'' الحقيقة التاريخية''

سعيد بن عياد
20 ديسمبر 2012

غادر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الجزائر، وفي مخيلته مشهدا لم يكن يتوقعه، كما تأكد بأن بلد المليون ونصف المليون شهيد رقما أساسيا في معادلة العلاقات المتوسطية وهو واثق من مواصلة معركة التنمية مع الشركاء المخلصين النزيهين أو بدونهم.
لقد انتقى هولاند الكلمات  والتزم حذرا شديدا  وإن أبدى خطوة يمكن التوقف عندها لكنها غير كافية؟. وبالتأكيد وجد الضيف، الجزائر متألقة، شامخة وذات كبرياء بشعبها الذي ضرب أروع الأمثال في العزة والكرامة. وما خصّ به ما هو سوى سلوك يعكس الشهامة والكرم والجود الذي يعرف به الإنسان الجزائري على مر الأزمان، وحتى في عز الأزمة المالية كان مبادرا بتجسيد قيمه الراسخة. وفي سؤال لإحدى القنوات الفرنسية عن تراجعه على الاعتراف بجرائم الاحتلال، حينما كان يتحدث بلسان مسؤول الحزب الاشتراكي رد بأنه لا يمكنه تحميل ذلك للدولة الفرنسية بما يعني أنه أسير عقدة تاريخ بلاده ويفتقر لعزيمة الكبار الذين يواجهون الحقيقة التي حاول الالتفاف عليها بالربط غير النزيه بين الماضي والمستقبل.
وهو يقطع طريق الشهيد ميرة عبد الرحمان بباب الوادي عائدا من المقبرة المسيحية ببولوغين شاهد كيف أن الجزائريين على أعلى مرتبة من التحضر باستقبال الضيوف وإسقاط ما يروج عنه من أكاذيب ومحاولات تشويه. وكان أقوى مشهد ذلك الذي رسمته مجموعة من الأطفال لأسر بسيطة، أبناء هذا الحي الشعبي العتيق حيث تختلط فيه آمال وآلام وطموحات أبناء الجزائر بترديد حناجرهم الدافئة وبصوت عال وقوي النشيد الوطني «قسما»، وكأنهم أرادوا كسر جدار الصمت وتبليغ رسالة الأجيال بأن الوفاء للشهداء هو قناعة وموروث أكبر من كل الصفقات يستمد من صدور الأمهات من حرائر الجزائر، وأن الهوية مسألة ليست للمقايضة بعيدا عن أي عقدة للانفتاح على المحيط الإقليمي للضفة الشمالية للمتوسط بكافة جهاته وثقافاته.
بلا شك أراد أولئك البراعم التعبير عما يختلج في صدور المجموعة الوطنية وملأ الساحة حتى لا يعبث العابثون بالفراغ والصمت الغامض لأكثر من جهة والقول بما لا يدع مجالا للشك، سواء اعترفت واعتذرت أو العكس، فإن الجزائر مصممة على السير قدما على خطى الرعيل الأول الذي حرر الأرض والعباد فوقعوا ميلاد الجزائر المستقلة بدمائهم ومعاناتهم وصبرهم على أفعال مخجلة لفرنسا الاستعمارية طيلة ١٣٢ سنة، وعازمون على بناء الجزائر حجرا حجرا في ظل المساحة الكبيرة لاختيار شراكة في الاتجاهات المتعددة ولن يمكن الانتظار كثيرا. ومن ثمة ليس أمام المتعاملين الفرنسيين الاحترافيين الذين يريدون الكسب والنجاة من دوامة الأزمة المالية العالمية وانهيار منطقة اليورو سوى التحرر من قبضة القوى اليمينية المتطرفة وترك أوهام أسلافهم والانخراط في الديناميكية الاستثمارية الواسعة وفقا لقاعدة تكافؤ الفرص وتوازن المصالح واقتسام المنافع والأخطار.
لقد بدا هولاند يريد قطع خطوة أكبر من تصريحاته، ولكن كانت قوة ما تجذبه للوراء، فهل هي الخشية من التيار اليميني وخصومه السياسيين الذين يستعملون ورقة التاريخ لابتزاز الشعب الفرنسي؟. لكنه وقف بأم عينيه على حقيقة ماثلة قد تدفعه لمراجعة خياراته وهي أن الجزائر كانت وتبقى على الدوام صاحبة المبادرة لا تهتز أمام ثقل الظروف تشق الطريق إلى المستقبل مدركة التحديات بالاعتماد على أبنائها الأوفياء للماضي الذي يمثل ركيزة المستقبل الذي لا يمكن أن يبنى على فراغ.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024