتمبر 2015

لم تجن الشعوب العربية، منذ أن أغرقت بلدانها في متاهات الربيع.. عفوا الخريف العربي، إلا الوهن والدمار والموت بكل صوره و أنواعه، حتى أصبح الفناء قدرا محتوما على الهاربين من جحيم القناصين والفوضى.. وأحيانا من شبح البطالة وغيرها من الأعذار، التي لا نجد لها تبريرا في أبجدياتنا ولا في قواميسنا.
بالأمس القريب أرقام مذهلة من قوارب الموت تنطلق من السواحل الليبية نحو إيطاليا محملة بالآلاف من المهاجرين غير الشرعيين من دول افريقية.. لكنها تفشل في مغامراتها.. وتخفق في عبور المياه الإقليمية لتغرق هي بمن فيها من الحناجر الغابرة.. وتصبح في خبر كان.
موسم الهجرة نحو الضفة الأخرى من المتوسط أربك المجموعة الأوروبية ومن خلالها الدول الكبرى في العالم وأصبحت عاجزة عن حل هذه المعضلة التي تفاقمت بشكل تراجيدي ومأساوي.
أما اليوم فانتقلت العدوى إلى أبناء الشعب السوري، فرارا من موت يلاحقهم.. وأشباح تترصدهم.. إلى أن فجرت صورة الطفل إيلان الكردي كل الضمائر وجعلتها تعيد النظر في مرآة الصباح طويلا.
فعندما تكون النهايات متشابهات، هاربون من شبح الموت، ضاقت بهم الدروب.. لم تعد الجغرافيا تجمعهم بعدما غيروا التاريخ وأوجسوا في قلوبهم خيفة.
لا يمر يوم إلا وقوافل المهجرين من أبناء الشعوب العربية والإفريقية تظفر بتأشيرات النهايات، مقابل دراهم معدودات، تنتهي حلقاتها  في مياه المتوسط يتوقف نبض كلامهم يؤجلون أفراحهم.. يديرون ظهورهم لأوطانهم.. حالمين بغد مشرق هناك.
لكن هيهات هيهات الموت يتربص بهم ويترصدهم، أين ما حملتهم أمواجه العاتية، في الليالي الحالكات، مأساة المهجرين والفارين من لغة الدمار  لا يملكون في رصيدهم سوى النجاة بأرواحهم ووصولهم اليابسة، فالمغامرة ليست بالسهلة وبينهم  قصر ونساء  لا يفقهون في حروف المجازفة، لتبقى أرواحهم عالقة بالشواطئ وأحيانا تختفي في الأزرق صاحب المدى البعيد اللامتناهي.
لا أدري إن وقفت متطفلا أردد ما قاله الشاعر نزار قباني وكأنه يصف هذه الأهوال التي نعيشها كل يوم في البحر المتوسط والمحيط..كأنه شريط صور شاهده من وراء حجب.. ضربت أطنابها في التاريخ إذ يقول:
«سامحُونا ..ان تجمعنا كأغنام على ظهر السفينة ...وتشردنا على كل المحيطات سنينا وسنينا ..لم نجد ما بين تجار العرب ..تاجرا يقبل أن يعلقنا..أو يشترينا..»
فهل تتحرك الضمائر الإنسانية، لوقف هذا النزيف البشري في هجرته المزعومة نحو مياه الموت؟.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024